كوم حجار ولا هذا الجار

  • 12/31/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ليس هناك من هو أبرع من النظام الفارسي، على مرّ التاريخ، في الانتهازية والوصولية والتآمر والخيانة والغدر والخسّة والحقد والحَسَد والوحشية. ليس هناك من هو أصلف وأجلف وأسخف من النظام الفارسي، إلا إسرائيل، في قلب الحقائق وتزييف الوقائع وتزوير الأحداث.هذا نظام لا يعرف العيب، ولا يحترم العهود ولا الوعود ولا المواثيق ولا الالتزامات ولا الجيرة ولا الإحسان. الفُرس أول من اخترعوا الدجل والشعوذة والأساطير والسفسطات والترهات والخزعبلات. لكن، والحق يقال، إن نظام ملالي ولاية الفقيه فاق الأولين والآخرين، واعتلى عرش «السي ورق»، أو الثلاث ورقات، بجدارة وحقارة.مغفل من يأتمن النظام الإيراني، وأكثر غفلة من ينخدع بعمائمه. هذا نظام زنديق وثعبان سام يجب ألا يُلدغ المؤمن من جحره مرتين، ومع ذلك فنحن نُلدغ منه مرات ومرات ولا نتعلم.لن نعود في هذا المقال إلى المجوس والصفويين والبرامكة وكسرى ورستم، فكتب التاريخ فيها الكثير عن الأقوام الهمجية الغادرة التي تجري في دمائها كريات الثأر والانتقام، ومنها رستم الذي قال «أنا فارسي ابن فارسي... وآري من سلالة آرية». وهذا الشعار يحمله كل ساسة النظام الإيراني الحالي، من إمامهم الأول خميني إلى وريثه خامنئي، انحداراً إلى قاسم سليماني وميليشياته الإرهابية في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. لقد كان خميني صريحاً منذ جلوسه على «عرش الإمامة» في طهران بأن نظامه يسعى إلى تصدير «الثورة الإسلامية» إلى «المستضعفين في الأرض». وكانت تلك الدعوة هي الرصاصة الأولى في الحرب العراقية - الإيرانية التي بدأها خميني بشعار «الطريق إلى فلسطين يمر في بغداد»، لكنه مات بعد أن تجرع «كأس السم» بموافقته على وقف إطلاق النار بين البلدين في 8 أغسطس (آب) 1988، بعد أن رفض بإصرار وعناد دعوة العراق إلى وقف الحرب في الأسبوع الأول لاندلاعها في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) 1980.سقط نظام صدام، فاحتلت إيران، العراق، بالوكالة، عن الولايات المتحدة. وكاد النظام السوري ينهار فاحتلت إيران سوريا. وسقط نظام علي عبد الله صالح فكادت إيران تحتل اليمن كله بميليشيات الحوثي الوكيل المعتمد لـ«فيلق القدس»، لولا «عاصفة الحزم».واغتالت الأيادي الإيرانية والسورية الخفية، رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، فأصيب لبنان بطاعون حسن نصر الله وحزبه الإيراني.إنه السرطان الفارسي الخبيث الذي يحتل العراق تحت شعار «حماية الطائفة الشيعية»، ويحتل لبنان تحت شعار «المقاومة والصمود»، ويحتل سوريا تحت شعار «حماية السيدة زينب»، ويحاول احتلال اليمن تحت شعار «لا يُدار اليمن من فئة واحدة فقط»، مع أن إيران تُدار من قبل الأقلية الفارسية التي قمعت كل القوميات الأخرى، ضمنها عرب الأحواز المسبيين والمنسيين.ولا ننسى يوم انفلت اللسان الفارسي الأعوج من عقاله، ليهذي بالسعي إلى «تحرير» الكعبة المشرفة ومكة المقدسة، بميليشيات قاسم سليماني الطائفية الدموية، وإقامة «دولة شيعية» فارسية في أرض النبوة العربية.إيران لا تتحدث عن السلام والتعايش والأخلاق والقانون الدولي وحقوق الإنسان، حين تنتهك كل ذلك علناً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتشن حرب إبادة على السُنة، بحجة حكم الأغلبية الشيعية، مع أن شيعة العراق عرب أقحاح حاولت تلك الميليشيات الإرهابية تلويثهم بجرائمها وفسادها وطائفيتها العمياء. إيران لا تتذكر السلام والتعايش والأخلاق والقانون الدولي وحقوق الإنسان والشرعية والدستور في لبنان وسوريا واليمن، لكنها تحمي المجرمين والفاسدين والإرهابيين.