جوارب النايلون تسحر النساء طوال ثمانين سنة

  • 12/26/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خيط أفضل لحياة أفضل"، تحت هذا الشعار قدّمت شركة دو بونت (DuPont) الأميركية أحدث مبتكراتها في المعرض الدولي عام 1939 في نيويورك المتمثلة في خيوط النايلون. وفي الخامس عشر من مايو 1940، حدثت اضطرابات في المراكز التجارية العالمية، نظرا إلى تكالب النساء من أجل شراء أول جوارب من النايلون تعرض للجمهور، مما اضطر الشرطة للتدخل في بعض الأحيان لفض مشاجرات بين الزبائن، وسجل هذا اليوم في تاريخ الولايات المتحدة باسم “يوم النايلون”. ولدت أسطورة الجوارب على يد والاس هيوم كاروزرس، مدير أبحاث دو بونت، مبتكر أول ألياف صناعية بالكامل من الكربون، الهيدروجين والأوكسجين. ولكن لماذا تحمست النساء كل هذا الحد للنايلون؟ توضّح إليزابيث هاكسبيل-مايكوخ، أستاذة نظريات وتاريخ الموضة بأكاديمية الأزياء والتصميم (AMD) بمدينة دوسلدورف الألمانية أن “كل النساء حلمن بارتداء جوارب حريرية حقيقية، ولكنها كانت باهظة الثمن للغاية”. وحتى ذلك الحين، كان الحرير الصناعي من ألياف السيلولوز، يوفر بديلا اقتصاديا مريحا، توضح الخبيرة “ولكن النايلون كان أكثر مرونة ويعيش لفترة أطول، وهو ثابت على الجسم وسهل الغسل، بالإضافة إلى عامل بالغ الأهمية يتمثل في أنه يجعل السيقان تتألق أكثر جمالا”. ومنذ ذلك الحين، وبعد الحملة الدعائية الضخمة التي أطلقتها شركة دوبونت، ارتفعت المبيعات بصورة غير مسبوقة. وتنوعت أشكال الحملة بين نموذج لساق نسائية مرتدية جورب من النايلون محلقة في الهواء على ارتفاع العشرات من الأمتار، أو لسيدتين تتظاهران بجذب طرفي جورب من النايلون في أحد الأسواق التجارية لتتأكدا من قوة ومتانة المنتج وجودته، وقد حققت هذه الحملة النتائج المرجوة منها بقوة. وفي وقت مقارب، طوّر المهندس الكيميائي الألماني بول شلاك ألياف تكاد تكون مماثلة لألياف النايلون الأميركية لصالح شركة آي.جي.فاربن، أواخر عقد الثلاثينات من القرن الماضي، أطلق عليها اسم البرلون، وبدلا من الدخول في صراع قانوني مرير، اتفق الطرفان الأميركي والألماني على حقوق الاستخدام وتقاسم الأسواق. وربحت الشركتان أموالا طائلة من بيع الجوارب، ولكن الأوقات السعيدة لا تدوم طويلا. فسرعان ما اندلعت الحرب، وتم توجيه إنتاج النايلون والبرلون بشكل حصري لصناعة الحرب من أجل إنتاج مظلات وخيم ميدان أو حبال للجنود. ولم يتم استئناف استخدام النايلون للأغراض المدنية إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بشكل متسارع في الولايات المتحدة أكثر من ألمانيا التي خرجت مهزومة ومدمرة من الحرب. واستفادت النساء في الولايات المتحدة من الهدايا التذكارية التي كان يجلبها الجنود العائدون، ومن بينها الجوارب النايلون، وربما لهذا أطلق عليها في ذلك الوقت كنوع من السخرية “نقود حافة الفراش”. ولكن الجوارب النايلون كانت تمثّل أكثر من هذا بكثير. النايلون كان أكثر مرونة ويعيش لفترة أطول، وهو ثابت على الجسم وسهل الغسل، بالإضافة إلى أنه يجعل السيقان أكثر جمالا وتوضح إليزابيث هاكسبيل-مايكوخ “بعد سنوات الحرمان والتقشف، استعادت النساء الرغبة في الأناقة”. وقد اعترفت بذلك دار كريستيان ديور، عندما ابتكرت عام 1947، “الطلة الجديدة” أو “النيولوك” معبّرة عن صورة أنثوية بحتة تبرز نساء نحيلات الخصر بارزات الصدور والأرداف، تضفي عليهن الجوارب النايلون لمسة أناقة. في الوقت نفسه، أصبحت الجوارب أيضا