تركيا... والديبلوماسية الاقتصادية التى لا يتقنها العرب | قضايا

  • 5/24/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

علاقتها مفتوحة مع إسرائيل فيما عززت علاقتها مع السعودية تريد الاقتراب أكثر فأكثر من الخليج، ولا تنكر أن لديها علاقات كبيرة مع إيران وإن لم تكن على العلن أحيانا، لديها علاقات مع سورية، كما ان علاقاتها متنامية في المغرب العربي، تعثرت علاقاتها مع أوروبا إلا أنها اقتربت من الاتحاد ودخول القارة العجوز من بوابة المنتصر. حافظت على علاقات متطورة مع الولايات المتحدة الأميركية في المقابل لديها علاقات متميزة مع روسيا، تفضل دور الوسيط ودور الذي يجيد لعب سياسة الأحلاف المتناقضين لكنها تستميت في أن تكون لغة الحوار مع الحلفاء لغة تركية بحتة فتجبر المتحاور معها أن يبحث عن تفسيرالكلام أو أن يستنجد بالمترجم الآلي أو أن يوظف مترجماً تركياً ليفهمه لغة الخطاب. إنها العبقرية التركية والتي تكمن حسب دراسات مختلفة في استراتيجية التسويق السياسية والاقتصادية من أجل تركيا وطنية قوية. ماكينة التسويق عملت منذ عشر سنوات مع قدوم حزب «الحرية والعدالة» الإسلامي التركي مروجة لتركيا، يصنع مجدها الأتراك ويتاح لهم كل الفرص للنجاح في تركيا وليس خارجها. إنه الحس الوطني التركي الذي صقله جيدا قائد تركيا الحالي الرئيس رجب طيب أردوغان الذي سعى من خلال تصريحاته لعدم ابتلاع أوروبا لتركيا ولثقافتها، ولكن لفرض ثقافة تركيا في أوروبا واحترامها. خصوصية المنتوجات والخدمات التركية لاقت إقبالا لا نظير له في العقد الماضي، وزاد النمو الاقتصادي بشكل متسارع وذلك مع نمو الحس الوطني التركي بأهمية العمل والانضباط... صفات أرادتها تركيا الجديدة علامة بارزة في سلوك الفرد التركي. تركيا العلمانية /الإسلامية ترسم مستقبل تموقعها الجيوسياسي في خريطة جغرافية معقدة جدا بين الشرق والغرب، استفادت من تموقعها كمنطقة عبور بين الخليج إلى أوروبا وبين آسيا إلى شمال أفريقيا. تموقع جنت منه بفضل حكمة فصل السياسة عن التجارة والمصالح، وفصل الدين عن السياسة الكثير، إلا أن مواقف قياداتها السياسية ظهرت في الفترة الأخيرة متضامنة مع الحركات الإسلامية السياسية في الدول العربية وأبرزها جماعة الاخوان المسلمين، لكن ذلك لا يعني أن أطرافاً تركية لا تساند الحركات السياسية العلمانية. الإدارة السياسية التركية التي يقودها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وحزبه الاسلامي «الحرية والعدالة» أرادت من خلال التحركات والتصريحات التركية أن تكون ملهماً وسنداً للأحزاب المعتدلة الإسلامية في العالم العربي وبسبب ذلك توترت العلاقات بينها وبين مصر والإمارات على سبيل المثال. إلا أن مصالحها التجارية مع الدولتين لم تتوقف بفضل استقلالية «الكارتيلات» الاقتصادية التركية عن السياسة وعدم التدخل السياسي فيها. تركيا تسعى بنسق سريع جداً لأن تصبح إمبراطورية اقتصادية تفرض هيمنة سياسية في المنطقة وفي العالم. نجحت في فصل مسار النجاح الاقتصادي عن مسار الهيمنة السياسية التي تريد أن تفرضها بقوة منطق المصالح في محيطها الحيوي وفي مجالها التاريخي الإسلامي الذي كانت تتزعمه في وقت ما. التحالفات الاقتصادية بين تركيا والعالم جمعت تركيا حتى مع ألد أعدائها وخصومها. حيث إن الفلسفة الاقتصادية التركية لا تؤمن بعدواة في المصالح حسب حصيلة نشاط إدارة أردوغان ولكن بتبادل المنفعة. أما كل ما تعلق بخلافات سياسية أو استراتيجية قد تربط تركيا بدولة أخرى فإن ذلك يبدو أنه تتم معالجته خارج إطار لعبة المصالح التجارية، ولذلك تبدو العلاقات التركية في العالم متشعبة ومعقدة ولديها الكثير من القضايا السياسية العالقة مع قبرص والعراق وسورية وإيران وإسرائيل واليونان ومصر والإمارات وواشنطن وغيرها. لكن ذلك لا يمنع أن ديبلوماسيتها الاقتصادية جداً إيجابية مع هذه الدول. لكن هذه التوترات السياسية في العلاقات الخارجية التي يقودها