قال وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح إن الحكومة قررت تأجيل رفع الدعم عن الوقود، الذي كان مقررا أصلا في ميزانية 2020 التي أثارت جدلا واسعا بسبب الإجراءات التقشفية. وكان وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي قد أعلن يوم الجمعة عن قرار خفض دعم الوقود تدريجيا، وهي قضية تتسم بحساسية شديدة لأنها تؤثر على معظم سكان البلاد، الذين يعانون منذ عقود من أزمة اقتصادية عميقة وارتفاع معدل التضخم. وطالب تجمّع المهنيين السودانيين يوم السبت، بعدم المضي في إجازة موازنة عام 2020 بصورتها الراهنة، والتشديد على إعادة فحص ودراسة كل تقديرات الموازنة العامة، وضرورة توسيع التداول حولها عبر مؤتمرٍ اقتصادي عاجل. ونسبت وكالة رويترز إلى وزير الإعلام قوله إن “رئيس الوزراء ووزير المالية وعددا من الوزراء اجتمعوا مع ممثلين لقوى الحرية والتغيير واتفق الطرفان على تجميد قرار رفع الدعم في موازنة 2020 حتى انعقاد مؤتمر اقتصادي في مارس المقبل”. وأضاف أن القرار النهائي في هذا المجال سيتم اتخاذه في ضوء مقررات ذلك المؤتمر، التي ستحدد السياسات الاقتصادية للبلاد ومن ضمنها سياسات دعم السلع. وتحاول الحكومة السودانية الانتقالية التوفيق بين شروط صندوق النقد للحصول على دعم دولي وبين تذمر الشارع، الذي ينتظر تخفيف أزماته الاقتصادية والأوضاع المعيشية المتردية. وتواجه الحكومة مهمة صعبة في تحسين اقتصاد دمره سوء الإدارة على مدى 30 سنة خلال حكم عمر حسن البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل الماضي، بعد احتجاجات استمرت شهورا في الشوارع. ومن الأمور التي تعقد انتعاش الاقتصاد السوداني إدراجه من قبل الولايات المتحدة ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي يمنع الخرطوم حتى الآن من الحصول على دعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وشكل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مجلس الوزراء الانتقالي في سبتمبر الماضي بعد التوصل لاتفاق لاقتسام السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالبشير وقوى الحرية والتغيير وهو ائتلاف يضم جماعات المعارضة والاحتجاج السابقة. وكانت خطط الحكومة تتضمن، إلى جانب إلغاء دعم الوقود تدريجيا، مضاعفة أجور القطاع العام لتخفيف أثر تنامي التضخم، لكن الأوساط الاقتصادية تقول إن أعباء الخطط ستضر بمعظم السودانيين غير العاملين في القطاع العام. وتفاقمت أزمات السودان الاقتصادية بشكل كبير منذ عام 2011 حين فقد ثلثي إنتاجه النفطي مع انفصال جنوب السودان. ويتضح مأزق الحكومة في امتناع الخرطوم عن تحديد سبل تمويل موازنة العام المقبل، التي خلت من توقعات حكومية للإيرادات والإنفاق. وكان وزير المالية قد أثار انتقادات واسعة بإعلانه أن دعم البنزين سَيُلغى تدريجيا العام المقبل، رغم تأكيده أن دعم القمح وغاز الطهي سيستمر من أجل مساعدة الفقراء، في وقت يشكل فيه الدعم عبئا رئيسيا على مالية الحكومة. وكشفت الحكومة الأسبوع الماضي عن خطط لمضاعفة أجور الوظائف العامة وزيادة الحد الأدنى من 425 جنيها إلى ألف جنيه سوداني (22 دولارا) من أجل تخفيف أثر التضخم والفقر. ومع ذلك فإن البيانات تؤكد أن الأسعار تزيد بمعدلات أسرع كثيرا من معدل التضخم الرسمي الذي بلغ في أكتوبر نحو 58 بالمئة بمقارنة سنوية. وهناك فجوة واسعة بين خطط الحكومة ومطالب تجمع المهنيين، الذي يؤكد “ضرورة أن يكون الحد الأدنى للأجور في حدود 8600 جنيه”، أي أكثر من 8 أضعاف الخطط الحكومية المكبلة بقلة الموارد. وكان نقص الخبز والوقود والدواء، فضلا عن زيادات حادة في الأسعار، السبب الرئيسي الذي أشعل شرارة الاحتجاجات التي أفضت إلى الإطاحة بالبشير بعد نحو 30 عاما في السلطة. ولم يذكر البدوي ما الذي يتوقعه السودان على صعيد الدعم المقدم من المانحين، بعد أن كان قد ذكر في نوفمبر أن الخرطوم بحاجة لما يصل إلى خمسة مليارات دولار في عام 2020. وقال إن ميزانية 2020 ستزيد الإنفاق على التعليم والإنفاق الاجتماعي وستتضمن مساعدات للأسر المحتاجة ورصد 9.3 مليار جنيه إضافية للمحافظات المتأثرة بأعمال قتال أو تمرد. وقال وزير الإعلام إن الميزانية ستكون جاهزة بشكل نهائي في غضون يومين خلال اجتماع بين الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة المشكل من عسكريين ومدنيين.
مشاركة :