تنذر الغارات الأميركية على قواعد «كتائب حزب الله» في العراق وسورية، بمرحلة جديدة من التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، سيكون العراق ساحتها، وقد تنقل التهديدات من حيز القول إلى الفعل، وربما نقل الصراع إلى ما هو أبعد من الهجمات الانتقامية المتبادلة والتي شكلت معالم المواجهة في الأعوام الأخيرة. وفي حين تعتبر غارات الأحد، رسالة تحذير، بأن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها في العراق في حال ما تم تهديدها من قبل طهران أو ميليشياتها، فقد تؤدي في المقابل، إلى تغيير في حسابات إيران الإستراتيجية، لتسير في اتجاه شن هجمات مكثفة وعلى نطاق أوسع ضد أهداف أميركية.وفي مقابل، إدانة المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، للغارات، وتشديد رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي، على انه «ستكون لها عواقب وخيمة»، أكد وزير الدفاع الأميركي، أن الضربات «كانت ناجحة»، ولم يستبعد أي خطوات أخرى «اذا لزم الامر». وقال مارك إسبر للصحافيين، ليل الأحد، بعد غارات شنتها مقاتلات أميركية من طراز «اف 15» على خمسة أهداف مرتبطة بـ «حزب الله» في غرب العراق وفي شرق سورية: «سنتخذ مزيداً من الاجراءات اذا لزم الأمر من اجل ان نعمل للدفاع عن النفس وردع الميليشيات او ايران» من ارتكاب أعمال معادية.وأشار إلى أن الأهداف التي تم اختيارها هي منشآت قيادة وتحكّم تابعة لـ «كتائب حزب الله» أو مخابئ أسلحة.وشنت القوات الاميركية سلسلة غارات على قواعد تابعة لـ«حزب الله» ما أسفر عن مقتل 28 مقاتلاً على الأقل، بينهم أربعة من القادة المحليين للجماعة، وإصابة نحو 55 آخرين بعد يومين من هجوم صاروخي أدى للمرة الأولى إلى مقتل أميركي في العراق.وبحسب مصادر عراقية، فقد تم قصف مقر «كتائب حزب الله في القائم»، ومقر فوج الكتائب على الحدود السورية - العراقية، ومقر اللواء 45 في «الحشد الشعبي». وفي سورية، طاولت الضربات الأميركية هدفين للميليشيات، لم يتم تحديدهما بدقة. وتأتي الغارات على قواعد ومخازن أسلحة تابعة لـ«كتائب حزب الله» عند الحدود العراقية - السورية، بعد شهرين من تسجيل تصاعد غير مسبوق على مستوى الهجمات الصاروخية التي تستهدف مصالح أميركية في العراق حيث اندلعت انتفاضة على السلطة وراعيتها إيران، فيما تبدو واشنطن غائبة سياسياً. وقال الناطق باسم البنتاغون جوناثان هوفمان إنّ الغارات تهدف إلى «إضعاف قدرات كتائب حزب الله على شن هجمات مستقبلاً».وبعد ساعات قليلة من هذه الغارات، قال مسؤول أمني عراقي مساء الاأحد إنّ «أربعة صواريخ كاتيوشا سقطت في محيط قاعدة التاجي (...) التي تضم جنوداً أميركيين من دون أن تسفر عن ضحايا».وتوجه إسبر مع وزير الخارجية مايك بومبيو إلى فلوريدا، حيث يمضي الرئيس دونالد ترامب عطلة عيد الميلاد، لإطلاعه على آخر الاحداث في الشرق الأوسط. وصرح وزير الدفاع: «لقد ناقشنا معه الخيارات الأخرى المطروحة على الطاولة». وقال بومبيو: «لن نقبل أن تقوم الجمهورية الاسلامية الايرانية بأفعال تعرض نساء ورجالاً أميركيين للخطر».وفي السياق، عززت القوات الأميركية في محافظة نينوى إجراءات الأمن حيث حلقت مقاتلات للتحالف الدولي في محيط قواعدها العسكرية في الموصل والقيارة.