حزب «الحرية والعدالة» التركي لم تؤثر منذ تسلم أردوغان السلطة منذ أكثر من عشر سنوات على واقع التحالفات الاقتصادية وشراكات المصالح. فمثلما تركيا لديها توترات مع إسرائيل على سبيل المثال لم تجمد في الواقع العلاقات الاقتصادية بين البلدين وبين المستثمرين. فتركيا تجيد لعبة البلد المنفتح على كل العالم، لكن الداخل فيها يشعر أنه في تركيا عندما يكتشف أن اسطمبول لا ترضا أن تكون مدينة عالمية بمواصفات العولمة، ولكن تفرض على زائرها سائحاً كان أو مستثمراً أن يعيش الخصوصية التركية، وخصوصا الثقافة العثمانية والكمالية نسبة لموروث مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك بالإضافة إلى مواكبة مختلف الحضارات التي تعاقبت على تركيا وأهمها تركة الامبراطورية العثمانية، كما تسعى اليوم من خلال عشرات الأعمال الدرامية إلى نشر الثقافة التركية في الدول العربية من خلال المسلسلات الرائجة التارخية وتلك العصرية التي تحاكي مجد تركيا اليوم. تركيا بموسيقاها ولغتها وألوان أكلاتها وشرابها وفنونها وفولكلورها وتصاميمها تلهم الزائر أن يستفيد من هذا الزخم، وانطلاقا من هذا المبدأ عقدت آلاف الصفقات بين خارج تركيا وداخلها ونجحت تركيا بتصدير موروثها وصناعتها المحلية وسوقت ماركات تركية كماركة عالمية مسجلة للمنتوجات التي أصبحت تنافس حتى منتوجات العملاق الأصفر الصين. تركيا تسير على النموذج البريطاني، ولكن بحرية وانفتاح أكثر من الامبراطورية الإنجليزية. لأن الأتراك طبعهم حيوي أكثر من طباع الانجليز الصارم، ويميلون إلى طباع سكان المتوسط المحبين لمتعة الحياة والتسلية والترفيه. هذه الطباع التي جعلت الخدمات في تركيا تنجح بأيادي وتقنية وخبرات تركية على الرغم من رفض العولمة والالتزام بالهوية التركية الأصيلة حتى لو كان شكلا. حيث إن العامل الأجنبي على سبيل المثال في تركيا يضطر إلى تعلم اللغة التركية للحديث مع الأتراك والأجانب وحتى الزائرين إلى تركيا يتم استقبالهم بلهجة ولباس وتحية تركية خالصة وفقط بعض المفردات الانجليزية عند الضرورة وبلكنة تركية. النموذج البريطاني في سياسة تركيا له خصوصية. حيث إن تركيا لا تبحث أن تكون عالمية بماركات وشركات غربية، واستثمارات أجنبية، ولكنها بلغت العالمية باستثمارات وطنية وخدمات ومنتوجات صنعت في تركيا. لكن ما قد يكون تم اقتباسه من النموذج البريطاني في النجاح الاقتصادي والسياسي هو الانفتاح المؤسساتي غير المشروط أمام مختلف الأطياف السياسية والطوائف الدينية وعدم التمييز إلى حد ما بين الأفراد لعرقهم حتى الأكراد يعيش الكثير منهم بين الأتراك. اسطمبول أصبحت تقريبا مثل لندن عاصمة اللجوء السياسي من جهة وعاصمة الموضة والصفقات والعقار من جهة أخرى. كل شيء متاح في اسطمبول حتى أنها وصفت إلى حد ما أنها منطقة عبور الجهاديين والمتطرفين إلى سورية والعراق كما أنها أيضا منطقة تجارية نشطة جداً يتردد كثيراً عليها الإيرانيون والعراقيون والسوريون والخليجيون وعرب المغرب العربي والمصريون والأوروبيون والأميركيون والروس والاسيويون. كل يجد مكانا في اسطمبول. قوانين صارمة هي من تسوس الأتراك في بلادهم حيث إن لا قداسة إلا للرب والعمل. أما خارج العمل فكل شيء متاح بين الصلاة والعربدة لا أحد يهتم لأنك حر فيما تختار. قالت بعض التقارير ان مدنا في تركيا نشطت فيها تجارة السلاح في المقابل يقول آخرون أن مدنا أخرى نشطت فيها تجارة الدين، كما ذكرت تقارير أخرى أن تجارة النفط المهرب عمت مدناً في تركيا، إلى ذلك فإن نشاط الأكراد متنامٍ في أغلب الأراضي التركية الحدودية خصوصا، كما يوجد نشاط للتجارة غير الشرعية وخصوصا عبر نشاطات تجار المافيا التي نقلت تقارير ألمانية خصوصا مثل دوتش فالي أن المافيا نشطة في تركيا. وذكرت تقاريرأخرى منها ما نشر على صحيفة «غارديان» البريطانية أن تركيا أصبحت مقصداً للاجئين السياسيين العرب والإسلاميين حيث يجدون مخبأ في تركيا. في المقابل فإن الفنانين