في مقالنا الموسوم بـ«عام ميلادي جديد وأمنيات بغد مفعم بالجد والمثابرة والإنجاز» المنشور في صحيفتنا الغراء «أخبار الخليج» بتاريخ 31/12/2018 قلنا «وعامنا الجديد نأمل ونتطلع أن يكون واحدا من أعوام الغد الجميل بعد أن تمكنت قيادتنا الحكيمة من تذليل التحديات وأرست قواعد النهضة والتنمية المستدامة بكل أبعادها البشرية والاقتصادية والمالية والسياسية»، وفعلا كان عام 2019 عاما مشرقا بهيجا على مملكة البحرين العزيزة وشعبها المعطاء، منذ انطلاقته حتى نهايته. فقد كان عاما أُرسيت به قواعد التطوير والإبداع والابتكار اقتصاديا وعلميا، عاما اتضحت به معالم التنمية المستدامة تعبيرا عن إدراك قيادتنا التام لفواعلها ومسؤوليات تحقيقها، سيما وأنها في قمة أهداف الرؤية الاقتصادية 2030. والتي تعد الاستثمار في قطاع الصناعة ولا سيما الصناعات الذكية، والبنية التحتية واللوجستية والابتكار، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الأمن الغذائي والمائي، والاستثمار في البحث العلمي والابتكار، وغيرها من مجالات التقدم التكنولوجي عوامل بالغة الأهمية للنمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، لتتمكن بلادنا من الدخول في عصر الثورة الصناعية الرابعة من موقع القوة وليس من موقع الضعف والتبعية، وفي إطار السعي الجاد إلى دمج التكنولوجيا المعاصرة ضمن السلوك الاستراتيجي للقطاعات الاقتصادية، بالشكل الذي ينجم عنه استدامة التنمية في تلك القطاعات، وترقية أداء الحكومة والمؤسسات بشقيها العام والخاص، وبما يسهم في خلق قيمة مضافة عالية تعوض عن نقص الموارد المالية المتأتية من مصادر ريعية تقليدية «كالنفط والغاز» مثلا، وتنويع مصادر الدخل من الموارد المتجددة، فضلا عن الارتقاء بالموارد البشرية بما يجعل منها خالقة للثروة المستدامة. لذا فإن مجلس التنمية الاقتصادية بمملكة البحرين، وفي إطار الرؤية الاقتصادية للمملكة 2030م، التي تؤكد الريادة والإبداع والتنافسية والاستدامة، والتي تحيط تنمية البنية التحتية والتنوّع الاقتصادي باهتمام كبير يضع على رأس أولوياته تحويل البلاد إلى مركز إقليمي رئيسي لتطوير التكنولوجيا المتقدمة والحوكمة الإلكترونية، ونتيجة ذلك الاهتمام المقرون بالبرامج والسياسات التنفيذية، من المتوقع للقطاع التكنولوجي المحلي أن ينمو بواقع 10% سنويًا حتى عام 2020م، إذ تحتضن البلاد ما يزيد على «200» خدمة تشغيلية للحكومة الإلكترونية، مع مشاريع قيد التنفيذ في مجالات الدفاع والطيران والأمن، والذي يتطلب دعمًا تكنولوجيًا متقدمًا، ولا سيما على صعيد حلول الأمن الرقمية، الأمر الذي جعل من السوق البحرينية فائقة الأهمية في استراتيجية التوسع الإقليمي لـلعديد من الشركات التكنولوجية العالمية في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا إلى ما تنطوي عليه من إمكانيات هائلة، وبنية تنظيمية ومؤسسية مستقرة وجاذبة، وبنية تحتية ولوجستية متطورة. فضلا عما توفره من حلول حاسمة للتحديات الاقتصادية والبيئية الراهنة، مثل توفير فرص عمل جديدة للشباب، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، والحفاظ على بيئة صحية، وضمان حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية الناضبة، وغيرها من السياسات الاقتصادية باعتبارها عناصر مهمة لتعزيز التنمية المستدامة. فجاءت توجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه إلى مجلس الوزراء بصياغة واعتماد خطة وطنية شاملة تؤمن للمملكة الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، وتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، من خلال وضع الأنظمة اللازمة، واستكمال البنى التقنية، وتشجيع الاستثمارات النوعية، لضمان