ومنذ 28 أكتوبر، سجّل 11 هجوماً على قواعد عسكرية عراقية تضم جنوداً أو ديبلوماسيين أميركيين، وصولاً الى استهداف السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا في بغداد.وأسفرت أول 10 هجمات عن سقوط قتيل وإصابات عدة في صفوف الجنود العراقيين، إضافة إلى أضرار مادية، غير أنّ هجوم الجمعة مثّل نقطة تحوّل.لم يسفر هجوم الجمعة عن مقتل متعاقد أميركي فحسب، وإنّما كانت المرة الأولى التي تسقط فيها 36 قذيفة على قاعدة واحدة يتواجد فيها جنود أميركيون، وفق مصدر أميركي.واستهدف الهجوم قاعدة «كاي وان» في محافظة كركوك النفطية، ونفّذ بدقة غير مسبوقة.وقال مسؤول عراقي لـ «فرانس برس»، إنّ «القذائف استهدفت بشكل خاص المنطقة التي يتواجد فيها الأميركيون، قرب غرفة الاجتماعات»، وذلك في وقت كان ينبغي أن يلتقي قادة رفيعو المستوى من الشرطة العراقية ومسؤولون من التحالف الدولي لمكافحة «داعش». وكان متوقعاً أن يدير المجتمعون عملية واسعة النطاق في مناطق جبلية لا تزال خلايا من التنظيم مختبئة فيها، لكن جرى إلغاؤها في اللحظات الأخيرة بسبب سوء الأحوال الجوية، وفق الشرطة. واتهمت مصادر أميركية «كتائب حزب الله»، أحد فصائل «الحشد الشعبي»، بالوقوف خلف عدد من الهجمات.ويخدم جزء من هذه الكتائب المسلحة والمدربة والممولة من إيران، ضمن «الحشد» ذي الدور الرسمي في العراق، فيما ينشط جزء آخر بصورة مستقلة في سورية.وفيما دعت «كتائب حزب الله» إلى الاستعداد لردٍّ قاس على القصف الأميركي، أبلغ الرئيس العراقي برهم صالح وعبدالمهدي، واشنطن استياءهما من القصف، بينما دعت قوى عراقية موالية لإيران إلى طرد القوات الأميركية.وقال برهم صالح إن «استهداف الحشد الشعبي في القائم منافٍ للاتفاقات ومضر بالعراق وغير مقبول»، وذلك خلال اتصال تلقاه من القائم بالأعمال الأميركي في العراق، الذي أخبره عن النوايا الأميركية بالقصف.وأعلن مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية أن عبد المهدي أبلغ وزير الدفاع الأميركي رفضه الشديد لقصف مواقع «الحشد»، معتبراً أن القصف «انتهاك خطير يهدد أمن العراق والمنطقة».وقال عبدالكريم خلف، الناطق باسم قائد القوات المسلحة، خلال مقابلة مع قناة «العراقية»، إن إسبر أبلغ عبدالمهدي قبل نصف ساعة من الغارات الجوية. ووصف خلف، الغارات، بـ«طعنة غادرة في الظهر».ونشر الموقع الرسمي للسيد علي السيستاني، بياناً قال فيه إن «المرجعية الدينية العليا إذ تدين هذا الاعتداء الآثم الذي استهدف جمعاً من المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية وأدى الى استشهاد وجرح عدد كبير منهم، فإنها تشدد على ضرورة احترام السيادة العراقية وعدم خرقها بذريعة الرد على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف». وأضاف البيان أن «السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها، وهي مدعوة إلى ذلك وللعمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية».وطالب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بحماية البعثات الديبلوماسية وقوات التحالف الدولي، واصفاً الغارات بأنها «انتهاك لسيادة العراق». وأضاف في بيان: «في وقت نطالب الجميع بضبط النفس؛ نجدد دعوتنا لأن تكون جميع القوات تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة».وقال القيادي في «الحشد الشعبي» جمال جعفر إبراهيمي، المعروف بالاسم الحركي أبو مهدي المهندس، ليل الأحد: «دماء الشهداء لن تذهب سدى وردنا سيكون قاسياً جداً على القوات الأميركية في العراق». وشدد تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري على أن «الاعتداء الأميركي سيُجابه برفض عراقي مستعد لخوض أي تحدٍّ يتعلق بكرامته وسيادته».أما تحالف «سائرون» المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فقد اعتبر القصف انتهاكاً واضحاً للسيادة العراقية وتعدياً سافراً على الإرادة الوطنية، ولا يمكن القبول بهذا «التصرف الهمجي العدواني». وطالب الحكومة بالدفاع عن سيادة العراق وسلامة شعبه من أي اعتداء خارجي. وقال: «سيبقى هتافنا مدوّياً، كلا كلا أميركا - كلا كلا إسرائيل».وتثير الهجمات على مصالح أميركية وأخرى على قواعد تابعة لفصائل موالية لطهران خشية المسؤولين العراقيين الذين كانوا يحذرون منذ أشهر من أن يلجأ حليفاهما، الولايات المتحدة وإيران، إلى استخدام الميدان العراقي ساحة مواجهة.مع ذلك، تبدّل ميزان القوى في العراق حيث لا يزال 5200 جندي أميركي متواجدين على أراضيه.واعتبر المحلل السياسي العراقي رعد الحسيني، أن الضربات الأميركية بمثابة تحذير لبغداد «بأن اضبطوا فصائلكم المسلحة، وأوقفوهم عن تبني الاستفزازات الإيرانية ضد المصالح الأميركية». من جانبه، يرى المحلل السياسي في مركز «أتلانتك كاونسل»، توماس واريك، أنه و«رغم إجماع قادة إيران والعراق والولايات المتحدة على عدم الانجرار إلى حرب، فإن الأيام القليلة الماضية أوضحت كيف يمكن للتصعيد أن يبدأ»، مضيفاً أن صواريخ الجمعة، تظهر أن الحكومة العراقية «لا تستطيع التحكم في سلوك كتائب حزب الله». وأضاف أن غارات الأحد، «تعد واحداً من أول الردود الأميركية التي تتضمن أفعالاً بعد سلسلة طويلة من الاستفزاز والتهديد من جانب كتائب حزب الله، والتي صنفتها وزارة الخارجية، منظمة إرهابية في عام 2009». احتجز ناقلة نفط بتهمة تهريب الوقود الحرس الثوري: الانتقام حق طبيعي وصف الحرس الثوري الإيراني، الهجوم الأميركي، على مواقع «كتائب حزب الله» العراقي، الأحد، بأنه «إرهابي»، مشدداً على أن الرد عليه والانتقام منه حق طبيعي للقوات العراقية. واعتبر الحرس، في بيان، أن «إخراج القوات الأميركية المحتلة من العراق هو الضامن لتعزيز أمنه واستقراره». وأشار إلى أن هذه العملية ستضر المصالح الإسرائيلية، قائلاً: «على الكيان الصهيوني ألا يفرح من هجمات الشيطان الأكبر والقوات الأميركية الإرهابية لأن ذلك سيوسع دائرة غضب الأمة الإسلامية من إسرائيل». وفي بيروت، وصف «حزب الله»، الغارات، بأنها «اعتداء سافر على سيادة العراق وأمنه واستقراره وعلى الشعب العراقي». وأعربت البحرين عن تأييدها للقصف الأميركي «رداً على الأعمال الإجرامية المتكررة التي تقوم بها هذه الكتائب الإرهابية». واعتبرت الخارجية الروسية، ان الضربات «غير مقبولة».من ناحية ثانية، احتجزت بحرية الحرس الثوري قرب جزيرة أبو موسى في الخليج، ناقلة نفط، وعلى متنها طاقم ماليزي، بتهمة تهريب النفط.
مشاركة :