لم يستقبل الشارع اللبناني الرئيس المكلف للحكومة المزمعة بالترحاب، فعلى الرغم من الانطباع الأوّلي الذي خلقه هذا الاختيار، بأنه رجل أكاديمي وأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، إلا أن تسميته واستحضاره من قبل مثلث السلطة الفعلي في لبنان، حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، فتح شهية المواطنين ولاسيما المنتفضين في الشارع، على رفع صوت الاعتراض ضده، ورفضا لاختياره رئيسا للحكومة. عرف اللبنانيون حسان دياب في العام 2011 حين اختاره الرئيس نجيب ميقاتي وزيرا للتربية والتعليم العالي، في الحكومة التي سميت حكومة الانقلاب على الأكثرية النيابية التي كان سعد الحريري مرشحها، كما أُطلقَ على هذه الحكومة حكومة القمصان السود، إشارة لاستعراض حزب الله عناصره الحزبية بقمصان سود في بيروت، في سياق الضغط على كتلة وليد جنبلاط النيابية من أجل تغيير موقفها والانخراط في تأييد حكومة ميقاتي. في الخلاصة كان دياب ابن بيروت والأستاذ الجامعي في مؤسسة أميركية وزيرا في حكومة حزب الله، التي كان من أولى مهماتها تغطية انخراط الحزب لضرب الثورة السورية انطلاقا من الأراضي اللبنانية. لا يحظى دياب بسيرة سياسية يعتدّ بها، ولا حتى بميزة أكاديمية تتجاوز شهادته العليا في هندسة الاتصالات، كما أن الرجل حين كان وزيرا للتربية، كما ينقل عاملون في قطاع التربية والتعليم العالي، قد ذهب بعيدا في الانسحاق أمام الثنائية الشيعية، حيث كان الوزير الفعلي آنذاك في الوزارة هو مندوب أوفده الرئيس نبيه بري (حسين شكرون) ليكون صاحب القرار الفعلي، بحيث أن انسحاق دياب أمام سطوة بري وشريكه حزب الله أدى به إلى تمرير مرسوم يتمثل في التعاقد مع أكثر من سبعة آلاف مدرس في العام 2013، معظمهم من محازبي حركة أمل وحزب الله، من دون أن يكون هناك حاجة لمدرسين. فمن المعروف في لبنان أن لكل ثمانية طلاب مدرس في المدارس الرسمية، وهذا المرسوم كان من أبرز ما أنجزه دياب والذي يندرج في سياق الفساد. هذا الضعف أمام سلطة الممانعة وحزب الله، هو ما يجعل صفة عدم الوفاء مبررة، ذلك أن دياب الذي اختاره الرئيس ميقاتي لوزارة التربية، كان ميقاتي نفسه ضحية من ضحاياه عندما طرد مندوبا له في وزارة التربية، ومنذ ذلك الحين نشأت قطيعة بين الرجلين، وصلت إلى حد رفض ميقاتي لقاءه أثناء الاستشارات. هذا غيض من فيض من سيرة الرئيس المكلف حسان دياب، وهو يساعد على فهم معنى اختيار هذه الشخصية لهذا الموقع من قبل الممانعة وقائدها حزب الله، إذ أن أولى نتائج اختياره تنازل حزب الله عن مطلب حكومة تكنوسياسية التي كانت سبب الخلاف مع الرئيس سعد الحريري الذي كان اشترط لترؤس الحكومة أن تكون حكومة مختصين. ورغم أن هذا النقاش حول طبيعة الحكومة المقبلة امتد طيلة أكثر من 50 يوما، إلا أن هذا الشرط اختفى فجأة وخرج الرئيس المكلف ليعلن بثقة أنه سيشكل حكومة من دون محازبين بل متخصصين ومستقلين، ودون أن يظهر أيّ اعتراض من قبل قوى السلطة التي سمّته، علما أن من رفضوا تسميته لاسيما القوات اللبنانية وتيار المستقبل وكتلة اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، أعلنوا عدم مشاركتهم في الحكومة. ما يعني أن الحكومة التي سيشكلها الرئيس دياب، تحظى برضا من يوفر له الدعم، فهو لم يأت على حصان الانتفاضة، ولا من قاعدة شعبية مؤيدة، بل بدعم الثلاثي نصرالله وعون وبري، وبالتأكيد ضمن تفاهم مسبق لا يمكن لحزب الله أن يتهاون بشأنه. ليس خافيا أن المجتمع الدولي ولاسيما واشنطن التي كان مساعد وزير خارجيتها ديفيد هيل وصل إلى بيروت في زيارة مقررة غداة تكليف دياب، قد شدد على ثوابت أساسية أولها أن لبنان محل اهتمام واشنطن وهي مستمرة في دعمه، وثانيا أن مسار تأليف الحكومة وتسمية رئيسها شأن لبناني، وأكد هيل أن واشنطن ستراقب مسار الأمور. المهم في زيارة هيل ليس ما قاله، بل في ما لم ينبس حكام لبنان به، وهو عدم توجيه أيّ اعتراض على سياسة واشنطن تجاه لبنان، خاصة تلك العقوبات على حزب الله والمتعاونين معه، وحرصت أوساط الممانعة على الترويج أن اتفاقا تم مع واشنطن عبر سلطنة عمان تم من خلاله الاتفاق على تسمية دياب. هذا كله يأتي في سياق الترويج الإعلامي ومحاولة تبرير التراجعات التي أدّت إلى خروج مفترض لحزب الله من الحكومة كما الوزير جبران باسيل، بعدما كان حزب الله يعتبر أن حكومة تكنوقراط لا يمكن أن تمر في لبنان. وحسب المعلومات المتداولة فإن محاولات حزب الله التماهي مع المتطلبات الدولية على هذا الصعيد، تأتي في سياق محاولة تفادي المزيد من الخسائر، في بلد تستطيع واشنطن بمجرد إجراء إداري ومالي بسيط أن تدفعه نحو الانهيار المالي والاقتصادي، وبالتالي فإن إظهار حسن النية ومحاولة التقرب من شروط المجتمع الدولي في تشكيل حكومة منسجمة، هو توجه يسعى الحزب من خلاله إلى تشكيل حكومة سينظر اللبنانيون والمجتمع الدولي إلى حقيقة استقلاليتها، لتتقرّر على إثرها خطوات تصعيد أو تهدئة تجاهها. على أن الانتفاضة في لبنان تبدو غير معنية بما يخيطه أطراف السلطة لحكومة يقدّرون سلفا أنها ستأتي على صورة السلطة القائمة وإن كانت مُقنّعة باختصاصيين، لذا استمرت مظاهر الاحتجاج والاعتراض من دون توقف. لكن ما برز بعد تسمية دياب هو اعتراض أخذ بعدا مذهبيا، حيث ظهرت في العديد من المناطق ذات الغالبية السنية، حالات احتجاج عبّرت عن رسالة باتجاهين؛ واحدة تجاه الانتفاضة فيها نوع من الخيبة لعدم إصرار المنتفضين على إسقاط كل الرؤساء وليس الحريري فقط، ورسالة ثانية تجاه أطراف السلطة مفادها أن اختيار دياب هو استهانة واستفزاز للسنة ولا يمكن القبول به. في الخلاصة، اختيار دياب لرئاسة الحكومة وإن كان يعبّر عن تراجع للسلطة عن ثوابت الحكومة السياسية، فإنه اختيار لا يبدو أنه سيلقى ترحيبا دوليا، حيث كان الصدى الأول لاختياره لرئاسة الحكومة، في الصحافة الغربية هو أنه مرشح حزب الله. وهذا مؤشر على أن لبنان يتجه نحو مسار انحداري بات يصعّب التعامل معه من خارج معادلة السيطرة الإيرانية، ورغم محاولة تخفّي حزب الله خلف الستار، إلا أن حقيقة نفوذه وسيطرته لا يمكن إخفاؤها على مفاصل الدولة، وهذا ما سيعيق عملية الخروج من الأزمة طالما أن إيران لن تسلّم بالتراجع في لبنان. فصل جديد من المواجهة هذه المرة عنوانه استجلاب الرضا الدولي على سيطرة حزب الله من خلال حكومة مختصين. هذا رهان حزب الله وحليفيه في رئاسة الجمهورية والبرلمان، لكن الوقائع تقول منذ 17 أكتوبر الماضي إن التغيير لا مفرّ منه، أي التغيير الفعلي لا الشكلي وهذا ما لا يستطيعه حزب الله ولا تريده إيران الآن.
مشاركة :