بغداد - لم تمنع موجة الاحتجاجات الشعبية الجارية في العراق، رغم شدّتها، الأحزاب السياسية من مواصلة صراعها التقليدي الشرس على السلطة، مدفوعة بالرغبة في حماية مكاسبها من جهة، وبحرص إيران على إبقاء زمام قيادة الدولة العراقية بيد أحزاب وشخصيات بعينها تثق فيها طهران أكثر من غيرها وتأتمنها على حراسة نفوذها ومصالحها في العراق. وقالت الرئاسة العراقية الأحد إنّ التحالف البرلماني الذي يقوده زعيم ميليشيا بدر هادي العامري ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تحت مسمى تحالف البناء، رشّح قصي السهيل وزير التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال لرئاسة الحكومة المقبلة. وهذا الخيار ليس مرفوضا من قبل الشارع فقط، ولكن أيضا من قبل عدد من القوى والأحزاب المنخرطة في الصراع على السلطة، الأمر الذي يرشّح الاحتجاجات الشعبية للتصاعد ويكرّس الارتباك في صفوف الطبقة السياسية. ورغم الضغوط الكبيرة المسلطة في الشارع على الطبقة السياسية لإنجاز نقلة نوعية في البلاد، غرق السياسيون في جدل عقيم بشأن الجهة الأحقّ بتسمية رئيس وزراء جديد لخلافة رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، فيما الأحزاب الممسكة بزمام السلطة تواصل مناوراتها للالتفاف على المطالب الشعبية وترشيح من يكفل لها مواصلة الهيمنة على الحياة السياسية. وأحيت عملية اختيار رئيس وزراء جديد الجدل بشأن تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر المخوّلة ترشيح الشخصية التي ستتولّى المنصب. ولجأ رئيس الجمهورية إلى القضاء لتحديد الكتلة الأكبر، وتلقى، الأحد، جوابا على استفساره من المحكمة الاتحادية العليا، وصف بالغامض. ولم يعر الشارع الغاضب اهتماما بمثل تلك الشكليات القانونية وواصل تظاهراته المطالبة بالتغيير الشامل. وأقدم الآلاف من المتظاهرين على قطع الطرقات وإغلاق الدوائر الحكومية في غالبية مدن جنوب البلاد. وفيما يؤكد مسؤولون سياسيون أن الجارة إيران صاحبة النفوذ القوي في العراق، تواصل سعيها لتمرير مرشح يخدم مصالحها، أعلن الشارع رفضه التام لمرشّحي الأحزاب. وفوجئ المراقبون بالخلافات حول من يتولّى قيادة الحكومة وهو يتسرّب إلى داخل النواة الصلبة لحلفاء إيران في العراق. وأعلن النائب في البرلمان علي الصجري، الأحد، الانسحاب من تحالف البناء، المقرب من إيران، فيما اتهمه بالخضوع لما سماه “إملاءات خارجية”. ويتألف تحالف البناء في الأساس من قوى سياسية شيعية على صلة وثيقة بإيران وعلى رأسها ائتلاف الفتح بقيادة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وتكرّس صراعات الأحزاب على المناصب انفصال السياسيين عن مطالب الشارع الغاضب الذي يبدو مصرّا على مواصلة حراكه. وبعد أسابيع عدة من تراجع نسبي في الاحتجاجات بفعل حملات الترهيب والخطف والاغتيالات التي تقوم بها ميليشيات، وفق الأمم المتحدة، فإن الانتفاضة بدأت، الأحد، تستعيد زخمها. وأعلن المتظاهرون في الديوانية والبصرة الإضراب العام، بعد ثلاثة أشهر من احتجاجات غير مسبوقة أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 25 ألف شخص. وكان المتظاهرون رحبوا في نهاية نوفمبر الماضي باستقالة حكومة عادل عبدالمهدي. واليوم هم يريدون إسقاط رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية برهم صالح. ويهتف المحتجون في ساحة التحرير وسط بغداد “برهم والحلبوسي جاء دوركما”. وفي مدينة الديوانية، أغلقت مجموعات من المتظاهرين الإدارات الرسمية الواحدة تلو الأخرى، ورفع المحتجون لافتات كتب عليها “نعتذر لإزعاجكم، نعمل لأجلكم”. وليل السبت الأحد، قام العشرات من المتظاهرين بإغلاق الطريق السريعة التي تربط مدن الجنوب ببغداد بالإطارات المشتعلة. وفي كربلاء والنجف، المدينتان المقدستان لدى الشيعة، أغلق الطلاب والتلامذة المضربون كل المدارس، وتجمعوا بالآلاف في الساحات. وفي الناصرية، أقدم المتظاهرون على قطع الجسور وطرق محورية عدة، فيما ظلت جميع الإدارات الرسمية مغلقة. وفي العاصمة بغداد تجمع الطلاب في ساحة التحرير المركزية بوسط العاصمة. وقالت المتظاهرة هويدا وهي طالبة في كلية العلوم “نرفض السيطرة الإيرانية على بلادنا، سليماني هو من يدير الأمور لدينا. يجب أن يعود العراق إلى ما كان عليه”.
مشاركة :