في الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري 2019 وقعت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية اتفاقية مع المملكة العربية السعودية وبموجبها ستكون الرياض مقرًا للقيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون، ووفقًا للمعلومات الأولية المتاحة عن تلك الاتفاقية فإن هذه القيادة سوف ترتبط بقوات درع الجزيرة والدفاع الجوي ومركز القيادة البحري. وعلى الرغم من أن الحديث عن مساعي دول الخليج لتأسيس قيادة عسكرية مشتركة ليس أمرًا جديدًا حيث إن تلك الاتفاقية قد جاءت تنفيذًا لقرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون في الدورة الرابعة والثلاثين بدولة الكويت عام 2013 والذي تضمن الاتفاق على إنشاء تلك القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون وتصديقًا لقرارات وزراء الدفاع بدول المجلس خلال انعقاد الدورة الثانية عشرة التي انعقدت بمملكة البحرين في العام ذاته فإنها تعكس عدة دلالات سواء بالنسبة الى الممكة العربية السعودية أو مجلس التعاون أو معادلة الأمن الإقليمي ذاتها. فالبنسبة الى المملكة العربية السعودية تأتي تلك الاتفاقية امتدادًا لجهود المملكة في تعزيز مسيرة مجلس التعاون التكاملية، ابتداءً بدعم المملكة إقرار اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري المشترك وأبرزها اتفاقية الدفاع المشترك عام 2000 ومرورًا بمقترح خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام القمة الخليجية الثانية والثلاثين بالتحول من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، وانتهاء باستضافة المملكة العربية السعودية عددًا من المناورات العسكرية المشتركة لكافة أفرع القوات المسلحة الخليجية، تلك المناورات التي تسارعت وتيرتها خلال العام الحالي 2019 والتي تعتبر مهمة توقيتًا ومضمونًا وسط أجواء التوتر الإقليمي الراهنة. وبالنسبة الى مجلس التعاون فإن وجود دولة بوزن وثقل المملكة العربية السعودية داخل مجلس التعاون يعد الركيزة الأساسية لنجاح عمل المجلس فالمملكة هي «قاطرة دول مجلس التعاون»، بل إن تلك ظاهرة تميز العديد من التنظيمات الإقليمية بأن تكون هناك دولة لها ثقل داخل تلك التنظيمات ومنها دور الولايات المتحدة الأمريكية داخل منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو». وعلى صعيد معادلة الأمن الإقليمي ذاتها فقد أشرت في مقالات سابقة الى كيفية التفاعلات داخل الأقاليم التي لها أهمية استراتيجية والتي تحكمها قاعدة واحدة وهي وجود ثلاث قوى الأولى: وهي القوة التدخلية وتشمل كافة القوى والمنظمات الكبرى التي لها مصالح جوهرية في الإقليم وتضع ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء وحال تجاوزها فإن تدخلها عسكريًا يكون أمرًا حتميًا على غرار حرب تحرير دولة الكويت عام 1991, أما القوة الثانية: فهي القوة المناوئة وهي التي لا تقبل بالحقائق والمتغيرات الواقعية وترفض أي تدخلات في شؤون الأقاليم غير مدركة بأن الأقاليم هي جزء لا يتجزأ من الأمن العالمي ومن ثم فإن أمن تلك الأقاليم يهم العالم أجمع، وفي حالة الخليج تتمثل تلك القوة في العراق سابقًا وإيران حاليًا، وما بين هذه وتلك يجيء دور القوة الثالثة «الموازنة» وتعبر عنها دول الخليج، وقد أجمع واضعو تلك النظرية على أن دور تلك القوة يعد محددًا أساسيًا لمسار الصراع الإقليمي، صحيح أنه ليس بالإمكان منع تلك الصراعات وخاصة في الأقاليم التي كانت ولاتزال محور اهتمام العالم مثل منطقة الخليج العربي ولكن تأثير تلك القوة يعد مهمًا للغاية من أجل ضبط