موجة انتقادات واسعة تطال الحكومة المصرية بعد إعلان عزمها نقل أربعة تماثيل ضخمة لكباش بمعبد الأقصر بجنوبي مصر إلى ميدان التحرير الشهير وسط القاهرة. فماهي أسباب تلك الإنتقادات وكيف ردت عليها الحكومة؟ طريق الكباش (تماثيل على شكل تمثال أبي الهول برأس كبش) يربط بين معبدي الأقصر والكرنك. يبدي عدد من خبراء الآثار ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر اعتراضاتهم على قرار الحكومة المصرية نقل الكباش الفرعونية من الأقصر إلى ميدان التحرير بالقاهرة. الدكتورة مونيكا حنا، رئيسة وحدة التراث والآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بأسوان أطلقت حملة توقيعات على التماس موجه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف قرار النقل. وكان رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، قد كشف خلال زيارة لأعمال تطوير الميدان يوم الجمعة 27 ديسمبر/ كانون الأول، عن عزم الحكومة "نقل أربعة تماثيل ضخمة لكباش (تماثيل على شكل تمثال أبي الهول برأس كبش)، وهي الموجودة بالفناء الأول خلف الصرح الأول بمعبد الكرنك بمدينة الأقصر" إلى الميدان، بجانب تزيينه بمسلة فرعونية. وقالت حنا، رئيس وحدة التراث والآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بأسوان، لـ "DW عربية"، إن "1300 أستاذ وعالم آثار وشخصية معروفة وقعت على الالتماس، وأرسلنا نسخة منه لرئاسة الجمهورية اليوم". وجاء بالالتماس، أن "قرار نقل الكباش من الكرنك، والمسلة من صان الحجر بالشرقية، مخالف للأعراف الدولية المنظمة للحفاظ على الآثار والمباني التاريخية، على غرار البند السابع من ميثاق البندقية المنظم لأعمال الحفاظ على المواقع والمباني الأثرية، الذي يعد المرجع الأساسي لوثيقة التراث العالمي باليونسكو التي الصادرة عام 1974 والتي وقعت عليها مصر". غير أن وزارة الآثار والسياحة المصرية، دافعت عن قرارها، إذ قال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن التماثيل المزمع نقلها لتزيين ميدان التحرير ليس لها علاقة على الإطلاق بالتماثيل الموجودة على جانبي طريق الكباش (طريق أبو الهول) المعروف الذي يربط معبدي الأقصر والكرنك. وأوضح وزيري في مداخلة تليفزيونية لقناة "الحدث" المحلية: "لدينا في الصرح الأول بمعبد الكرنك بعض التماثيل سيتم أخذ أربعة تماثيل كباش بجسم أسد ورأس كبش لم يراهم أحد من قبل وتم الاتفاق على نقلهم لتزيين ميدان التحرير، مشددا أنه "سيتم وضعهم حول المسله وسيوضع حولهم سياج حتى يتم حمايتهم تماماً والحفاظ عليهم". ورغم تمسك الحكومة، تفاعل عدد من الناشطين وعلماء الآثار وبرلمانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع أنباء نقل التماثيل بين مؤيد ومعارض، حيث كتب الباحث الأثري المصري، زياد مرسي، إنه "في الوقت الذي ينادي فيه الأثريون حول العالم بإنهاء الاستعمار الثقافي وعودة الآثار إلى أماكنها التي وجدت فيه، وزارة الآثار المصرية بتحذوا حذو الدول المستعمرة في القرن التاسع عشر، وتسمح بوضع المسلات والآثار المصرية القديمة في الميادين العامة في غير سياقها!". وعلق أيضا، حسين مهران، قائلا: "مش لاقي أي مبرر الحقيقة لنقل تماثيل من الأقصر للقاهرة (حتى لو طلعوا مش بتوع طريق الكباش)، ليه القاهرة أهم من الأقصر أصلا؟ وليه نبهدل كنوز أثرية زي دي في تراب وزحمة وعشوائية العاصمة؟". وسخر الكاتب والسياسي عز الدين شكري فشير، قائلا: "طيب ليه الهيئة الهندسية ماتعملش كباش جديدة أكبر وأحلى تتناسب وجمال ميدان التحرير الجديد، وتسيب الكباش القديمة دي للناس اللي غاوية معابد وآثار وكده؟". بينما أيدت مها، قرار الحكومة، قائلة، "هي الزيطة (الضجة) المعمولة على نقل الكباش والمسلة مش أوفر شوية .. بلد زي بلدنا مفروض نكون عايشين ف متحف مفتوح عندنا آثار تغطي جميع ميادين مصر ف كل المحافظات .. إحنا غير كل دول العالم عندنا ثلث آثار العالم مفروض نستفيد بيها مش تبقى متشونة في مخازن الوزارة .. عجيب". ونشرت أستاذة العمارة بجامعة المنيا (جنوب مصر)، الدكتورة لبني عبد العزيز، عبر حسابها بموقع "فيسبوك"، صورًا قالت إنها لمشروع تطوير ميدان التحرير بعد وضع الكباش والمسلة في قلبه، وعلقت بأن التصميم "لا علاقة له من قريب أو بعيد بتصميم الفراغ العمراني الحيوي التاريخي لأهم ميادين مصر وأيقونة ثورات العالم (ميدان التحرير)" في إشارة إلى ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. وأشارت إلى أن "هذا الميدان أجريت له بالفعل مسابقة دولية لتصميمه تراعي كل ما سبق ولكن عندما قررت الحكومة التنفيذ لم تستعن بأحد المشروعات الفائزة أو حتى تطرحه كمسابقة محلية محدودة يشارك فيها المتخصصون وتختار الأفضل، ولكن كالعادة إختارت من يصمم بدون سبب واضح ولا هدف واضح". وفي بداية 2012، أعلن المجلس العسكري الذي قاد الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، تنظيم مسابقة لاختيار أفضل تصميم لتطوير ميدان التحرير وتقدم لها 95 مشروعا من كبار الفنانين التشكيليين والمكاتب الاستشارية، فاز فيها بالجائزة الأولى الدكتور محمد زينهم أستاذ ورئيس قسم الزجاج السابق بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، بتصميم يظهر "صينية الميدان" على شكل "25" ويتيح مساحات للتظاهر ويحتوي على أماكن للعروض الفنية. غير أن عملية تطوير الميدان تعثرت مع دخول البلاد في اضطرابات سياسية، إلى أن أعلنت الحكومة المصرية في أغسطس/ آب الماضي، بدء تطوير الميدان الذي يشكل رمزا للاحتجاجات في مصر، ضمن خطة حكومية لتطوير منطقة القاهرة التاريخية. وفي تعليق لمغرد يسمي نفسه "آمارلس" يرى بأن نقل كباش الفراعنة سيؤثر سلبيا على صورة ميدان التحرير التي ارتبطت بالمظاهرات من أجل الحرية. ودخل نواب في البرلمان المصري على الخط، وتقدم النائب المعارض هيثم الحريري، ببيان عاجل إلى الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، طالب فيه بوقف نقل مسلة وتماثيل "كباش الكرنك" لتزيين ميدان التحرير. كما أقام محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مجتمع مدني) دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، لوقف نقل التماثيل. فيما تعول مونيكا حنا أستاذة الآثار، على نجاح حملة التوقيعات، "إن شاء الله رئاسة الجمهورية هتستجيب لمناشداتنا". محمد مجدي
مشاركة :