حذر فضيلة الشيخ عبدالله السادة من خطورة التمادي في جلب القروض الاستهلاكية التي تسبب الكثير من المشكلات الاجتماعية. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس إن هذه القروض توقع صاحبها في آفاتٍ عظيمةٍ، مثل الكذب في الحديث، وإخلاف الوعود، والأيمان الكاذبة، وفي بعض الأحيان تدخل صاحبها السجن، فتسوء سمعته، ويتحرج من مواجهة الناس، فيتوارى عن الأنظار، ويحرم المعيشة الطيبة. وقال في مستهل الخطبة "إن الدين هم بالليل، وذل بالنهار، يشغل البال، ويكدر الحال، ويستخفي صاحبه حياءً عن العباد، تساهل بعض الناس فيه، حتى غصت محاكمنا من التشاكي به. واستطرد قائلاً: فلما كان الدين بهذه الخطورة أنزل الله تعالى أطول آيةٍ في القرآن تبين أهميته وخطورته، وأثره ودقته، فأمر بكتابته والعناية به، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئًا) "البقرة:282". وتابع : ثم أمر الله سبحانه بالشهادة على الدين، فقال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)، ومنع اعتذار الشهداء، إذا علموا قدر الدين، ووقت الوفاء؛ فقال تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله). الشخصية الاستهلاكية وتحدث فضيلته عن إحصائيات القروض في قطر قائلاً إن قروض السفر والإجازة بلغت مليون ريال بحسب بعض وسائل الإعلام. وإن عدد القضايا في المحاكم المتعلقة بديون المقترضين للبنوك تصل هذه إلى حوالي 80 في المائة من إجمالي قضايا الدين في البلاد.(جريدة الشرق الأوسط). وأشار إلى أن القروض الشخصية "الاستهلاكية" بلغ حجمها قرابة 60 مليار ريال.( منتدى الأسهم القطرية). ولفت الشيخ السادة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من مات وعليه دين، كما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ أتي بجنازةٍ، فقالوا: صل عليها، قال: هل ترك شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير. قال: صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه "رواه البخاري". وشدد على أن الدين يوقع صاحبه في آفاتٍ عظيمةٍ، منها: الكذب في الحديث، وإخلاف الوعود، والأيمان الكاذبة، وقد يضطره إلى دخول السجن، فتسوء سمعته، ويتحرج من مواجهة الناس، فيتوارى عن الأنظار، ويحرم المعيشة الطيبة، وربما يتخلف عن الجمع والجماعات، وربما يقع في الاستدانة الربوية والعياذ بالله من أجل أن يخلص نفسه من المطالبات بالسداد، وقد جاء عن كثيرٍ من السلف التحذير من الدين. ضلع الدين واستشهد بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه: إياكم والدين؛ فإن أوله هم وآخره حرب وقال ابن عمر رضي الله عنهما: من مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم، ولكنها بالحسنات والسيئات. مشيراً إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله عز وجل من الدين، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال وضلع الدين: هو ثقله وشدته، وأخبرت عائشة رضي الله عنها تقول: إن رسول الله كان يدعو في الصلاة ويقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم والمأثم: ما يسبب الإثم، والمغرم: هو الذي لا يجد له وفاءً. وقال حكيم لابنه: يا بني! ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية، وذقت المرارة فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس، ونقلت الحديد فلم أجد أثقل من الدين. التهاون في سداد الدين وقال إن الإسلام حذر من التهاون في أداء الدين، أو المطل والتأخير في قضائه، أو التساهل وعدم الاكتراث في أدائه، وتوعد على ذلك بعقوبة مهلكة، ونهاية مؤلمة؛ فعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله قال: إن أعظم الذنوب عند الله، أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها: أن يموت رجل وعليه دين، لا يدع له قضاءً فأد الأمانة إلى أهلها، وتذكر عقوبتها؛ يقول ربنا تبارك وتعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) "النساء". وحذر بأن من استدان وفي نيته الخالصة الوفاء بدينه، فهذا معان على أداء دينه حين حصوله، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله. رجل من بني إسرائيل وحكى فضيلته قصة الرجل الذي قص لنا رسول الله خبره قائلاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله:أن رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، قال: ائتني بشهداء أشهدهم، قال: كفى بالله شهيدًا، قال: ائتني بكفيلٍ، قال: كفى بالله كفيلًا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمى. فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يقدم عليه للأجل الذي كان أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها، وأدخل فيها ألف دينارٍ وصحيفةً معها إلى صاحبها، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها البحر، ثم قال: اللهم إنك قد علمت أني استلفت من فلانٍ ألف دينارٍ، فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وإني قد جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه بالذي أعطاني، فلم أجد مركبًا، وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف ينظر وهو في ذلك يطلب مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا يجيء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما كسرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه، فأتاه بألف دينارٍ، وقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيءٍ؟ قال: ألم أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل هذا الذي جئت فيه؟ قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بألفك راشداً. قصة البار بوالديه وعلق الشيخ السادة على القصة قائلاً: ما أعظمها من قصةٍ جمعت بين الإحسان، وحسن الأداء، والأمانة والرضا بالله شهيداً وكفيلاً!) فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. واستطرد فضيلته بالقول.. فأين نحن من قصة الثلاثة نفرٍ الذين انطبقت عليهم الصخرة؟!. فقد ذكر النبي توسلهم بأعمالهم الصالحة، فذكر قصة البار بوالديه (ففرج لهم فرجةً) ثم قصة الرجل مع ابنة عمه (ففرج لهم فرجةً) ثم ذكر قول الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم، غير رجلٍ واحدٍ، ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حينٍ، فقال: يا عبد الله! أد إلي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون. الخطبة الثانية وقال في خطبة الجمعة الثانية أن الله سبحانه وتعالي أمر بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاءً، فقال عز وجل: (وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرةٍ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون). وأشار إلى أن النصوص التي تتحدث عن السماحة والعفو والصفح والصبر تضافرت وأخذ الحق في عفافٍ، فقال صلى الله عليه وسلم:رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى ومن نفس عن أخيه كربة الدين نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، وقال أيضاً: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسرٍ، أو يضع عنه ومن نفس عن معسرٍ أظله الله في ظله يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من نفس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. القرض الحسن وأثنى خطيب الجمعة على أولئك الناس الذين يضعون الديون عن المعسرين، ويتجاوزون عنهم، أو ينظرونهم إلى آجالٍ طويلةٍ حتى يستطيعوا القضاء؛ وذلك لأنهم سمعوا رسولهم يقول في الحديث الصحيح: من أنظر معسرًا، أو وضع له: أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وقال إن الإسلام رغب في القرض الحسن؛ فعن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما من مسلمٍ يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرةً فإذا أقرضت مسلماً قرضاً مرتين ثم أخذته فكأنك تصدقت بهذا المال مرةً واحدةً، لك أجر صدقةٍ كاملةٍ عن هذا المال. ونصح المصلين قائلاً: ينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء ليغنيه الله من فضله، ويرزقه الكفاية، كما جاء من حديث علي بن أبي طالبٍ قال: قال رسول الله اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، مضيفاً، كما ينبغي للمسلم إذا طالب بحقه أن يطلبه في عفافٍ وحسن أدبٍ؛ لحديث عبد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم عن النبي قال:من طالب حقًا فليطلبه في عفافٍ، وافٍ أو غير وافٍ وما أشد ظلم رب العمل حين يغادر العامل البلاد ولم يأخذ العامل حقه من صاحب العمل!!.
مشاركة :