رمزا لصورة رجعية عن النساء. عندما كان الرجال في حالة حرب، اضطلعت النساء بالدور النشط في عالم العمل وفي المجتمع، والذي كان يتعيّن عليهن الآن التخلي عنه. كانت الجوارب جزءا من إنتاج أنثوي موجع للعثور على رجل ميسور الحال لا يعاني من شظف العيش. وتتذكر إليزابيث هاكسبيل-مايكوخ “حتى السبعينيات، كانت النساء اللاتي يرتدين سروالا محل نظرة سيئة في الأوساط الحضرية”. وتقول الخبيرة إن أي امرأة لم تكن تستطيع الحصول على جوارب أصلية كان بوسعها استخدام مادة تطلي بها بشرة الساقين، تشبه المكياج، وتقليد الشريط المتوج للجوارب برسمه باللون الأسود باستخدام قلم كحل تظليل. وتضيف “الخط الرفيع الممتد لأعلى في ظهر الجورب والملتصق ببطن ساق التي ترتديه، والذي لطالما ألهب خيال الرجال لم يكن أمرا اعتباطيا، بل كان بدافع عملي بحت، فحتى ذلك الحين لم تكن هناك ماكينات نسيج نايلون تعمل بشكل دائري لتفادي بروز ذلك الخط”. أما عن المسمى، فهناك نظريات منها أن النايلون مشتق من تعبير “No Run” أي لا ينقطع. ولكن تبين أن هذا مجرد وهم. وكان يتم إصلاح الجوارب المقطوعة في ورش خاصة لأن أزياء الخمسينات من القرن الماضي لم تكن منتجا يمكن التخلص منه. ولفترة طويلة كان من غير المتصور الانتباه إلى الجوارب لأن الساق الأنثوية كانت غير مرئية، مخبأة تحت التنانير الطويلة التي تصل إلى الأرض. وظل الحال على ما هو عليه، حتى عام 1920 عندما بدأ إنتاج الجوارب الحرير بنجاح ساحق وحققت مبيعاتها رواجا كبيرا. منذ ذلك الحين، ولد نوع من التعايش المتلازم بين الجوارب والأزياء بكافة تصميماتها. إذا كانت حواف التنانير تنزلق لأعلى، فيجب سحب الجوارب لتكون طويلة. وعندما انتشرت التنانير القصيرة في الستينات من القرن الماضي، تعيّن على النساء ارتداء نوع آخر من الجوارب الطويلة “الكولون” وهو عبارة عن سروال داخلي خفيف ينتهي بجورب من نفس الخامة، لينتهي عهد الجوارب التي كانت تعقد أطرافها بشرائط مطاطية لضمان تثبيتها وعدم انزلاقها. وبمرور الوقت أصبحت ألياف النايلون الصناعية تدخل بصفة عامة في الكثير من تصميمات الأزياء، منها القمصان النايلون التي عبّرت خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي عن الإيمان المطلق بالتقدم والتطور وكانت أزياء عملية للغاية، لكن تبيّن بمرور الوقت أن استخدامها لفترات طويلة وخصوصا في فصل الصيف يتسبب في التعرّق بشكل غزير مما ينتج عنه روائح نفاذة. واستعاد النايلون قوته في الثمانينات من القرن الماضي، ولكن هذه المرة لم يكن عن طريق السيقان النسائية، بل في الظهر، بفضل ابتكار حقيبة الظهر السوداء من تصميم ميوتشيا برادا (Miuccia Prada). وتحدثت مصممة الأزياء الإيطالية والمليارديرة مؤسسة علامة برادا، ذات مرة عن هذا الابتكار قائلة “أردت الحصول على ما كان شبه مستحيل، تحويل النايلون إلى نوع من الرفاهية”. وبالفعل في عروض أزياء صيف 2019 ضمت تصميمات برادا الجوارب النايلون الطويلة حتى الركبة. وأخذا في الاعتبار الطلب المتزايد على منتجات أكثر استدامة، تم ابتكار الإيكونيل أو “النايلون الجديد”، الذي تم الحصول عليه من شباك الصيد القديمة والنفايات البلاستيكية المعاد تدويرها. ومن جانبها تعهدت برادا بعدم استخدام أي نايلون جديد اعتبارا من 2021. في نفس الوقت، قدمت خطوط أزياء “بربري” (Burberry) خلال صيف العام الحالي مجموعة تصميمات مصنوعة من النايلون المعاد تدويره، وضمت سترات طويلة وفساتين قصيرة ومعاطف مطر نسائية وإكسسوارات.

مشاركة :