سيؤدي بناء الخبرة وتمكين الموظفين في المؤسسات المصممة لمحاربة الفساد إلى تحسين قدرتهم على الملاحقة القضائية وسد الفجوة بين الرأي العام ومحكمة القانون. وغالبا ما تفشل قضايا ملاحقة الفساد قضائيا عندما تفتقر الحكومات إلى القدرات القانونية الكافية. ومن شأن تعزيز حوكمة الشركات ونظام الضوابط والتوازنات، خاصة من خلال هيكل حوكمة أفضل للمؤسسات المملوكة للدولة، أن يعود بالفائدة أيضا. وتتيح الرقمنة سبلا جديدة لمحاربة الفساد من خلال تزويد الحكومات بمنصات جديدة للتعامل مع المواطنين وأصحاب المشاريع. وتؤدي أيضا إلى مزيد من الشفافية والمساءلة من خلال تيسير إمكانية الاطلاع على المعلومات. ويستخدم عديد من الدول الإفريقية هذه الفرصة لتحسين تقديم الخدمات والحوكمة بطرق عدة. وفي مجال الضرائب، على سبيل المثال من شأن المعالجة الإلكترونية للبيانات الضريبية المقدمة ومدفوعات الرد الضريبي والإقرارات الجمركية توفير الوقت وتقليل التكاليف إضافة إلى تقليل فرص الفساد. وتؤدي تحليلات البيانات إلى جعل عملية التدقيق القائمة على المخاطر ممكنة، ما يسمح بمعالجة المطالبات الضريبية بشكل أسرع. ومن شأن الرقمنة أيضا تحسين كفاءة الإنفاق، فالتقنيات البيومترية وأنظمة السداد الإلكتروني تساعدان على الحد من أوجه القصور البيروقراطية، واستهداف الأشخاص المحتاجين بشكل أفضل، وتحقيق وفورات مالية عامة، وتسهيل تقديم الاستحقاقات. ويستخدم المواطنون المدفوعات الرقمية على سبيل المثال، لسداد الرسوم المدرسية لأجل الحد من نطاق الاحتيال والفساد عبر تجاوز الموظفين العموميين. ويمكن للرقمنة أيضا أن تجعل عمليات الشراء أكثر شفافية وشمولا وكفاءة. فالشراء المركزي يمكن أن يحد من تضارب المصالح وإساءة الاستخدام، بما في ذلك على مستوى الشركات المملوكة للدولة والمقاطعات والحكومات المحلية. ما الذي سيعنيه عائد الحوكمة هذا تحديدا بالنسبة لشعوب إفريقيا جنوب الصحراء؟ من شأن تحسين الحوكمة وتقليل الفساد أن يؤديا إلى زيادة إيرادات الحكومة، وتعزيز كفاءة استخدام هذه الإيرادات، وزيادة الاستثمار الخاص وفرص العمل، وإتاحة مزيد من الأموال للإنفاق والاستثمار في الخدمات ذات الأهمية الحيوية للتنمية طويلة الأجل كالصحة والتعليم. ونتوقع أن تؤتي ثمارها بعدة طرق مختلفة: - زيادة حصيلة الإيرادات من خلال تحسين الامتثال الضريبي: تتحسن قدرة السلطات الإيرادية والجمركية على مكافحة التهريب والتدفقات غير المشروعة عندما يلتزم مسؤولو الضرائب بمبادئ حوكمة قوية. ويرجح أن يسدد المواطنون التزاماتهم الضريبية عندما تكون لديهم ثقة بفعالية الإنفاق الحكومي. - إنفاق حكومي أكثر كفاءة بفضل تزايد قوة عمليات الميزانية: الحكم الرشيد يحد من خطر حدوث تحولات ضارة في الإنفاق الحكومي نحو البنود المعرضة للفساد "مشاريع الفيلة البيضاء على سبيل المثال". - تحسين النتائج التنموية والاحتواء الاجتماعي: تعني زيادة الإيرادات إجمالا أن الحكومات يمكنها إنفاق مزيد على مواطنيها. فمن المحتمل أن يعود تحسين الحوكمة بالفائدة على الفقراء بشكل غير متناسب لاعتمادهم بشكل أكبر على الخدمات الاجتماعية، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة من شأنها دعم الاحتواء الاقتصادي والاجتماعي والحد من مدى التعرض للمخاطر. وتقف القارة حاليا عند منعطف مهم يعكس مجموعة من العوامل المجتمعية. فالسكان الشباب الذين لديهم إمكانية الاطلاع على المعلومات في الوقت الحقيقي من خلال الرقمنة والوصول المفتوح للبيانات يطالبون بالشفافية والمساءلة من المسؤولين المنتخبين. علاوة على ذلك، لأجل استقطاب الاستثمارات الأجنبية والاندماج مع الاقتصاد العالمي يلزم الدول بالالتزام بمبادئ الحكم الرشيد. وبغض النظر عن المسار الذي تختاره الدول لتحسين الحوكمة، فإن الفوائد الناتجة ستكون كبيرة وتستحق السعي إليها. فالحكم الرشيد أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى. تشكل الحوكمة قضية متعددة الأوجه تشمل السياسة والاقتصاد والمؤسسات. والمؤشرات ذات أهم التداعيات الاقتصادية تشمل كلا من الفساد "إساءة استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة"، وفعالية الحوكمة "جودة السياسات والخدمات العامة"، والجودة التنظيمية "قدرة الحوكمة على صياغة وتنفيذ سياسات وقواعد تنظيمية مواتية للأعمال التجارية"، وسيادة القانون "احترام إنفاذ العقود وحقوق الملكية وإنفاذ القانون". وتجميع الأبعاد المختلفة للحوكمة في مؤشر واحد يمكن أن يمثل تحديا لأن تجميع المقاييس الذاتية قد لا يرصد الواقع على الأرض بشكل كامل، إما بسبب اختلافات ثقافية، فما يعد فسادا في بلد ما قد يكون ممارسة عرفية في بلد آخر، أو حقيقة أن الخصائص المميزة للحوكمة مجمعة معا في مؤشر واحد. وفي حين أن تصورات الفساد تميل إلى أن تكون العنصر الرئيس محل الاهتمام، فإن معظم القياسات واسعة بما يكفي لأن تمثل بدائل مفيدة لجودة المؤسسات السياسية واللوائح التنظيمية الحكومية والسياسات.
مشاركة :