الاستفادة القصوى من مردود ذلك على الاقتصاد الوطني البحريني. كما شهد عام 2019 تعزيز منظومة التشريعات والقوانين والمؤسسات المحفزة للريادة والابتكار والإبداع في مختلف المجالات، وهي في حالة من الاتساع والتطوير الدائم مواكبة لما يحدث في العالم، وفي إطار اعتماد سياسة الباب المفتوح، وتشجيع المبادرات الخلاقة، والعمل مع مختلف الجهات والتوجهات التقنية والتنموية العالمية المعاصرة، إذ تمتلك المملكة علاقات تفاعلية مميزة مع الدول وكبرى الشركات العالمية ذات القدم الراسخة في ميادين التكنولوجيا والعلوم المختلفة، سعيا إلى خدمة مواطنيها وتوفير أفضل الفرص أمامهم لحياة أكثر استقرارا وتنوعا ورفاهية. ونجحت البلاد في بناء قاعدة متينة لتوطين التكنولوجيا المالية وتوفير بيئتها التنظيمية وتيسير انتقال إبداعاتها وتقنياتها ومنتجاتها إلى القطاع المالي والمصرفي البحريني، بخاصة وأنها تمتلك مؤسسات مالية ومصرفية عريقة، وتعد المركز المالي والمصرفي المتقدم إقليميا وعالميا. كما ترسخت في عام 2019 أسس الشراكة بين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني الأخرى. وتعززت الهوية الوطنية والإجماع الوطني، والولاء وتجديد البيعة لقيادة البلاد الحكيمة. كما شهد العام الفائت تنامي قدرات دول مجلس التعاون الخليجي على مواجهة التحديات المالية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وظهور النتائج الإيجابية لسياسات التوازن المالي، والتنويع الاقتصادي فيها. فيما شهدت بقية الدول العربية تطورات إيجابية في مقدمتها عودة الوعي الوطني إلى العراق، بعد ستة عشر عاما من محاولات طمس الهوية الوطنية وفرض هوية طائفية صفوية انعزالية تجزيئية خرافية مقيتة، ومما يبعث على التفاؤل أن عودة الوعي الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية تمثلت في ثورة الشباب الذين نشأوا في ظل المحاصصة الطائفية والسياسة التبعية للهيمنة الإيرانية ، ليثبت للعالم أجمع فشل سياسات طمس الهوية، وتغييب الوعي الوطني، على الرغم من الأساليب العديدة التي اتبعتها إيران وعملاؤها بزخم وتخطيط، وتمويل، متعدد الأوجه لم يشهده التاريخ، مع تخاذل عالمي وإقليمي عن نصرة الشعب العراقي المغلوب على أمره، إن لم يكن داعما بشكل أو بآخر لسياسات انتزاع العراق من تاريخه الوطني الناصع ومحيطه العربي. فكان ذلك بحق انتصارا للوطنية والعروبة والإسلام الحقيقي، واندحارا للمشروع الفارسي الذي حاول اللعب بالورقة الطائفية لتنفيذ مآربه العنصرية ومصالحه القومية. فهنيئا للشباب العراقي الذي كسر حاجز الصمت وأحرق الستار عن الوجه العنصري لإيران وأتباعها من الإرهابيين والفاسدين والكهنوتين والجهلة، وفي انتصار العراق انتصار وتعزيز للوطنية في كل دولنا العربية والإسلامية. والأمر ذاته في لبنان حيث انتفض الشعب بكل أطيافه وشرائحه في وجه نظام المحاصصة الطائفية الذي يبلغ عمره نحو مائة وخمسين عاما.ونحن ندخل في العام الميلادي الجديد 2020 بتفاؤل واطمئنان نحمد الله على عونه ونصره ولطفه بعباده المؤمنين، ونسأله كمال العافية وتمام النصر المؤزر على مختلف التحديات ما ظهر منها وما بطن، ما نعلم عنها وما لا نعلم. تحية وتهنئة خالصة وتجديد وتأكيد للولاء المطلق لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى ولصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى رئيس مجلس التنمية الاقتصادية النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الموقر، ولعموم الأسرة الخليفية الكريمة. وتحية لشعب البحرين الوفي، وكل عام والبحرين قلعة خليفية خليجية عربية مسلمة شامخة وراياتها خفاقة بعون الله وتوفيقه.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :