قضايا «الخلع» و«التابوهات المجتمعية»

  • 5/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ارتفعت قضايا الخلع المنظورة خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي 1436هـ بمعدل يقترب من 6 حالات يوميا بعد تسجيل 1007 حالة خلال الـ180 يوما الأولى من العام الجاري، وبارتفاع مطرد وموازٍ لحالات الطلاق وفسخ عقود النكاح التي تشهد أيضا ارتفاعا ملموساً خلال الخمس سنوات الماضية، مما يعكس مدى حالة التدهور التي أصابت منظومة الزواج والأسرة في المملكة، خاصة أن إجمالي حالات الطلاق بشكل عام بلغت ــ بحسب تقارير رسمية ــ العام الماضي لأكثر من 25% من حالات الزواج، وهو ما يفوق المعدل العالمي المقدر بـ18%، ولذلك نتساءل بحرقة عن أسباب تضخم إحصائيات دعاوى الخلع التي تقلب لنا المشهد الطبيعي في حفاظ نسائنا على كيان الأسرة وعش الزوجية إلى مشهد سيكودرامي تعج فيه قاعات المحاكم وأروقتها بآلاف النساء المتقدمات بطلبات خلع أزواجهن. وبتسليط الضوء على قضايا «الخلع»، نجد أن هناك ارتفاعا كبيرا العام الماضي 1435هـ، حيث كشفت إحصائيات وزارة العدل عن ارتفاع معدلات هذه القضايا في كافة مناطق المملكة بنسبة 47% خلال عام واحد، وأشارت التفاصيل إلى ارتفاع دعاوى المعاشرة الزوجية بشكل ملحوظ خلال الأربع سنوات الماضية، وكان العدد الأكبر منها مقدم من النساء ضد الرجال بمعدل 624 حالة مقابل 187 شكوى من أزواج ضد زوجاتهن فيما يخص التقصير في المعاشرة الزوجية، وبلغ إجمالي قضايا الخلع العام الماضي 2033 دعوى، ومؤشر نتائج الأشهر الستة الأولى من العام الجاري ظلت متقاربة مع هذا النطاق السلبي. وعلى ضوء نتائج إحصائيات الطلاق والخلع في السنوات الأخيرة، أقر مجلس الشورى قبل عامين توصية بتأسيس إدارة مستقلة مختصة بشؤون الطلاق تابعة لمكتب سماحة المفتي العام، كما أطلقت وزارة العدل مؤخرا مؤشر لمعدلات القضايا المتعقلة بالطلاق والخلع وفسخ عقود النكاح وطلبات الانقياد وغيرها من القضايا وفقا للمعدلات اليومية والشهرية والسنوية، بالإضافة إلى استنفار العديد من الهيئات والجمعيات الأسرية والجامعات ومؤسسات البحث العلمي للحد من هذه الظواهر عبر دورات وندوات ودراسات، وما إلى ذلك من جهود متنوعة ومبتكرة يشارك فيها الخبراء والمختصون في شؤون الأسرة للحد من هذه الظواهر الاجتماعية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو أين مكمن الخلل في الارتفاع الملحوظ الذي فاق متوسط المعدلات العالمية لبعض الحالات والظواهر الاجتماعية مثل القضايا المتعلقة بالطلاق. ولا شك أن ارتفاع معدلات الطلاق والقضايا المتعلقة به باتت ظاهرة عالمية لا تقتصر فقط على المملكة، ومعالجة هذه القضايا هي مسألة معقدة جدا؛ لأنها تتطلب معالجة ظواهر اجتماعية أخرى قد لا تكون ذات علاقة مباشرة بها مثل انتشار المخدرات وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار وصعوبة إيجاد أو امتلاك سكن، بالإضافة إلى تزايد الالتزامات والمسؤوليات على الفرد، وتزايد التباعد الاجتماعي وتفكك روابط الأسر الممتدة وانعزال الأسرة النواة في ظل كل هذه المتغيرات التي طرأت على المجتمعات المعاصرة، بالإضافة إلى تطور قدرة المرأة على الاستقلالية من خلال التوسع في الفرص الوظيفية وارتفاع مصادر دخلها، وكذلك عوامل الغزو الفكري نتيجة إلى الانفتاح الكبير على المجتمعات الأخرى في ظل تطور تقنيات التواصل الإعلامي والاجتماعي، ولكن أيضا هناك ملابسات أخرى تخص مجتمعا بذاته وتساهم في تفاقم هذه الظواهر بما يفوق باقي المجتمعات من حولها، ومن بينها بعض الأعراف والتقاليد والموروثات الاجتماعية. ومناقشة قضايا الخلع لا تهدف إلى استنكار الحق الشرعي للمرأة في المطالبة بهذا الحق الذي شرع لحكمة إلهية لا جدال فيها، ولكن حان الوقت لأن نعيد النظر بجدية في بعض الأعراف الاجتماعية التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تفاقم معدلات هذه الظاهرة؛ مثل الغلاء المبالغ في المهور، والذي يصل إلى حد «تسليع» المرأة في عدد من الحالات، ورفض بعض الأسر للنظرة الشرعية بحجة العادات والتقاليد، والتشجيع على الزواج في سن مبكر بغض النظر عن قدرة الزوج على الوفاء بالالتزامات الزوجية، وفرض بعض الأسر زواج الأقارب، وبعض هذه التقاليد والأعراف المتوارثة اجتماعيا يخالف السنن النبوية؛ ومنها ما هو ظالم لحقوق المرأة، ولعب دورا في إحداث هذا الخلل الذي أصاب منظومة الزواج والأمان الأسري. ولذلك.. إن لم نقبل على فقه الواقع والتخلي عن بعض السلوكيات والموروثات الاجتماعية، فسوف تتحطم جهود المسؤولين للحد من ظاهرة الخلع وأرقام الطلاق المفزعة أمام هذه «التابوهات المجتمعية»، وحينها سيأتي يوم يكون فيه الإقبال على خلع الأزواج أكثر من اهتمام المرأة بزينتها!.

مشاركة :