علي جمعة: الله أمرنا بالإحسان إلى غير المسلمين

  • 12/26/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ذكر الدكتور علي جمعة أن الله بالإحسان دائمًا قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.باب الإحسان ولقد طبق النبي ﷺ هذا الفهم القرآني في سنته الشريفة فكان ﷺ قرآنًا يمشي على الأرض، وكان دائمًا القرآن هو خلقه ﷺ ، فكان ﷺ يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ فقد ثبت في صحيح السنة بما يفيد التواتر أن النبي ﷺ قبل هدية غير المسلمين، ومن هذا : « أن رسول الله ﷺ بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ـ يعني بكتابه معه إليه ـ فقبل كتابه، وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله، ثم سرحه إلى رسول الله ﷺ ، وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة بسرجها، وجاريتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها لجهم بن قيس العبدري» (ذكره الحافظ في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب).وأوضح أن من ذلك قصة إسلام سلمان الفارسي رضى الله عنه، وفيها : « جاء سلمان إلى رسول الله ﷺ حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله ﷺ. فقال رسول الله ﷺ : ما هذا يا سلمان ؟ قال : صدقة عليك وعلى أصحابك. قال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة، فرفعها وجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه. فقال : ما هذا يا سلمان ؟ قال : صدقة عليك وعلى أصحابك. قال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة، فجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه يحمله. فقال : ما هذا يا سلمان، فقال هدية لك، فقال : رسول الله ﷺ : انشطوا »( أخرجه أحمد ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).وأشار إلى ان من ذلك ما ورد عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال : « أهدى كسرى لرسول الله ﷺ فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل , وأهدت له الملوك فقبل منها » (أحمد ، والبيهقي ، والبزار).وقد تعقب هذا الأثر الحافظ العراقي بقوله : « فيه قبول هدية الكافر، فإن سلمان رضى الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك، وإنما أسلم بعد استيعاب العلامات الثلاث التي كان علمها من علامات النبوة، وهي : امتناعه من الصدقة, وأكله للهدية، وخاتم النبوة وإنما رأى خاتم النبوة بعد قبول هديته»( طرح التثريب)اهـ.وأوضح أن قبول الهدية جائز في الشرع، بل هو سنة النبي ﷺ ، بل كان أبرز علامات نبوته ﷺ التي أخبرت بها الكتب السابقة، وعن أنس رضى الله عنه قال : « عاد النبي ﷺ غلامًا يهوديًا كان يخدمه » (أحمد ، والبيهقي ، وذكره المناوي في فيض القدير).وأفاد بأنه قد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مستحبة لأنها من باب الإحسان؛ وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: « ( ويجوز قبول هدية الكافر ) للاتباع»( أسنى المطالب).وأضاف أنه يؤيد هذا الفهم ما قاله السرخسي وهو : «وذكر عن أبي مروان الخزاعي قال : قلت لمجاهد : رجل من أهل الشرك بيني وبينه قرابة، ولي عليه مال، أدعه له ؟ قال : نعم، وصله. وبه نأخذ فنقول : لا بأس بأن يصل المسلم المشرك قريبًا كان أو بعيدًا، محاربًا كان أو ذميًا لحديث سلمة بن الأكوع قال : صليت الصبح مع النبي ﷺ فوجدت مس كف بين كتفي، فالتفت فإذا رسول الله ﷺ فقال : هل أنت واهب لي ابنة أم قرفة ؟ قلت : نعم. فوهبتها له. فبعث بها إلى خاله حزن بن أبي وهب، وهو مشرك وهي مشركة. وبعث رسول الله ﷺ خمس مائة دينار إلى مكة حين قحطوا، وأمر بدفع ذلك إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة. فقبل ذلك أبو سفيان، وأبى صفوان وقال : ما يريد محمد بهذا إلا أن يخدع شبابنا. ولأن صلة الرحم محمود عند كل عاقل وفي كل دين ، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق؛ وقال ﷺ : {بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} . فعرفنا أن ذلك حسن في حق المسلمين والمشركين جميعا.» (شرح السير الكبير).وأردف أن ابن مفلح الحنبلي قال بعد ذكر قوله تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} : « قال ابن الجوزي : قال المفسرون : وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة, وذكر عن بعضهم نسخها والتي بعدها آية السيف.ولفت إلى أن ابن جرير قال : لا وجه له; لأن بر المؤمنين المحاربين قرابة كانوا أو غير قرابة لا يحرم إذا لم يكن فيه تقوية على الحرب بكراع أو سلاح, أو دلالة على عورة أهل الإسلام لحديث أسماء... ثم قال : واحتج في المغني عليهم بإهداء عمر الحلة الحرير إلى أخيه المشرك، وبحديث أسماء قال: وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم»( الآداب الشرعية).وأشار إلى أنه كذلك ذكر المرداوي الحنبلي حكم تهنئة غير المسلمين، وتعزيتهم، وعيادتهم، فقال : « قوله (وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم : روايتان) وأطلقهما في الهداية ... وأن قول العلماء : يعاد، ويعرض عليه الإسلام. قلت : هذا هو الصواب»( الإنصاف).وأكد أنه جاء في الفتاوى الهندية : «ولا بأس بالذهاب إلى ضيافة أهل الذمة، هكذا ذكر محمد رحمه الله تعالى ... ثم قال : ولا بأس بضيافة الذمي، وإن لم يكن بينهما إلا معرفة، كذا في الملتقط ... ثم قال : ولا بأس بأن يصل الرجل المسلم والمشرك قريبًا كان أو بعيدًا محاربًا كان أو ذميًا»( الفتاوى الهندية).واستطرد سئل الشيخ عليش في تهنئة غير المسلمين هل تعد من قبيل الردة فقال: «لا يرتد الرجل بقوله لنصراني أحياك الله لكل عام حيث لم يقصد به تعظيم الكفر ولا رضي به» ( فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك).

مشاركة :