فشل برنامج الحكومة المغربية في تعاقدها مع المطورين العقاريين بسبب استغلالهم للحوافز الحكومية والقيام بأنشطة غير قانونية لمراكمة الأرباح، الأمر الذي يقوض فرص إخراج القطاع من الركود الذي يهدد استدامته. وأدّى ذلك إلى مطالبة نقابة الاتحاد المغربي للشغل بتشكيل لجنة استطلاعية على مستوى مجلس المستشارين للوقوف على واقع الاختلالات، بالاعتماد على تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2018، حول برنامج السكن الاجتماعي، والذي أكد وقوع الكثير من التجاوزات. واعتبر التقرير، أن عدم وضع آليات لضبط الاستفادة من برنامج السكن الاجتماعي أفقده طبيعته الاجتماعية وطالبت آمال العمري، رئيسة فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، بوضع آلية لضمان الشفافية والمساواة للاستفادة من السكن الاجتماعي وإيقاف تلاعب المطورين. ويتزامن تحرك نقابة الاتحاد المغربي للشغل للدفاع عن الشفافية في التسويق للسكن الاقتصادي مع فضيحة عقارية كبرى أمام القضاء تمثلت في قيام شركة “باب دارنا” العقارية ورئيسها، بتسويق مشاريع عقارية وهمية في أحياء راقية. وأقدمت الشركة على الترويج لمنتجاتها بأسعار ضئيلة مقارنة بالأسعار السائدة في السوق مما أدى إلى التحايل على نحو 800 مواطن وتقويض التنافسية. وسلبت الشركة ملايين الدولارات من المواطنين في شكل “عربون” يسبق للاستفادة من العقارات، قبل أن يكتشفوا بعد انتهاء المهلة وحلول موعد تسليم المشاريع أنها لم تنجز، وأن بعض الأراضي التي كانت ستحتضن المشاريع ليست حتى من ملكية الشركة. وأقرت رئيسة فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، بوجود مافيات تحترف النصب والاحتيال لتسويق مشاريع عقارية وهمية تماما كما وقع لمئات المغاربة مع الشركة الوهمية المسماة “باب دارنا”. وأكدت على تشديد المراقبة والتتبع لفرض احترام دفتر التحملات والوفاء بجميع الالتزامات من طرف المطورين، وتطبيق الجزاءات في حالة الإخلال بها. ودعت أيضا خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين إلى تخصيص دعم مادي فعلي مباشر من طرف الدولة لفائدة مقتني السكن الاجتماعي. وقالت نزهة بوشارب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان إن مشكلة مشروع باب دارنا مطروح بحدة والوزارة لا يمكنها لوحدها حل هذه المشكلة لأنه يهم مجموعة من التعاونيات والجمعيات وليس للوزارة رقابة عليها. وأوضح وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، أن تراجع المبيعات سببه عدم وجود الطلب على السكن الاجتماعي الذي لا ينتعش إلا بتوفير دعم مباشر للمقتنين ما سينعكس إيجابيا على العقارات. ويتيح القانون للمطورين العقاريين، الذين يلتزمون بإنجاز 500 وحدة سكنية بقيمة لا تتجاوز 26 ألف دولار لكل منها على مدى خمسة أعوام، الاستفادة من إعفاءات جبائية. كما تتضمن إعفاءات من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل وحقوق التسجيل والرسم المهني والرسم على الأراضي والرسم على عمليات البناء. ولمنح العملية طابعها الاجتماعي، أكدت العمري على ضرورة أن يكون الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة مع وجوب التقييم السنوي للإعفاءات الضريبية والتحفيزات الممنوحة للمطورين العقاريين في ما يتعلق بمنتجاتهم. وأكد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، أنه سيتم منح دعم مباشر لمقتني السكن الاجتماعي، ومراجعة استفادة المطورين العقاريين من التحفيزات الجبائية. وتطرق التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع قانون المالية لعام 2020، إلى اختلالات شابت تنفيذ برامج السكن الاجتماعي، من خلال الاستهداف غير الفعال للمستفيدين. ورصد وجود تجاوزات من قبل المطورين للتغطية على وجود أصحاب السكن غير اللائق وذلك من خلال الاحتيال واستغلال نسبة كبيرة من العقار العمومي في مجالات أخرى. وتمادى المطورون العقاريون في جشعهم وابتزازهم للمواطنين الراغبين في الاستفادة من برنامج السكن الاجتماعي رغم الإجراءات التحفيزية والإعفاءات الضريبية الممنوحة لهم. وبلغت نسبة امتيازات المطورين إلى 30 بالمئة من سعر الشقة مع تجديد التحفيزات بصفة سنوية، ما مكنهم من تحقيق أرباح طائلة حسب تقارير رسمية. وأشار وزير الاقتصاد والمالية إلى أن التحفيزات الجبائية، والإعفاءات لفائدة المطورين العقاريين لم تعد ملائمة. وأكدت الجمعية المغربية للوكلاء العقاريين وجود أزمة خانقة تُعيق نمو القطاع، مع استمرار تراجع المبيعات من الشقق السكنية بجميع فئاتها، الاقتصادية والمتوسطة والفاخرة. وأرجعت الجمعية سبب التراجع المقلق إلى مجموعة من العوامل المرتبطة بفقدان الثقة في جودة البناء والتشطيبات النهائية، خاصة بالنسبة للسكن الاقتصادي والمتوسط، إلى جانب ارتفاع الأسعار وعدم ملاءمتها للقدرة الشرائية لدى الزبائن. ويرفض عدد من المطورين العقاريين أي تراجع عن الدعم الذي توفره الدولة للأسر من أجل اقتناء السكن، عبر تحمل الضريبة على القيمة المضافة. ويدعو الخبراء الحكومة إلى توجيه الدعم الذي يستفيد منه المطورون إلى الطبقات الوسطى للحصول على السكن، ومساعدة الفئات الفقيرة في اقتناء السكن منخفض التكلفة.
مشاركة :