بدأت الأزمة الليبية تأخذ منعطفاً خطيراً مع شحنة جديدة من التدخلات التركية في هذا البلد العربي، لم تقف عند حدود توقيعها اتفاقية مثيرة للجدل مع حكومة فايز السراج حول التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية، بل في الإعلان صراحة عن نيتها إرسال قوات عسكرية إلى البلد الذي يعيش منذ العام 2011 في أتون حرب أهلية لم تنته بعد. هروب إلى الأمام وفيما بدا أن تركيا بدأت تدرك حتمية هزيمتها في سوريا، على وقع انهيار الجماعات الإرهابية التابعة لها هناك، إلا أن تحركاتها الأخيرة وإعلانها الاستعداد لإرسال قواتها العسكرية إلى ليبيا، تظهر أن هزيمة مشروعها في سوريا لم تكن كافية لأخذ العبر وإعادة النظر في سياساتها الخارجية، بل في الهروب إلى الأمام وفتح جبهة جديدة، وهذه المرة في مستعمرتها السابقة. محاولات ابتزاز التحرك التركي رافقته إشارات «تحرش» تجاه الموقف الروسي من الأوضاع في ليبيا، وإثارة ملف قوات «فاغنر» حجة لإدخال القوات التركية إلى هناك، لا سيما مع قلق حكام أنقرة من قرب سقوط العاصمة طرابلس في يد الجيش الوطني الليبي. ولم تمنع الزيارة الطارئة لمسؤولين في المخابرات التركية إلى موسكو في التعتيم على التباين الحاد في المواقف بين البلدين، ترافقت مع محاولات ابتزازات تركية واضحة بأن الوجود الروسي في ليبيا قد ينعكس سلباً على مواقف تركيا من ملفات في الأزمة السورية كإدلب واللجنة الدستورية. في هذا السياق يرى الخبير العسكري الروسي ألكسندر بيريندجييف أن ترويج تركيا لمزاعم وجود قوات روسية، تساند قوات الجيش الوطني الليبي، يهدف إلى إبعاد أنظار المجتمع الدولي عن تدخلاها السافرة في ليبيا. وأوضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبحث عن ذريعة لاجتياح هذا البلد العربي، وتعزيز حضوره في المشهدين السياسي والعسكري والاقتصادي هناك، بعد الهزيمة «المرة» التي لحقت بأطماعه الجيوسياسية في سوريا، والمنطقة عموماً، لتعويض الخسارة، وترميم ما تبقى من هيبة بلاده جراء هذه الهزيمة. وأكد كذلك أنه لم يعد سراً قيام تركيا بنقل عناصر الجماعات الإرهابية مع عائلاتهم من إدلب إلى ليبيا، لدعم ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، التي تشكل المجاميع الإرهابية والمسلحة ذراعها العسكرية، ما يهدد بسقوط ثروات ومقدرات البلاد في أيدي «العثمانيين الجدد». خطر عابر للحدود ولا ينحصر خطر الممارسات التركية على ليبيا وحسب، بل على سيادة واستقرار بلدان شمال إفريقيا، كما يرى الخبير من معهد الدراسات العربية والإسلامية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بوريس دولغوف، الذي يحذر من استخدام التجربة الأردوغانية في سوريا، وإعادة إنتاجها في ليبيا سيؤدي حتماً إلى حرب دموية طويلة الأمد في المنطقة. ولفت إلى أن تركيا لا تحظى بقبول شعبي في المنطقة، بسب دعمها المعروف للتطرف والجماعات المرتبطة بالإرهاب. كما أنها تدعم حكومة لا تسيطر على أكثر من ربع مساحة البلاد، ومتورطة بتوقيع اتفاقيات مع ميليشيات تدير الإتجار بالبشر وتهريبهم إلى أوروبا، خاتماً أن أردوغان هو من ابتدع سياسة تغيير الأنظمة في المنطقة، وهي سابقة في تاريخ تركيا مع جيرانها. طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :