تصاعدت وتيرة الشغب والعنف في أوساط جماهير كرة القدم بتونس، خلال الأشهر الأخيرة، وأسفرت عن موجة غير مسبوقة لأعمال التخريب التي استهدفت المنشآت الرياضية وخلفت خسائر مادية وأضرارا فادحة في التجهيزات. ومع قرب نهاية الموسم الرياضي، شهدت بعض المباريات اشتباكات عنيفة بين المشجعين والشرطة سرعان ما تحولت لأعمال تخريب مست تجهيزات الملاعب ومثلت هاجسا للسلطات بغية مكافحتها. أرقام مفزعة وتكررت أعمال الشغب بعديد المناسبات، كان آخرها مباراة الغريمين النادي الأفريقي والترجي بملعب رادس بالعاصمة تونس يوم 12 مايو/ أيار الجاري ضمن الدوري الممتاز. ولم يمنع فوز الأفريقي مشجعيه من القيام بأعمال عنف أسفرت عن تهشيم 390 مقعدا واقتلاع العشرات منها لتناهز قيمة الخسائر 32 ألف دينار (نحو 18 ألف دولار) وفق معطيات رسمية لإدارة الحي الوطني الرياضي بتونس. كما شهدت مباراة الترجي والمريخ السوداني، ضمن دوري أبطال أفريقيا بالملعب نفسه يوم 3 مايو/ أيار الجاري، أعنف اشتباكات بين الجماهير والأمن أدت إلى إتلاف 260 مقعدا وإصابة ثلاثة من أعوان الشرطة بجروح متفاوتة الخطورة. علما بأن السلطات اعتقلت عشرات المشجعين للتحقيق معهم. وبلغت قيمة الأضرار 23 ألف دينار (15 ألف دولار) يتعين على نادي الترجي دفعها وفق القوانين المعمول بها بوصفه الطرف المنظم للمباراة. وأكد المدير العام للحي الرياضي لطفي الشلي تفاقم الخسائر في التجهيزات جراء أعمال الشغب والتخريب، واصفا طريقة المشجعين للتعبير عن غضبهم بالمتهورة وغير المسؤولة داعيا النوادي إلى تأطير الجماهير وتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على المنشآت. وقال الشلي للجزيرة نت أعمال الشغب تضطرنا للقيام بأشغال الإصلاح عقب كل مباراة بعد تفشي الظاهرة مؤخرا، وهذا يتطلب مصاريف باهظة ويضعنا في سباق ضد الساعة لإعادة الأمور إلى نصابها باعتبار أن ملعب رادس يحتضن بين ست إلى ثماني مباريات شهريا. يُذكر أن ملعب رادس سيغلق أبوابه لأسبوعين لإجراء أشغال صيانة، على أن يفتح من جديد في السابع من يونيو/حزيران المقبل. وتجددت أعمال العنف، في مباراة النادي الصفاقسي وشبيبة العلمة الجزائري بدوري أبطال أفريقيا، لتسفر عن تهشيم أجزاء من مدرجات ملعب المهيري بصفاقس احتجاجا من المشجعين على انسحاب فريقهم من المسابقة. كما أدت اشتباكات عنيفة في مباراتي الاتحاد المنستيري والترجي من جهة ومستقبل قابس والنجم الساحلي من جهة ثانية، ضمن الدوري المحلي، إلى وقوع خسائر مادية وتعرض عوني أمن لإصابات بليغة استوجبت نقلهما إلى المستشفى. وكانت وزارة الداخلية أبدت قلقها حيال استفحال الظاهرة، وقررت تتبع المتورطين في أحداث الشغب قضائيا. خدمات غير صديقة ولئن ترى بعض الأطراف أن استعمال القوة المفرطة ضد الجماهير وراء تكرر أحداث الشغب، فإن ملاحظين يعتبرون أن ضعف سياسة الردع وغموض التشريعات ساهم بتفشي الظاهرة. وكشف مدير صيانة المنشآت بالحي الرياضي بتونس أن القوانين تجبر الفريق المستضيف على جبر الأضرار ودفع تكاليف الإصلاح، غير أن النوادي ترفض تسديد قيمة الخسائر رغم صدور أحكام تلزمها بالدفع. وقال فتحي الجداي للجزيرة نت بلغت قيمة الخسائر جراء الشغب بملعب رادس بين عامي 2010 و2014 ما يفوق ستمائة ألف دينار (350 ألف دولار) يتعين على الترجي والنادي الإفريقي دفعها، ولكن بطء الإجراءات القانونية ومماطلة الأندية تمثلان عائقا أمام التسوية. للاطلاع على الجوانب الاجتماعية للظاهرة، يرى د. محمد الجويلي أن متابعة مباريات كرة القدم تعد من قبيل الخدمات غير الصديقة للجماهير التي تشعر بالمعاناة بدءا بالتدافع والانتظار لاقتطاع التذاكر مرورا بالدخول وصولا إلى معاملتهم بالقوة المفرطة، وكلها خدمات تفتقد للرفاه المطلوب. وقال الدكتور المتخصص بعلم اجتماع الرياضة اللجوء للعنف والاعتداء على التجهيزات يختزل رغبة الجماهير في التعبير عن رفضها لطريقة التعامل الأمني والشعور بالنقمة تجاه كل ما يمثل ممتلكات عمومية تابعة للسلطة بمفهومها الشامل. وتابع تحسين ظروف دخول المشجعين مقابل ترفيع أسعار التذاكر على غرار ما تعتمده إنجلترا وإسبانيا قد يساهم في تقليص الظاهرة تدريجيا. يُذكر أن السلطات الرسمية تحجر ارتياد الملاعب لمن سنهم دون عشرين عاما، وتضع سقفا محددا لعدد الجماهير المسموح لها بالدخول.
مشاركة :