في رحابة وسعة وتميز وجمال قلّ له نظير تستقبلك واحة الأحساء - ما أن تزورها - بقلب أبيض جذاب وبألوان ليس لها مثيل، مزيج بين السماوي والأخضر والرملي.. بين الجبال، والسهول والوديان والنخيل والبحار.تنوع تضاريسها هو انعكاس لتنوع حضاري وإرث ثقافي وتكامل إنساني قلّ أنْ يجتمع في منطقة واحدة،ولا يكاد يوجد دين لم يمر على الأحساء التي تتميز على مر التاريخ بالتسامح والتعايش واللين والمحبة بين كافة أطياف المجتمع، حضارات عدة امتدت على مدى 6 آلاف عام مرت بها ما يحكي حالة عظيمة في واحة «هجر» و«الخط» «سكان بلاد البحرين» الغناء.وتتميز الأحساء «عاصمة السياحة العربية 2019» بتنوع سياحي فريد ممتد على مدى 7 آلاف عام.ولأن «هجر» تقع على طريق القوافل القديم وطريق التمور والتوابل، فإنها تمثل منطقة إشعاع وحاضرة علمية ومعرفية، مُشكّلة موروثًا يعيش في وجدان أهل الأهالي منذ القدم، خاصة بعد تسجيلها في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).ولزوّار الأحساء العديد من الخيارات التي يمكنهم المفاضلة بينها، كل حسب اهتمامه،الأول للمهتمين بالتراث يعرف بوسط الهفوف يتضمن «قصر إبراهيم، ومنزل البيعة، وسوق القيصرية، والمدرسة الأميرية»، والخيار الثاني للمهتمين بالتاريخ ويتضمن «وسط الواحة»، والتعرف على طريقة صناعة الخبز الحساوي «الخبز الأحمر»، بالإضافة إلى واحات النخيل، و جبل قارة، والعيون العذبة، ومسجد جواثا، ومصنع الفخار،فيما يلبي المسار الأخير اهتمامات «عُشاق السفاري» بـ«بحيرة الأصفر» ذات الطبيعة الخلابة والأعشاب الغريبة التي تنمو حولها، كأشجار الأرطى، والشنان، والتي تعرف بـ«كحل الصيف وبياض الشتاء».«الحاج يوسف الأحسائي»7 عقود محافظًا على محلّه بالسوق..«القيصرية هوائي الذي أحيا به»أحد الأمور التي من النادر أن تجدها خارج الأحساء هي محافظة الأجداد على مساحاتهم بالسوق منذ عقود من الزمن دون تنازل.البائع وخراز الأحذية السبعيني الحاج يوسف حسين عيسى البوحسن الأحسائي أحد هؤلاء، يقول لـ«الأيام» إنه ومذ كان عمره 7 أعوام يجلس في سوق القيصرية بائعًا للأحذية وصانعًا لها، في صورة تمزج بين أصالة الماضي وعراقة الحاضر.وقد عاش فيها وتربى منذ نعومة أظافره، وقال: «هذه السوق عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، فقد كانوا يدبغون الجلود لصناعة الأحذية، ومنذ كان عمري 7 سنوات وأنا أتنقل بين حيطان السوق القديمة التي تذكّرنا برائحة الأجداد وسماتهم الطيبة، فقد كان المكان الوحيد والمتنفّس للأهالي، حيث التجمعات والجلسات، القيصرية كانت الملتقى والملاذ لطفولتنا والأمان لكبارنا، وأثرها في النفس لا يزال حاضرًا، وسنعيش فيها إلى آخر أعمارنا».تفوحُ السوق برائحة الماضي، ليعبر عنها المؤرّخون بـ«أيقونة الأحساء العمرانية، ووجهها الاقتصادي، وساحتها التجارية».يعود بنا التاريخ إلى عام 1822م، فجاء ذكر السوق في مذكرات الرحالة، بالإضافة إلى ما وُجِدَ في بعض الوثائق التاريخية التي تدل على أن سوق القيصرية كان قائمًا في القرن التاسع عشر الميلادي. مسجد جواثا رائحة عصور الإسلام الأولىمسجد جواثا التاريخي إرث حضاري عمره 1432 عامًا تفوحُ منه رائحة الإسلام الأصيل ويتميز المسجد بمنظره التراثي وبموقع وسط منطقة رملية، وجبلية،ما أن تقبل على مسجد جواثا حتى ينتابك نوع خاص من الطمأنينة والروحانية، في مسجد بُني في السنة السابعة للهجرة، أي في بداية العصر الإسلامي.المرشد السياحي عبدالعزيز عبدالله العمير قال لـ «الأيام» إنه أقيمت بالمسجد ثاني جمعة في الإسلام، بناه سكان بلاد «البحرين» (بنو عبد قيس)، وهم الذين بادروا بإسلامهم طوعًا لا كرهًا وقد مدح النبي أهل هذه الديار بقوله: (أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم أسلموا طوعًا لا كرهًا)، ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي.وتقع جواثا الآن وسط كثبان رملية، وبها منخفضات تظهر فيها دلائل استيطان قديم ومبانٍ مندثرة. سوق القيصرية أيقونة تجمع الحداثة بالتراث بعمر 6 قرونيعد سوق القيصرية، من الأسواق الشعبية المشهورة، وهو واحد من أبرز الأسواق التراثية العربية، التي قلّ أن تجد لها نظير، ويحتوي علـى نحو 422 محلاً، ويُشبه بناء السوق الطراز العثماني القديم.ويشير عددٌ من مؤرّخي الأحساء إلى أن إنشاء السوق تم في عهد الملك عبدالعزيز «مؤسس الدولة السعودية الحديثة»، أما عبدالله الشايب أحد المهتمين بالتراث فأشار في كتابه «سوق القيصرية» إلى أن السوق موجودة منذ حوالي ستة قرون، ثم إنشاء مدينة الهفوف، إلا أن من المؤكد أن هذا السوق قائم في القرن التاسع عشر، وذلك لذكر الرحالة له في مذكراتهم، ولوجود وثائق تدل على ذلك. توالت قصص وحكايات، لأحداث ومواقف، ليبقى ما يعمره الإنسان، تراثًا موروثًا، لا يتغير وجهه. هكذا صمد «سوق القيصرية التاريخي» بالأحساء ليبقى شامخًا بمبناه الطيني، وأروقته التي لا تصدأ. جبل قارة كهوف بتنوّع جيولوجي فريدجبل قارة المعلم الأحسائي الأبرز الذي يمر ذكره لكل من يزور الأحساء، فمنذ زمن بعيد عُرفت كهوفه بأنها منزل هروب عن حرارة الصيف اللاذعة، وبتشكيلاته الصخرية الفريدة من نوعها، أصبح قِبلة المصوِّرين والزوار، وينتصب «جبل قارة»، الذي يردّ الجيولوجيون تشكّله إلى ما قبل 2.5 مليون سنة بطول نحو 1000 متر.ويتكوَّن الجبل من صخور رسوبية تميل إلى اللون الأحمر، ويشرف على مساحات شاسعة من أشجار النخيل، أما ما صنع شهرته، فهو احتواؤه على اثنتي عشرة مغارة مختلفة الأشكال والأطوال، وتتميّز ببرودة جوّها الداخلي، حيث تبقى الحرارة في حدود 20 درجة مئوية، حتى في أشد أيام الصيف حرارة.
مشاركة :