الانتخابات المبكرة لا ترضي طموحات الشارع العراقي

  • 12/23/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد – أخفت دعوة مرجعية السيستاني إلى إقامة انتخابات مبكرة الانقسام السياسي بين فريقين، الأول طالب بإجراء انتخابات مبكرة مصحوبة بإجراءات إصلاحية لقانون الانتخابات ومفوضيته، والثاني كان معارضا بشدة لهذه الخطوة، وفي مقدمة المعارضين كتلة البناء بقيادة هادي العامري، وكان زعيم كتلة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي أكثر جرأة من زملائه حين اعتبرها مؤامرة أميركية. الانتفاضة الشعبية والضغط الأممي والدولي دفعا المرجع الديني السيستاني إلى إقتراح إجراء انتخابات مبكرة رغم أن كتلا لها وجهات سياسية ترتبط بولائها للولي الفقيه الإيراني لا تعطي أهمية لتوجيهات السيستاني لكنها مرغمة على ذلك. إن الانتخابات المبكرة وفق وصية السيستاني يجب أن يسبقها تشريع قانون انتخابي منصف ومفوضية مستقلة وفق آلية تسمح بإعادة الثقة في العملية الانتخابية، إلا أن هناك من يرون بأن هذا التوجيه لم يوضح كعادة السيستاني في خطب من يمثله ما إذا كانت الأحزاب الحالية مؤهلة أم لا لمثل هذه المهمة الوطنية وتلبي رغبات المعتصمين والكثير من الاجتهادات السياسية القائلة بوجوب أن يسبق الانتخابات المبكرة تشكيل حكومة مؤقتة برئيس مستقل، وإلا فلن تكون لتلك الانتخابات قدرة على إجراء التغييرات المطلوبة في بنية النظام السياسي القائم والذي دائما ما تدافع المرجعية للحفاظ عليه من مخاطر الانهيار. عادة ما تلجأ الدول الديمقراطية إلى الانتخابات المبكرة كخيار دستوري للخروج من أزمات بنيوية أو وطنية في الحكم. آخر الأمثلة الانتخابات المبكرة في بريطانيا لمواجهة التزامات الخروج الآمن من الاتحاد الأوربي (بريكست) وقبلها بأشهر الانتخابات الإسبانية المبكرة بسبب الاختلال في التمثيل البرلماني وعدم توفّر الأغلبية بعد سحب أعضاء البرلمان (من كتالونيا) القوميين دعمهم للحكومة الاشتراكية، أو الأزمة العاصفة في الحكومة الإسرائيلية لعدم الوصول إلى أغلبية لتشكيلها مما دفع الكنيست للدعوة إلى انتخابات مبكرة. بعد سقوط الطبقة السياسية العراقية الحاكمة في مأزق سياسي، انطلقت ثورة شبابية كبرى في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية مطالبة بالتغيير وفق شروطها المتضمنة إقالة حكومة عادل عبدالمهدي وقيام حكومة مؤقتة تتولى مسؤوليات تشريع قانون انتخابي جديد ومفوضية مستقلة توصل إلى خطوة الانتخابات المبكرة. وقد دعمت ممثلية الأمم المتحدة في بغداد هذا المطلب الشعبي رغم تحفظات المعتصمين على سلوك جنين بلاسخارت المناور في قضية مطالب الشعب العراقي. كما دعمت الولايات المتحدة خطوة الانتخابات المبكرة وفق تصريح الناطق باسم البيت الأبيض في نوفمبر الماضي. إن مطلب الانتخابات المبكرة يتصاعد في مناخ دستوري وسياسي مثير للجدل في ما يتعلق بشروط وضوابط تحقيق هذه الخطوة، وفق مختصين في الدستور، بأن تتم -بعد أن يحل مجلس النواب نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه أو طلب رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية- الانتخابات المبكرة خلال ستين يوما من تاريخ الحل، وهذا يعني أن من يدير هذه العملية حكومة مؤقتة ورئيس جمهورية مسؤول. لكن المناخ السياسي السائد يشير إلى استماتة الأحزاب في تشبثها بمواقعها ومناوراتها للمستقبل المقبل في هذا الجو المضطرب. وتوقع رياض بدران، رئيس مفوضية الانتخابات التي حلت أخيرا من قبل البرلمان، استحالة إجراء انتخابات مبكرة في العراق بالسهولة التي يتوقعها البعض بعد أن تم حل المفوضية وكادرها المتدرب لسنوات حسب رأيه، معترفا بالحملة الشديدة التي تعرض لها أعضاء المفوضية باتهامات فساد وتزوير لحملة انتخابات عام 2018. وأكد بدران على عدم حصول اقتناع من قبل الأحزاب بالنتائج الانتخابية، مضيفا أن قانون مفوضية الانتخابات الذي أقر أخيرا في البرلمان لم يغادر المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع عدد أعضاء المفوضية. وقبيل صدور موقف مرجعية السيستاني الذي طالب بإجراء انتخابات مبكرة شهدت الأوساط السياسية انقساما حول ما إذا كانت هذه الخطوة وحدها قادرة على الانتقال السلمي والآمن للسلطة نحو التغيير. وأشار إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي ببغداد، إلى أن بعض القوى السياسية الماسكة بالمعادلة وليس جميعها غير راغبة في الانتخابات المبكرة خوفا من تضرر مصالحها، خاصة كتلة فتح بزعامة هادي العامري. في مقدمة المسؤولين في الحكم المطالبين بالانتخابات المبكرة كان رئيس الجمهورية برهم صالح في خطابه بتاريخ 31 أكتوبر، تبعته تغريدات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وكذلك كل من إياد علاوي وحيدر العبادي وأسامة النجيفي حيث فسرت مطالبتهم من قبل المحللين والمتابعين بأنها تلبية لرغبات الاستحواذ المستقبلي على السلط وليست تعبيرا حقيقيا عن مطالب المعتصمين، مع أن بعضهم وبالأخص حيدر العبادي ربط مطلب الانتخابات المؤقتة بضرورة قيام حكومة مؤقتة تقدم المتورطين في قتل المتظاهرين إلى العدالة واتخاذ إجراءات سريعة بحصر السلاح بيد الدولة والتعهد بفك الارتباط بين أي عمل سياسي وعسكري. ويعتقد السياسي العراقي صلاح عمر العلي “أنه إذا ما تم تشريع قانون انتخابي يوافق عليه الثوار ونقابة المحامين العراقية فأنا مع إجراء انتخابات مبكرة على أن يسبقها تشكيل حكومة مؤقتة من شخصيات وطنية مستقلة تماما عن جميع الأحزاب داخل السلطة وخارجها”. ويؤكد وجود قلق بسبب عدم توفر البيئة الآمنة السياسية والقانونية والأمنية التي تسمح بصعود متكافئ للذين يجدون في أنفسهم القدرة والكفاءة في خدمة الشعب وألا يكون التمثيل النيابي مثلما هو الآن فرصة للاستحواذ على المغانم والامتيازات. ويبقى السؤال الأهم هل ستسمح مافيات النهب والفساد وميليشياتها المسلحة للشعب بأن يأخذ طريقه الطبيعي في الحياة المدنية الديمقراطية بلا محاصصات حزبية وطائفية؟

مشاركة :