وصل وفد من الصحافيين السوريين الخاضعين للعقوبات إلى العاصمة السعودية الرياض في منتصف شهر ديسمبر، بعد أن تمت دعوتهم لحضور اجتماع لنقابة الصحافيين العرب لأول مرة منذ تعليق العلاقات الثنائية بين سوريا والسعودية في أغسطس 2011. وتزامنت هذه الخطوة مع التقارير التي تفيد بأن السفارة السعودية في دمشق ومكاتب الخطوط الجوية السعودية تم تجديدها استعدادا لإعادة فتح أبوابها. وقبل أيام فقط، نُقل عن السفير الإماراتي في دمشق قوله إن دولة الإمارات تتطلع إلى عودة الهدوء إلى شوارع سوريا “تحت القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد”. وكان ذلك بعد وقت قصير من إصدار الدول العربية لبيانات متتالية تدين بشدة الغزو التركي لشمال شرق سوريا الذي بدأ في 9 أكتوبر الماضي. وفي وقت سابق من هذا العام، تمت استضافة وفد من المحامين السوريين في عمان، تلته زيارة رئيس البرلمان السوري حمودة الصباغ إلى العاصمة الأردنية. بدأت عملية إعادة التطبيع العربي البطيء مع سوريا بإعادة فتح سفارة دولة الإمارات في ديسمبر 2018، ثم سفارات الأردن والبحرين. ورد السوريون بالمثل، فقد كتموا انتقاداتهم تجاه السعودية في وسائل الإعلام الحكومية، مع التركيز فقط على التهديد التركي. ابتعدت سوريا عن جدل عملية قتل جمال خاشقجي في عام 2018، ولم تنطق بكلمة واحدة ضد السعودية. وعندما سُئل وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن الأمر في مؤتمر صحافي، قال إن وفاة خاشقجي لا تهمه. وقال مصطفى السيد، المعلق السياسي السوري المقيم في مدينة دورتموند بألمانيا، “يبدو أن العلاقات الحكومية السورية – السعودية تحقق تقدما الآن”، بهدف الحدّ من النفوذ الإيراني والتركي في سوريا. وأضاف السيد “موسكو هي الدافع الرئيسي وراء إعادة الارتباط والشراكة”، مضيفا أن الكرملين يأمل في تقليل اعتماد سوريا الاقتصادي والعسكري على طهران. لقد ضغطت روسيا من أجل إعادة فتح الحدود السورية الأردنية، وفتح الأردن الأبواب أمام المنتجات السورية وأعطوها ممرا آمنا نحو الخليج العربي في محاولة لإنقاذ الاقتصاد السوري المتعثر. وبعدما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب قواتها من سوريا، كانت روسيا تأمل في أن تصبح الحكومة السورية أقل اعتمادا على النفط الإيراني من خلال استعادة حقول النفط من المقاتلين الأكراد شرق نهر الفرات. لكن هذه الخطوة أُحبطت بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في اللحظة الأخيرة بإبقاء القوات الأميركية في حقول النفط السورية، بشكل ظاهري لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية داعش. لقد اعتقد المسؤولون السعوديون أنه يمكنهم جذب السوريين بعيدا عن إيران، مكررين استراتيجية نفذها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التي حققت نجاحا محدودا، في العراق. وبدلا من توجيه الانتقادات إلى قادة بغداد ما بعد عصر صدام أو وصفهم عملاء للتوسعة الإيرانية، مدت الرياض يدها إليهم، واحدا تلو الآخر، وتم استقبالهم على السجاد الأحمر في الرياض وجدة. لقد أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى حلفاء عراقيين بارزين لطهران، مثل مقتدى الصدر وعمّار الحكيم ورئيس الوزراء في ذلك الوقت حيدر العبادي، بهدف وحيد وهو خلق عتبة في السياسة العراقية وعدم ترك الساحة العراقية واسعة مفتوحة للتدخل الإيراني. وبدا مقتنعا بأنه يستطيع فعل الشيء نفسه مع دمشق. لقد تم إقصاء السعوديين من عملية أستانة، التي جعلت الشؤون السورية حكرا على روسيا وتركيا وإيران. تم استبعادهم من المحادثات الدستورية الأخيرة التي قادتها الأمم المتحدة والتي بدأت في سويسرا في أكتوبر الماضي ومن المنطقة الآمنة المشتركة بين الروس والأتراك بين رأس العين وتل أبيض. وفي العام الماضي، اتخذ وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة المبادرة، واحتضن بحرارة نظيره السوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة. تم بث اللقطات حصريا على قناة العربية السعودية وليس على التلفزيون الحكومي السوري. ثم ظهر وزير الخارجية البحريني على قناة العربية قائلا “نتعامل مع الحكومة السورية وليس مع من يحاولون إسقاطها”. واستخدم وزير الخارجية البحريني بشكل ملحوظ كلمة “الحكومة” بدلا من “النظام”، مضيفا أنه من غير المعقول استبعاد الدول العربية من العملية السياسية برمتها في سوريا. بعدما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب قواتها من سوريا، كانت روسيا تأمل في أن تصبح الحكومة السورية أقل اعتمادا على النفط الإيراني من خلال استعادة حقول النفط من المقاتلين الأكراد وبعد أسبوع واحد فقط، أجرت صحيفة الشاهد الكويتية مقابلة إيجابية مع الرئيس السوري، حيث أشاد بشار الأسد بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وبعد أسابيع، سافر الرئيس السوداني آنذاك عمر حسن البشير إلى دمشق، وكان بذلك أول رئيس دولة عربي يزور العاصمة السورية منذ عام 2011. وتكهن الكثيرون بأنه كان يحمل رسالة حسن نية من السعودية، التي كان السودان متحالفا معها في الحرب على اليمن. وعلى الرغم من أن دول الخليج أعادت فتح سفاراتها لكنها لم تقدم مساعدات مالية أو استثمارات مباشرة لإعادة إعمار سوريا، مما دفع الأسد إلى السفر إلى طهران في فبراير 2019، ونتجت عن ذلك سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية بين الدولتين، في البنية التحتية والاتصالات السلكية واللاسلكية والإسكان والزراعة. أبدت الدول العربية استعدادها لاستعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ودعوتها إلى القمة العربية لعام 2019 في تونس، لكن ذلك لم يحدث بسبب حق النقض (الفيتو) من قطر – التي لا تزال في خلاف مع دمشق. لقد تقرر أن سوريا يمكن أن تعود إلى الجامعة العربية وإلى محيطها الأصلي لكن فقط بعد استيفائها لشرطين، الأول يتعلق بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو إلى بدء عملية سياسية، والثاني التخلص من التبعية لطهران. وفي حين أن الأولى بدأت ببطء في المحادثات الدستورية في أكتوبر الماضي، إلا أن العلاقات السورية الإيرانية لا تزال قوية إلى حد ما.
مشاركة :