ذلك الصراع وعدم بلوغه حافة الهاوية لما لها من تأثير بالغ. وتتكامل التفسيرات الثلاثة المشار إليها لتفرز حقيقة واحدة وهي أن إسراع دول الخليج بتأسيس قيادة عسكرية موحدة تضم كافة أفرع القوات المسلحة الخليجية إنما يعكس قدرة دول الخليج على الاشتباك مع التحولات الراهنة والتأثير فيها في ظل خمسة تحديات أساسية الأولى: ظهور ما يمكن أن نطلق عليه احتدام التنافس الدولي مجددًا تجاه أمن الخليج العربي وهو ما يعبر عنه وجود رؤيتين لحماية أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي الأولى تتمثل في التحالف العسكري البحري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية تتمثل في التحالف الأوروبي بقيادة فرنسا، صحيح أن وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي أكدت على أن التحالف الأوروبي سوف يعمل بالتكامل مع نظيره الأمريكي ولكن تبقى لدينا رؤيتان بما يعني حتمية وجود آلية خليجية موحدة للاستفادة من هاتين الآليتين بما يعظم المكاسب الخليجية على صعيد تحقيق الأمن البحري والأمن الإقليمي عمومًا، والثانية: على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت -ولاتزال – هي الضامن الأساسي لأمن الخليج العربي فإن ذلك لم يحل دون ظهور مبادرات أخرى ومنها المبادرة الروسية لتأسيس منظومة للأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي بما يعني أن وجود رؤية خليجية موحدة للتعامل مع تلك المقترحات يعد أمرًا مهمًا لتحقيق التكامل بدلاً من الاستقطاب، والثالثة: حالة التأزيم الإقليمي المزمنة، تلك الأزمات التي تلقي بظلالها على أمن دول مجلس التعاون وربما يطول أمدها لسنوات وخاصة الأزمة السورية بما يعني الحاجة الماسة لتأسيس آليات جديدة لإدارة تلك الأزمات، والرابعة: استمرار الخطر الإيراني والذي لا يختزل في المسألة النووية بل الأكثر خطورة هو التمدد الإيراني في مناطق الصراعات الإقليمية والعمل على تأجيجها، بل وسعي إيران لتأسيس تحالفات تمثل إخلالاً بتوازن القوى الإقليمي وهو ما يعد تحديًا لمعادلة الأمن الإقليمي التي سادت منطقة الخليج العربي منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة وحتى الآن، وخامسها: احتدام التنافس الإقليمي بما يعني وجود حراك إقليمي لإعادة ترتيب مراكز القوى وهو أمر من شأنه أن يرتب آثارًا سوف تمتد لسنوات مقبلة. ومع التسليم بأهمية تلك الاتفاقية والتي تظل مرتبطة بأهداف تأسيس مجلس التعاون ومسارات تطوره المستقبلية أتصور أن هناك حاجة لثلاثة متطلبات ضمن تأسيس القيادة العسكرية المشتركة الأول: ضرورة أن يتلاءم بناء تلك القوة وطبيعة التحديات الأمنية الراهنة، فكافة دول العالم تتجه نحو التشكيلات العسكرية النوعية ولم يعد الأمر مرتبطًا بالحشود العسكرية التقليدية ويمكن الإطلاع على تجارب دول ومنظمات دفاعية أخرى من حيث تشكيل تلك القوات المشتركة، والثاني: على الرغم من أن ميثاق مجلس التعاون والاتفاقيات الأمنية والدفاعية بين دول المجلس تظل هي الأطر الناظمة لعمل تلك القوة المشتركة فإن ذلك لا يحول دون إمكانية النظر في صياغة مفهوم استراتيجي جديد لدول مجلس التعاون كل عدة سنوات على غرار حلف الناتو يمكن من خلاله مراجعة أبرز التهديدات الأمنية وتحديد آليات مواجهتها، والثالث: ضرورة بل حتمية توظيف التكنولوجيا العسكرية ضمن عمل تلك القوة المشتركة في ظل تحدي الحروب اللا متماثلة وقدرة الجماعات دون الدول على الحصول على تلك التكنولوجيا واستخدامها لتهديد المنشآت الحيوية لدول المنطقة. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة دراسات
مشاركة :