حصرت سيطرة تنظيم داعش المتطرف على آخر المعابر السورية الحدودية مع العراق، إطلالة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على العالم الخارجي، بواجهته الغربية إلى البحر والحدود مع لبنان، بينما يقاتل النظام للحفاظ على آخر حقل غاز يسيطر عليه في وسط البلاد، وحماية مواقع سيطرته، مفتقدًا القدرة على الهجوم. وفي هذا الوقت، قال رئيس الائتلاف الوطني السوري الدكتور خالد خوجة إن سيطرة تنظيم داعش على مدينة تدمر الأثرية في ريف محافظة حمص، تعد «مؤشرًا جديدًا على التسهيلات التي يقدمها نظام الأسد للتنظيمات الإرهابية في سبيل ضرب قوى الثورة وتشويه صورتها ووضع السوريين أمام ادعاء زائف إما (الأسد أو داعش) وتقديم النظام كشريك في محاربة الإرهاب». خوجة قال إن هذه السيطرة تدلّ أيضا على «استغلال الأسد للتنظيمات الإرهابية؛ إدارة وتوجيهًا، كما تشير من جهة أخرى إلى تهالك قوات النظام وعجزه عن الاستمرار في السيطرة على الأرض وعلى المؤسسات، وتحوله إلى عصابات لا هم لها إلا المضي على أعناق الشعب». وشدد خوجة على أنه «بات من واجب المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حازمة وعاجلة في هذا الاتجاه، خصوصًا بعد سيطرة التنظيم على موارد الطاقة في مدينة تدمر، مما سيساعده في التمدد إلى مناطق أكبر ويضع بين يديه خطوط إمداد استراتيجية جديدة». وكان تنظيم داعش قد عزز أمس، قبضته على مساحة واسعة من الأراضي الممتدة على جانبي الحدود العراقية والسورية بعد سيطرته على آخر معبر حدودي بين البلدين، هو معبر الوليد الحدودي المعروف بمعبر التنف في البادية السورية، وذلك غداة الاستيلاء على مدينة تدمر التاريخية الأثرية في وسط سوريا. في هذه الأثناء، صرح مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»، بأن وجود نظام الرئيس بشار الأسد «تقلص إلى بقعة جغرافية في العمق السوري، معزولاً عن البلدان المجاورة باستثناء لبنان»، وذلك بفعل تقاسم «داعش» ووحدات حماية الشعب الكردية السيطرة على الحدود مع العراق، في حين يتقاسم «داعش» وفصائل إسلامية السيطرة على الحدود مع تركيا، وتسيطر جبهة النصرة وفصائل إسلامية معارضة للنظام على معبر نصيب الحدودي مع الأردن في محافظة درعا بجنوب البلاد منذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي. أما معبر كَسَب في شمال محافظة اللاذقية فخاضع لسيطرة النظام لكن الحركة فيه متوقفة. هذا، واستنزفت المعارك العنيفة في شمال سوريا وجنوبها وشرقها قوات النظام إلى حد كبير، مما دفع النظام إلى اتخاذ «إجراءات جديدة، تقضي باتخاذ قرارات الانسحاب من مواقع المواجهات الكبرى»، وفق عبد الرحمن، وذلك «لأن النظام لن يستطيع تعويض أي جندي يخسره في الوقت الراهن». وأوضح مدير «المرصد» أن النظام «يعاني الآن مشكلة الكثير بعد توثيق مقتل عشرات الآلاف من جنوده وقوات الدفاع الوطني الموالية له، كما يقاتل للحفاظ على مناطق سيطرته، وقواعده العسكرية الكبرى، بعد خسارة القسم الأكبر من موارده». وفي المقابل، يوسع تنظيم داعش سيطرته داخل سوريا، إذ تمدّد إلى شرق حمص باتجاه طريق دمشق – تدمر الدولي الذي يصل إلى العراق، كما سيطر على حقل غاز الجزل، في ريف محافظة حمص الشرقي، ويقاتل للسيطرة على حقل الشاعر القريب منه، وهو آخر حقول الغاز الواقعة تحت سيطرة النظام في سوريا. وأمس، أفاد «المرصد» بسيطرة التنظيم على حقل جزل بعد اشتباكات استمرت ثلاثة أيام وتسببت بمقتل 48 عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. وللعلم، تتضمن البادية السورية اثنين من أكبر القواعد العسكرية التابعة للنظام وهما مطار «التيفور» (ت 4) ومطار «السين» العسكريين، بينما تتضمن منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق الشمالي، أكبر القواعد العسكرية النظامية حول العاصمة، أهمها مطارا الضمير والناصرية العسكريان. ويهدد تقدم «داعش» النظام بالتقدم لنحو 50 كلم من القلمون الشرقي بريف دمشق. وقال عبد الرحمن إنه «إذا واصل (داعش) تقدمه، ستكون هناك معارك عنيفة قرب مطار التيفور في جنوب تدمر»، مشيرًا إلى أن النظام «سيتعرض لحرب استنزاف كبيرة في شرق وسط البلاد، إضافة إلى حرب الاستنزاف في جبهات حلب وإدلب في الشمال، وجبهات درعا في الجنوب». وإذ أكد أن التقدم الحالي لـ«داعش»، يعني أن «ساحتها سوريا وليس العراق»، أشار عبد الرحمن إلى أن «التقدم على جبهة حمص سيمتد إلى القلمون الشرقي ومحافظة السويداء، ويصل مناطق سيطرة (داعش) في القلمون الشرقي، بالقيادة في العراق، ويعني ذلك أن التنظيم سيحاصر العاصمة من الشرق والشمال». وكانت سيطرة التنظيم المتطرف، يوم أول من أمس (الخميس)، على مدينة تدمر الأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي والواقعة في محافظة حمص (وسط سوريا)، قد فتحت له الطريق نحو البادية وصولا إلى الحدود العراقية حيث معبر التنف. ومن ثم تمكن من الاستيلاء على عدد من النقاط والمواقع العسكرية في المنطقة. وقال «المرصد» في بريد إلكتروني، أمس (الجمعة)، إن «داعش» سيطر على محطة «التي ثري» (ت 3) الواقعة في ريف تدمر، عقب انسحاب قوات النظام والمسلحين الموالين لها منها. ويستخدم فوج من حرس الحدود هذه المحطة المخصصة أساسًا لضخ النفط العراقي على خط كركوك - بانياس وطرابلس (لبنان) كمقر عسكري، وفق «المرصد». واليوم، بات تنظيم «داعش» يسيطر على الغالبية الساحقة من حقول النفط والغاز في سوريا، بينما تسيطر «وحدات حماية الشعب» الكردية على حقول رميلان في ريف الحسكة، بأقصى شمال شرقي البلاد. كذلك وفق «المرصد» بات التنظيم يسيطر اليوم على أكثر من 95 ألف كلم مربع من المساحة الجغرافية لسوريا؛ أي ما يوازي نصف مساحة البلد، وإن كانت هذه المساحة لا تضم الغالبية السكانية.
مشاركة :