27 ديسمبر 2019 / شبكة الصين / جو الشتاء بارد في بكين، ولكن الأجواء كانت دافئة داخل قاعة فانغفييوان بدار ضيافة الدولة "دياويويتاي" في بكين والتي استضافت ندوة "أمن الشرق الأوسط في الوضع الجديد: التحديات والمخارج". الندوة التي نظمها معهد الصين للدراسات الدولية، حضرها ما يقرب من 200 شخص من بينهم دبلوماسيون ومسؤولون أمنيون وعلماء من الشرق الأوسط والدول الأخرى وممثلون عن وزارتي الخارجية والدفاع الصينية وبعض المبعوثين الدبلوماسيين الصينيين السابقين وخبراء من مراكز البحوث. وجرت بينهم مناقشات عميقة حول الإنصاف والعدالة ودفع الأمن بالتنمية والحوار الحضاري وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالمنطقة، حيث توصلوا إلى العديد من نقاط الاتفاق وأعربوا عن اهتماماتهم البالغة بأمن الشرق الأوسط وتطلعاتهم لسلام الشرق الأوسط. وقد شرفنا بالمشاركة وإبداء الرأي في هذه الندوة. أولا، المكانة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط هامة وحضارتها عريقة ومواردها غنية ولكن القضايا الساخنة فيها كثيرة، حيث توجد فوضى ناجمة عن الحروب لمدة طويلة، وتعاني شعوبها من مرارة الفوضى، ويتأثر أمن وتنمية العالم تأثرا عميقا بما يجري فيها. إن تحقيق سلام وأمن الشرق الأوسط هو ما تتطلع إليه شعوب مختلف الدول في الشرق الأوسط وهو رغبة شعوب العالم المحبة للسلام. يواجه الشرق الأوسط المهمة الملحة المتمثلة في إنهاء الحروب وحل صعوبات التنمية. وفقا للتجارب التاريخية، لا يمكن تحقيق التسوية الحقيقية لنزاعات هذه المنطقة اعتمادا على القوة و"اللعبة الصفرية"، وإنما الإنصاف والعدالة هما السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم والأمن المستدام. في كلمته بافتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، وجّه الرئيس الصيني شي جين بينغ الدعوة للتخلي عن فكرة الحصول على الأمن الحصري والأمن المطلق في الشرق الأوسط وعدم السعي وراء الفوز الأحادي الطرف على أساس خسارة الآخرين واعتبار نفسه وحيد عصره وفريد دهره، وبدلا من ذلك، يجب بناء إطار الأمن المشترك والشامل والمتعاون والمستدام. إن هذه المقترحات هي الحلول الصينية الخاصة بتحقيق الأمن في المنطقة. من أجل تحقيق السلام الدائم والأمن المستدام في منطقة الشرق الأوسط، يجب معالجة القضايا المتعلقة بفلسطين بطريقة متجردة على أساس الإنصاف والعدالة أولا، لأنها قضية جذرية لأمن الشرق الأوسط. وقد أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أنه من مصلحة المجتمع الدولي أن يجد حلا عادلا وشاملا للقضية الفلسطينية، ويساعد فلسطين وإسرائيل على تحقيق التعايش السلمي والتنمية المشتركة، ودعا المجتمع الدولي إلى الحفاظ على الإنصاف والعدالة، والتمسك بقرارات الأمم المتحدة المعنية فضلا عن مبدأ "الأرض مقابل السلام" و"حل الدولتين"، وخلق أجواء تفضي إلى استئناف محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية. وأكد على دعم الصين للقضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد أكد الجانب الصيني في مختلف المناسبات الدولية على أن الصين مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي لتحقيق الالتزام بالاتفاقيات الدولية واكتشاف وخلق آليات جديدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط ودفع محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية قدما، والسعي من أجل إحلال السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط بأسرع ما يمكن. ثانيا، من أجل تحقيق السلام المستدام والأمن الدائم في منطقة الشرق الأوسط، يجب معالجة العجز في تنمية الشرق الأوسط من خلال التنمية المشتركة. يمكن تلخيص تغيرات مجتمع الشرق الأوسط كأنه انتقال من المجتمع التقليدي القائم على الزراعة وتربية الحيوانات إلى دول حديثة، ويعتبر هذا الانتقال استكشافا للتحديث ويُدفع بقوة خارجية، فظهر العديد من التناقضات والمشكلات خلال عملية الانتقال هذه. وقد قال الرئيس شي جين بينغ غير مرة إن جميع الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط ترتبط في الأساس بالتنمية، فلا يمكن احتواؤها إلا من بوابة التنمية في نهاية المطاف. يجب على المجتمع الدولي أن يدفع الأمن بالتنمية، وزيادة الاستثمار، وربط إستراتيجيات التنمية، والدعوة إلى مفهوم المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ورفع راية التجارة الحرة، ووضع قضايا إعادة الإعمار الاقتصادي في مكانة بارزة، والتركيز أكثر على المشروعات ذات العلاقة بمعيشة الشعب. كانت الدول الغربية تؤمن بـ"دفع السلام بالقوة" و"دفع السلام بالديمقراطية"، ولكن الوقائع أثبتت أن العمليات العسكرية والاحتواء والتهديدات لم تحافظ على السلام، بل أدت إلى عدم تكيف الشرق الأوسط مع الديمقراطية الغربية، وأحدثت عديدا من المخاطر الثانوية. ينبغي لمنطقة الشرق الأوسط أن تتمسك بمفهوم دفع السلام والاستقرار بالتنمية والاهتمام بالتوازن والإنصاف وإفادة شعوب كافة الدول. ثالثا، من أجل تحقيق السلام الدائم والأمن المستدام في منطقة الشرق الأوسط، يجب دفع توجه مجتمع الشرق الأوسط نحو الاستقرار، باتخاذ مكافحة الإرهاب الشاملة كضمان. يعتبر الإرهاب تحديا أمنيا يواجه المجتمع الدولي كله، ولا يمكن لأي دولة تجنب أضراره بمفردها. يجب على المجتمع الدولي أن يتمسك بحشد القوة لمكافحة الإرهاب بدون تهاون، والإصغاء الجدي للقلق والمتطلبات المعنية من قبل دول الشرق الأوسط، ومساعدتها بشكل ملحوظ على رفع بناء قدرتها على مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون العملي في مكافحة الإرهاب، والمعارضة الحازمة لاتباع "المعايير المزدوجة" في مكافحة الإرهاب، ومعارضة ربط الإرهاب بدين معين، ومعارضة التشنيع والافتراء على جهود الدول الأخرى في مكافحة الإرهاب واقتلاع التطرف بذريعة "حقوق الإنسان". وفي الوقت نفسه، فإن القضاء على الإرهاب بمجرد الاعتماد على الوسائل العسكرية حل غير مستدام، بل إن ذلك يزيد حدة الصراعات. لا يمكن الحصول على النتائج الفعلية وتحقيق الأمن المشترك والأمن العام للبشرية إلا عن طريق تحقيق تصالح المجتمع والعمل على تحسين معيشة الشعب ومكافحة الإرهاب من ظواهره وجذوره في آن واحد وبذل الجهود في إزالة التربة الحاضنة للإرهاب، انطلاقا من منابعه الفكرية والاقتصادية وغيرها. باختصار، أن وضع الأمن في الشرق الأوسط حاليا أشد تعقدا وحساسية، وتواجه الحوكمة الأمنية في هذه المنطقة سلسلة المشكلات، مثل الهجوم عليها وخلخلة آلياتها والصعوبة في الوصول إلى هدفها. وإن مفاهيم الأمن القديمة التي تمثلها عقلية الحرب الباردة و"اللعبة الصفرية" والهيمنة، لم تعد تنسجم مع الوضع منذ زمن بعيد، بل ستزيد من تدهور الوضع الإقليمي. أمام التغيرات التي لم يسبق لها مثيل منذ مائة سنة، طرحت الصين مفهوم الأمن الجديد المتمثل في الأمن المشترك والأمن الشامل والأمن التعاوني والأمن المستدام، وتدعو إلى المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية على أساس مقاصد ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ عليها فعليا، وتسعى إلى تحقيق الأمن العام المستدام في منطقة الشرق الأوسط. وتعتبر الصين بنّاءة للسلام في الشرق الأوسط ومساهمة في تنمية الشرق الأوسط. وقد قال الرئيس شي جين بينغ: "ترغب الصين في أن تكون هي والدول الأخرى في المنطقة محافظة على سلام واستقرار الشرق الأوسط ومدافعة عن الإنصاف والعدالة ودافعة للتنمية المشتركة وأصدقاء للتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة." وستظل الصين تتمسك بمفهوم الإنصاف والعدالة والاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك لبذل جهودها مع مختلف الدول في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي لدفع تخلص الشرق الأوسط من الفوضى الناجمة عن الحروب في أسرع وقت ممكن وتحقيق الإنصاف والسلام الدائم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل الحضارة القديمة للشرق الأوسط تشرق ساطعة تبهر بنورها الأنظار في ظل التيار العالمي لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.
مشاركة :