في المواجهة الحالية بين العرب والفرس، لا مكان للحياد والمواقف الدبلوماسية المائعة والتصريحات الخبيثة. مع الحق والسلام، أو مع الباطل والإرهاب. لا طريق ثالث. لقد صارت أراضي ومدن ومياه وأجواء العراق وسوريا واليمن ولبنان وبعض دول الخليج العربي مسرحاً لجرائم فارسية لا تنتهي وحقد طائفي أعمى و«بلطجة» عنصرية استعراضية تتجاوز كل علاقات الجيرة ومواثيق المنظمات وسيادة الدول وحرمات المجتمعات وأمن الشعوب وسماحة الأديان.نحن نتذكر أن بعض العرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي، لاموا العراق، لأنه رفض الخنوع أمام «تصدير الثورة» الخمينية العنصرية الطائفية المقيتة التي نَصّبت نفسها ولية للأمر على العرب والمسلمين في كل القارات. ولن ينسى العراقيون وقفة دول الخليج القوية، في مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت في إسناد البوابة الشرقية للعالم العربي، والتصدي لدولة الشر والأشرار. وقد مهدت إيران الملالي للحرب في الثمانينات من القرن الماضي بعمليات إرهاب وتفجيرات واغتيالات طالت مسؤولين ومواطنين عراقيين أبرياء على الحدود، وفي بغداد نفسها، ونقضت اتفاقية 1975 لتنظيم الملاحة في مياه شط العرب التي اضطر صدام حسين إلى تمزيقها أمام الملأ بعد أن بلغ السيل الزبى.هذا الكلام ليس تبريراً للحرب، ولا دعوة لها، لكنه استذكار لما حدث، وما يخطط له أشرار قم وطهران لاجتياح العالم العربي دولة تلو أخرى، مثلما بلعوا جزر الإمارات الثلاث تحت سمع العالم وبصره. وما يحدث اليوم هو صفحة أخرى في السيناريو الصهيوني - الفارسي الذي بدأ بغزو العراق واحتلاله في عام 2003، وإسقاط العراق دولةً ونظاماً وشعباً على يدي الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وتقديمه بلاد الرافدين لقمة سائغة للنظام الإيراني الدموي الذي احتله من الشمال إلى الجنوب، بمساعدة عملائه وأذنابه وأدعياء الدين من الدجالين المعممين والسياسيين الفاسدين.الحرب ليست نزهة. لكن العراقيين ذهبوا إليها دفاعاً عن أرضهم وعرضهم، وهم يدركون أن ثمنها فادح في الأرواح والدماء والأموال، لكن ماذا نفعل مع الجار الذي ينطبق عليه المثل العربي: «كوم حجار ولا هذا الجار»؟اليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على توقف الحرب العراقية - الإيرانية، ماذا نسمي التدخل الإيراني العلني في قمع المظاهرات العراقية؟ وماذا نسمي الإقامة شبه الدائمية لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، في المنطقة الخضراء في بغداد وغيرها من مدن العراق؟ وكيف نفسر محاولات سليماني فرض مرشحين عراقيين موالين لطهران في المواقع القيادية في العراق، مثلما نشاهد ونقرأ طوال الأسابيع الأخيرة عما يجري بعد منتصف الليل في قصور بعض السياسيين العراقيين لإنتاج وإخراج مسرحية سياسية جديدة تعيد «الاعتبار» للنفوذ الفارسي المُهان في بلاد الرافدين؟وقبل ذلك، بأي حق تدفع إيران ميليشياتها التابعة لـ«فيلق القدس» إلى اقتحام الحدود العراقية مراراً وتكراراً، مرتدية زي الجيش العراقي وقوات مكافحة الشغب، لتطلق الرصاص الحي على المحتجين المسالمين في بغداد ومدن الجنوب الباسلة المنتفضة على الفساد والتبعية والعمائم غير الرشيدة؟حقاً... «كوم حجار ولا هذا الجار».

مشاركة :