والنخب السياسية في العالم وأصحاب المجد والمليارديرات والمحبويين جماهيريا يقصدون تركيا أيضا. إلى ذلك فإن الأغنياء والفقراء يسافرون إلى تركيا. فالفقير يجد مبتغاه والغني يجد مراده أيضا، كما الفقير يمكنه أن يتبضع سلعاً يبيعها في بلاده بقصد الربح، والغني يمكن له أيضا عقد صفقات وشراء بضائع تركية ليبيعها بالجملة إلى تجار في بلاده. المهم أن تدخل إلى تركيا وتحمل معك شيئا عندما تعود. مقارنة مع نموذج النجاح التركي اقتصادياً وسياسياً فإن دولاً عربية عدة حاولت أن تقتفي النموذج التركي لكن لم تستطع أي دولة حتى اعتماده شعبياً واقتصادياً، ولم تتم دراسة العبقرية التركية بشكل صحيح. فتركيا في الحقيقة على الرغم من تصريحات تؤكد مساندتها لدول عربية ثائرة أو مستقرة وعقدها شراكات معها وترحيبها بمستقبل نجاح دول عربية على غرار ما حققته تركيا اقتصادياُ خصوصا لم تقدم في الحقيقة دليل سر نجاح اسطمبول إقليمياً وعالمياً وأبقت عليه ضمن أسرار الخلطة السحرية لنجاح الاقتصاد والسياسة التركية. تركيا إذا اقتربت من دول عربية وفعلت شركات معها فان المستفيد الأكبر على ما يبدو هي تركيا وليس العرب. فسياسة التحالفات التي تعقدها تركيا تشبه سياسة تحالفات الاتحاد الأوروبي مع دول حوض المتوسط العربية خصوصا في المغرب العربي. تحالفات الرابح الأكبر. حيث إن العلاقات التجارية بين أوروبا ودول المغرب العربي إلى اليوم هي علاقات غير متوازنة. فصادرات أوروبا إلى هذه الدول حصتها أكثر من وارداتها من دول المغرب العربي، وهذه العلاقة جعلت هذه الدول مرتبطة بشكل كبير بمصير أوروبا واقتصادها. فأوروبا بحثت عن أسواق لترويج بضائعها التي تنافسها بشدة داخل أسواقها البضائع الصينية، وتركيا تتحرك في نفس السياق وذلك بالعمل على توسيع خارطة توزيع وتسويق بضائع تركية من خلال إيجاد أسواق جديدة في بلدان لا يهم إن كانت علاقتها السياسية حسنة مع الإدارة السياسية التركية أم لا. فعلى الرغم من من توتر العلاقات التركية المصرية إبان قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم والإطاحة بنظام الإخوان بقيت العلاقات الاقتصادية مستمرة بين مؤسسات ومستثمري البلدين وبقي المصريون يقبلون على تركيا للسياحة والتجارة فيما يفتح الأتراك في مصر فرص استثمار وتجارة جديدة لزيادة ترويج سلعهم وخدماتهم. السياسة التركية لينة ومتلونة لكنها في الوقت نفسه صارمة جداً في حسابات مستقبل مسار نجاح الدولة. فترسانة من القوانين والإصلاحات شملت كل أنظمة التعامل والمؤسسات التركية الخاصة والحكومية والهدف منها زيادة الانضباط ومنع فرص تحقق الفساد خصوصا بعد فضيحة الفساد الكبرى المتورط فيها مسؤولون كبار كادت تقصف بمجد اسطمبول الذي يتباهى به أردوغان. لكن خصوصية النموذج التركي تكمن أيضا في أن النجاح يجدر أن تكون أساساته صلبة، ويجب ألا تختلف الكثير من الآراء حول تحقيق المصلحة. فإذا كانت هناك مصلحة تعود إلى تركيا فإن منظومة السياسة التركية تؤيدها بقوة سيادة القانون والإرادة السياسية، لذلك فقد ازدهرت المشاريع وسط ممانعة ومعارضة محدودة لها داخلياً. تركيا التي تقترب كثيرا في هذه الفترة من دول الخليج الغنية بالطاقة تقترب أكثر في المقابل من روسيا من أجل الطاقة أيضا.حيث إن تركيا من المفترض أن تكون بديلاً لأوكرانيا كمعبر إمدادت روسيا من الغاز إلى أوروبا. وستسفيد تركيا من كونها منطقة عبور الطاقة الروسية وذلك من خلال الاستفادة أيضا من الغاز الروسي، وبذلك قد تزيد قدرات تركيا الطاقية بحيث لا تصبح في حاجة على سبيل المثال لاستيراد الغاز من الدول النفطية الخليجية. وهكذا قد تكون العلاقة التركية الخليجية تجارياً تصب في مصلحة الأتراك وذلك بزيادة تدفق السلع التركية والاستثمارفي دول الخليج فيما أن صادرات الخليج من الطاقة قد تتقلص إلى تركيا إذا تعززت إمدادات الغاز من روسيا وزاد إنتاج تركيا من الطاقة النووية الذي يبدأ فعلا في العمل قريباً.

مشاركة :