الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم توقيفية

  • 10/26/2013
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

شحَّ عليَّ بالفتوى سماحة الوالد العلَّامة صالح الفوزان - الذي لا أرتاح إلا إلى فتواه - حول إصرار طلبة العلم على قول: (أشرف الأنبياء والمرسلين)؛ فلما طال انتظاري استفتيتُ معالي الدكتور صالح الحميد وأخاه الفقيه الشيخ أحمد؛ فوعداني، فلما طال انتظاري عزمتُ على تحقيق المسألة؛ فما كان من صواب فمن الله بفضله وتوفيقه، وما كان من خطإٍ ففيه أجر ومعذرة؛ لأنني مخلص لربي في ابتغاء الإصابة؛ سالك طريق الصواب في الاجتهاد؛ فإن وجدتُ عند أحد استدراكاً يُقنعني رجعتُ إلى الأرجح؛ فأقول وبالله التوفيق: إن الصلاة التعبدية على عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم توقيفية لا يحل خلافها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (قولوا كذا)؛ ثم علمهم ما يقولون؛ فهذا بيان وأمر لا يحلُّ تعدِّيه، وعلَّمهم الصلاة والشهادة بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وفي خطبة النكاح، وعلمهم الرِّضا به نبيّاً ورسولاً في حديث رضيتُ بالله ربّاً، وفي هذه المواضع الاكتفاء بالصلاة والسلام عليه وحده.. وأما الصلاة عليه بالصلاة التعبدية فأصحُّ شيئ في هذا الصلاة الإبراهيمية وما صح من متونها وأسانيدها.. وورد النص بسيد المرسلين وبعضه لا يصح، وبعضه من المرسل، وتقصيتُ في مكتبتي من كتبٍ أُلِّفت عن هذا، وكذلك كتب الأذكار، وكذلك خطب السلف: فلم أجد ذكر (أشرف)، وأجمعُ هذه الكتب وأرفعُها كتابُ القول البديع، ويليه في الأهمية لا الزمن جلاء الأفهام.. والسخاوي صاحب القول البديع عنده تسامح واعتماد على الحكايات والمنامات ولكنه مشحون بالفوائد، وقد محَّصه مُحققاه في حواشيهما.. بل وجدت عنده بحثاً علمياً نفيساً عن معنى الصلاة لغة نقلاً عن (الصِّلات والبُشَر في الصلاة على سيد البشر) للفيروزآبادي لا يوجد عند غيره في موسوعات متون اللغة.. وإنما توجد (أشرف) في استفتاح المتأخرين في مؤلفاتهم، وعند قِلَّة قبلهم كابن جرير الطبري تجاوزات في غير هذا.. وعندهم تجاوزاتٌ في تقديمهم من جهة حمد الرب سبحانه بالمدح والشكر، ومن جهة التقديس، ومن تعداد آلاء الله وصفاته، فيؤخذ منها ما صح معناه، ويُـهمَّش أو يُحشَّى على ما فيه تجاوز كتعاملي مع المقدمات التي أستعيرها.. وصيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صحت معانيها، وهي من غير المأثور لا تكون هي الصلاة التعبدية التي أُمرنا بها، وما يأتي من التحميد والتقديس وكل أوجه الثناء على الله سبحانه من الصيغ الصحيح معناها، وهكذا ما يرد بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الثناء عليه، ومن تكرار الاستفتاح، ومن الجمع بين الصلوات المشروعة: كله من باب بسط المعاني المأثورة، وشرحها، والاستدلالِ لها، وبيان فضل المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك حسن وخير كثير، ولكنه غير الصلة التعبدية التي هي توقيفية.. وماحدَّدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه مِن صِيغِ الصلاة والتسليم ليس عبثاً، بل كان متواضعاً لإخوانه من النبيين والمرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولم يُدْرج في تعليمه أصحابَه الصلاةَ عليه تفضيلَه عليهم وأنه أشرفُهم، وإن كان أفضلهم على الحقيقة؛ فما بالنا نتعبد بصلاة من عندنا فيها ما لم يُشرع لنا، ولم يرتضه لنا بأبي هو وأمي ؟!.. وإتْباع الصلاة بالدعاء مثل ((ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا معهم ومنهم برحمتك يا أرحم الراحمين)) دعاء مُسْتَقِلُّ بعد أدائنا الصلاة المشروعة، والمسلم راغب إلى ربه بالدعاء في كل آن، إذا كان الدعاء مأثوراً أو صحيح المعنى بلا تجوُّز.. والتسبيح والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المدخل للدعاء، ولابأس أن يرد في استفتاح العلماء بيانُ أن محمداً صلى الله عليه وسلم أرفع درجة عند ربه، أو أنه أشرف الناس منزلة.. وأما هَجْرُ الصلاة الصحيحة التعبدية التوقيفية بقول: (أشرف الأنبياء والمرسلين) فذلك رغبةٌ عما شرعه الله، وإصرارٌ على العناد، وقول بلا برهان، وإذا ذُكِرَتْ (أشرف) في سياقٍ ما لبيان ميزة المصطفى عليه السلام فيلزم تخصيصه بعلوِّ المنزلة، لأن أول ما يتبادر للذهن في لغة العرب من كلمة الشرف شرف النسب والحسب والعِرض.. ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق قاطبة بمجمل فضائله لا بآحادها؛ فموسى عليه السلام خصه الله بفضيلة هي أن أرسله بمكالمة ربه له، وأنزل عليه بعض الأحكام الشرعية بمكالمته إياه، وخصَّ الله إبراهيم عليه السلام بخصال؛ فكان خليل الرحمن، وأُمَّةً وَحْدَهُ.. وهكذا شرف الحسب والنسب، فنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أزكى نسب في العرب لم يولد من سِفاح، ولكنَّ نسبه إلى مَن دون إسماعيل عليه السلام على نجابته ليس بأشرف من نسب يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه.. وليس هو أشرف حسباً من أنبياء الله ورسله من بني إسرائيل الذين تسلسل نسبهم بالأنبياء وملوك الحق إلى أبيهم إبراهيم.. اللهم إني بلَّغتُ، فمن أبى إلا الاستمرار على غير المأثور، وتسامح بما عليه مدخل، وليس عنده برهان من ربه يدفع به: فقد اختار العناد والاستكبار على الحق، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والله المستعان.

مشاركة :