الدوحة الراية: قال فضيلة الداعية د. محمد رجب المستشار الشرعي بمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله لخدمات الإنسانية "راف" إن عبادة التفكر كانت جلّ عمل الصحابة وديدنهم ومسلك العارفين بالله المتفقهين في دينه، مشيرًا إلى أنها عبادة لا تحتاج إلى فرط مجهود، ولكنها تحتاج فقط إلى سكون النفس، مؤكدًا أنها نوع من العبادة قد لا يفطن لها الكثير من الناس. ودعا إلى التفكر في أقدار وحكم وآلاء الله عزّ وجلّ في الحوادث التي تنزل بالناس، مؤكدًا أن الله عزّ وجلّ يخفض ويرفع ويعزّ ويذلّ ويعطي ويمنع بلا سبب. ونوّه في المحاضرة التي ألقاها بمسجد أبو بكر الصديق ضمن سلسلة الشمائل المحمدية التي تنظمها مؤسسة "راف" بالتعاون مع إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أنه ما كان أحد منذ سنوات يتصوّر تبدل الأحوال، وسكون الظلمة السجون ودخول السجّان السجن، وتبدل الحال بلا سبب وأسباب إنما هو عطاء الواحد الوهاب، وقال إن التفكر أن تجد الله في كل شيء من حولك وأن ترى الله وترى أسماءه وصفاته في كل الأقدار والتدابير. دار اختبار وأكّد د. محمد رجب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له راحة، لأن الدنيا أنزل اليها آدم عقوبة ولم تكن مكان راحة، فهي دار اختبار وبوتقة اختبار ودار ممرّ لا دار مستقرّ، والراحة في بلاد الراحة في الجنة، ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم، ونحن نحاول أن نقرب ما نقيسه من أحوالنا على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حتى نرى ما نحن فيه، وما ينبغي أن نكون عليه، هو القائل صلى الله عليه وسلم "ذهب وقت النوم"، فقد كان طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه (باسم الله تعالى) ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل، لا فضول ولا تقصير. ونبّه إلى أن المؤمن رقيب على لسانه لا يتكلم إلا ما كان فيه مصلحة معاشه ومعاده، فكلام النبي فصل لا حشو فيه ولا يلقي كلامًا بلا فائدة، وهكذا كان السلف يقول الإمام أحمد، أدركت الناس على الجمل، أي يتكلمون بقصير الجمل، لا يكثرون مثلنا، وينتقون كلامتهم، بلا فضول ولا تقصير عن الحاجة. ليس بالجافي ولا المهين، أي ليس بالذي فيه جفاء البداوة، ولا يهين أحدًا، أو يُهان من أحد بسبب تساهله مع الناس. وأضاف: لابد من المحافظة على حد الحشمة، والاحتشام خاصة للداعية، ليس تكلفًا ولكنّ وصفًا وسمتًا يأتي من بهاء الطاعة، وهذا ما قدمناه في البداية أن من وصف النبي صلى الله عليه وسلم من رآه هابه، ومن صحبه أحبّه صلى الله عليه وسلم. متواصل الأحزان وقال د. محمد رجب في شرحه حديث عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافًا، فقلت صف لي منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه (باسم الله تعالى) ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقّت لا يذمّ منها شيئًا غير أنه لم يكن يذمّ ذواقًا أي كان صلى الله عليه وسلم يمدح جميع نعم الله ولا يشتغل بمذمّتها قطّ ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، فإذا تعدّى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار، أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام و الغمام هو السحاب وحب الغمام: هو البرد شبه به أسنانه البيض. والحديث وإن كان في سنده ضعف إلا أن هناك معاني طلب مني الحاضرون شرحها. نقص الديانة وتابع فضيلته: ما حصل وما يحصل بتلك الأمة إنما يرجع لتلك الخطايا والذنوب والآفات، وهذا إن عذر فيه عامة المسلمين لا يعذر فيها من علمه الله وفقهه، ونحن نتحمل كل ساعة مزيدًا مما يستوجب على العبد التوبة، خاصة إذا كان من السالكين العارفين فإن نقص الديانة وفقد شيء من سننها وأركانها أو من آثارها التي يستشعر بها العبد كخروجه من الصلاة كما دخلها، فهنا لابد أن يقف ويراجع نفسه لأن هذا يتناقض مع مقامات العارفين بالله المنسوبين إلى الله ربّ العالمين من المتدينين، وهذا يستحقّ بلا شك استغفارًا وتوبة، فمن لا يستطيعون أن يقيموا صلاة ولا يجدون من بعد الصلاة أثرًا كيف يا ترى يستطيعون أن يقيموا حكمًا ودولة يجدون كذلك بعدها أثرًا؟!، والله لا يظلم أحدًا "إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون". أهل الدين وقال: هذا الحزن إن تمكن من القلب فإنه يمزجه خوفًا وخشية مما هو آتٍ من أمر الدنيا والآخرة، أما أمر الدنيا فهذا الذي علمهم الله من علوم الدين كتلاوة القرآن وفهمه وتعلم معانيه، والعمل بما فيه، فهذا يستحقّ القلق والحزن على فواته، فأصحاب الدنيا الذين جمعوا مالاً كلما زاد مالهم زاد قلقهم وهمهم من سلب هذا المال، والدنيا كلها فانية، أما أهل الدين فإن عطاء الله عندهم أكبر من ذلك، فإن الله يعطي الدنيا لمن أحبّ ومن لا يحبّ ولا يعطي الدين إلا لمن أحبّ، والدنيا لو تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، أما الصلاة والصيام والذكر وقيام الليل ومعرفة سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وهداية العبد للاستنان بسنته واقتفاء أثره كل هذا كله فضل من الله ومنة يخشى أهل الصلاح ضياعه ويحزنون على فوات شيء منه، فهم على يقين أنهم ليسوا موضعًا لنزول هذه العطايا ولا هم يستحقون ذلك، فالبون كبير بين ما يستحقونه وبين عطاء الله لهم ولكنه محض فضل من الله، ومن هنا تأتي الخشية والخوف من ذهاب شيء من معرفتهم لله وتوفيقهم في العبادة التي هي بستر وفضل ومنه وكرم من الله. وزاد بالقول: أما من لا يبالي، فلا يبالي الله به، فهو لم ينتبه إلى فقد الفرائض من قبل فكيف ينتبه للفقد في النوافل في السنن والمستحبات وفي القرب من الله، وهو لم يستشعر وينزعج لفقد الفرائض، بل لفعل المحرمات، فما بالك بالسنن والطاعات.
مشاركة :