انقضى عام 2019 بعد أن حققت فيه ساحات القضاء والنيابة العامة مفهوم العدالة الناجزة بسرعة التحقيق ودقة التقاضي في عدد من القضايا التي شغلت الرأي العام خلال العام، لتصدر الأحكام في بعض منها، بينما لا يزال ينظر بعضها الآخر وصولًا إلى الأحكام القضائية.وشهد العام 2019 عددًا من الوقائع التي تحركت على إثرها النيابة العامة بمباشرة التحقيقات وانتداب الأدلة الجنائية واستخدام التكنولوجيا الحديثة في سبيل الوقوف على أسباب تلك الوقائع، وإحالتها في ختام التحقيقات إلى المحاكمات الجنائية العاجلة، التي منحت بدورها المتهمين وممثلي الادعاء حقهم الكامل في تقديم دفوعهم واتخاذ الإجراءات القانونية وصولًا إلى الأحكام الرادعة.وتواصل محكمة الجنايات في 11 يناير الجاري نظر محاكمة 14 متهمًا في حادث قطار محطة مصر الذي وقع في مارس الماضي وتسبب في وفاة 31 مواطنًا وإصابة 17 آخرين نتيجة إهمالهم وإخلالهم الجسيم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم بمخالفة دليل أعمال المناورة ولائحة سلامة التشغيل الصادرة عن جهة عملهم وتزوير التوقيع في دفتر حضور وانصراف عمال وملاحظي المناورة.وباشرت النيابة العامة التحقيق في القضية، وأحالتها للمحاكمة العاجلة بعد أن نسبت إلى المتهمين اتهامات بالعبث بالمعدات والأجهزة الخاصة بالقطارات وبتسيير حركتها على الخطوط وتعطيل إحدى وسائل الأمان "جهاز رجل الميت" المزود به الجرار والتلاعب بمجموعة حركة ذراع العاكس، فضلًا عن التلاعب في دفاتر توزيع السائقين والمساعدين على القاطرات لغرض إضفاء المشروعية على حركة تسيير الجرار دون إذن.واستعانت النيابة العامة بأحدث تقنيات الأدلة الجنائية، من خلال الفحص الفني للحركة الميكانيكية للجرار، والتي بينت وجود ذراع التشغيل للقاطرة في وضع التشغيل على السرعة الثامنة، والتي تعادل 120 كم/ ساعة، وأن الحادث نجم عن اصطدام الجرار بالمصد الخرساني بنهاية الرصيف محدثًا آثارًا تصادمية نتج عنها تسييل وتناثر السولار من خزان الوقود أسفل الجرار، والذي يسع 6 آلاف لتر من السولار، واختلاط أبخرته بالهواء مكونًا مخلوطًا قابلًا للاشتعال؛ ما أدى إلى اندلاع النيران نتيجة وجود الشرر المعدني الناتج عن احتكاك الأجزاء المعدنية ببعضها عند الاصطدام بالمصد الخرساني بالسرعة القصوى التي كان يسير بها الجرار.كما تبين من الفحص بدء الحريق وتمركزه بمنطقة خزان الوقود والتي امتدت بها النيران وتزايدت إلى باقي المناطق، وقد تبين من الفحص الفني وجود انخسافات وانبعاجات وقطع بجسم جزان الوقود وانفصاله عن مكانه.وأفاد التقرير أيضًا بوجود آثار لمحتويات غريبة عن طبيعة محتويات المكان وعدم وجود آثار أو مخلفات تشير إلى استخدام عبوات مفرقعة بموقع الحادث.كما أفاد تقرير الإدارة المركزية للمعامل الكيميائية بأن العينات المأخوذة من المتهمين وجدت إيجابية لآثار مخدر "الإستروكس" المدرج بالجدول الأول لقانون المخدرات لدى عامل المناورة المرافق للجرار رقم 3202 المتسبب في الحادث دون باقي المتهمين الذين تبين سلبية العينات المأخوذة منهم لآثار المواد المخدرة.وأضاف البيان أنه في وقت سابق، انتقل فريق من محققي النيابة العامة إلى محطة سكك حديد مصر لإجراء فحص شامل لمنظومة العمل داخل الهيئة للوقوف على أوجه القصور في كل القطاعات لتحديد المسئولية عن وقوع الحادث، وتم استدعاء 38 من مسئولي الهيئة والمهندسين والمشرفين والعمال من كل قطاعات التشغيل والصيانة والأمن الصناعي ومسئولي الكاميرات والإدارة المركزية للرقابة على التشغيل والحماية المدنية لاستجوابهم.وعلى الجانب الآخر، قامت هيئة النيابة الإدارية بتولي التحقيق الشق الإداري فيما يتعلق بالعاملين بهيئة السكك الحديدية، وخروج توصيات وجهتها النيابة إلى الهيئة لضمان انضباط سير العمل بالنسبة للعاملين، والتأكيد على أهمية الصيانة الدورية للمعدات والآلات من جرارات وعربات القطار وغيرها.وتضمنت صحيفة القضايا التي شغلت الرأي العام خلال عام 2019 القضية التي اشتهرت إعلاميًا بـ"شهيد الشهامة"، والتي وقعت أحداثها خلال أكتوبر الماضي، وأحالتها النيابة في ختام تحقيقاتها إلى المحاكمة الجنائية التي أصدرت أحكامًا بالسجن بحق 4 متهمين لإدانتهم بقتل الشاب محمود محمد سعيد البنا عمدًا مع سبق الإصرار والترصد.وكشفت تحقيقات النيابة العامة حقيقة الواقعة التي تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي، والتي بدأت عندما استاء المجني عليه من تصرفات المتهم قِبل إحدى الفتيات؛ فنشر كتابات على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام" أثارت غضب المتهم؛ فأرسل الأخير إلى المجني عليه عبر برامج المحادثات رسائل التهديد والوعيد.واتفق مع عصبة من أصدقائه على قتله، وأعدوا لذلك مطاوٍ وعبوات تنفث مواد حارقة للعيون (مصنعة أساسًا للدفاع عن النفس)، واختاروا يوم الأربعاء الموافق 9 أكتوبر الجاري موعدًا لذلك؛ حيث تربص المتهمان محمد راجح وإسلام عواد بالمجني عليه بموضع قرب شارع هندسة الري بمدينة تلا بمحافظة المنوفية، وما أن ابتعد المجني عليه عن تجمع لأصدقائه؛ حتى تكالبا عليه؛ فأمسكه الأول من تلابيبه مشهرًا مطواة في وجهه ونفث الثاني على وجهه المادة الحارقة؛ وعلت أصواتهم حتى سمعها أصدقاء المجني عليه فهرعوا إليه وخلصوه من بين يديه؛ ليركض محاولًا الهرب.فتتبعه المتهمان حتى التقاه المتهم الثالث مصطفى الميهي وأشهر مطواة في وجهه أعاقت هربه وتمكن على إثرها من استيقافه؛ ليعاجله المتهم الأول بضربة بوجنته اليمنى أتبعها بطعنة بأعلى فخذه الأيسر؛ وذلك بعدما منعوا أصدقاءه من نجدته مستخدمين المادة الحارقة؛ ليتركوه مثخنًا بجراحه.ونقله الأهالي إلى مستشفى تلا المركزي، بينما هرب المتهم الأول على دراجة آلية قادها المتهم الرابع إسلام إسماعيل.وانتقلت النيابة العامة إلى المستشفى وناظرت جثمان المجني عليه، كما سألت شهود الواقعة، وأصدرت قرارها بإجراء الصفة التشريحية لجثمان المجني عليه، وبالتحفظ على تسجيلات آلات المراقبة بمكان الواقعة، واطلعت على محتوى الرسائل التي تبادلها المتهم الأول والمجني عليه.وأظهرت مناظرة النيابة العامة للمجني عليه إصابته بإصابتين إحداهما بوجهه والأخرى بأعلى فخذه، وأجمع شهود الواقعة على أن سبب الإصابتين ضربة وطعنة من المتهم الأول للمجني عليه.وأكد أطباء مصلحة الطب الشرعي أن الطعنة التي أصابت فخذ المجني عليه الأيسر هي التي تسببت في وفاته، وأنها جائزة الحدوث من مطواة وكالتصوير الذي أجمع عليه الشهود، وشاهدت النيابة العامة بتسجيلات آلات المراقبة وقوع الشجار مع المجني عليه وسط حشد من الفتيان ثم تقهقره ومحاولة هربه ولحاق آخرين به ثم ظهوره بمشهد ثانٍ وآخر يحاول الإمساك به، وبمشهد أخير والدم يسيل من رجله اليسري، كما اطلعت على رسائل من المتهم إلى المجني عليه سبقت الواقعة تضمنت تهديدًا ووعيدًا له بإيذائه بدنيًا.وأكدت أقوال متهمين إشهار المتهم الأول مطواة قرن غزال في وجه المجني عليه ونفث المتهم الثالث المادة الحارقة في وجوه من هبوا لنجدته، بينما قرر متهمان أن المتهم محمد راجح طعن المجني عليه برجله اليسرى.واستمرارًا لسرعة استجابة النيابة العامة، نجحت جهة التحقيق في إحالة 10 متهمين للمحاكمة الجنائية لتخريبهم عمدًا خطًا من خطوط البترول وسرقتهم كميات من المواد البترولية المارة به، ووفاة وإصابة أشخاص جراء جرائمهم في القضية التي شهدتها محافظة البحيرة في ختام العام الجاري.وكشفت تحقيقات النيابة العامة عن اتفاق المتهمين على سرقة المواد البترولية من خط أنابيب طنطا/ دمنهور المار بأرض بعزبة المواسير بإيتاي البارود، ولذلك استأجروها في غضون شهر أكتوبر الماضي، ونقلوا مواسير إليها، ونقبوا حتى ثقبوا الخط، وركبوا محبسًا عليه، ثم دأبوا على سرقة مواد مارة فيه.كما كشفت التحقيقات عن أنه في صباح 13 نوفمبر الماضي، حاول أحدهم تركيب محبسٍ آخر فتهتك عازل الخط، وبدأ تسرب المواد حتى خرج الأمر عن سيطرتهم؛ ففروا هاربين، بينما أبلغ مؤجر الأرض النجدة وشركة أنابيب البترول بالتسريب قرابة الساعة الثانية عشرة ظهرًا؛ فانتقلت قواتٌ إلى الأرض وتبينوا غمرها بالكامل بتلك المواد، وضبطوا مواسير وأدوات للتركيب والحفر، واتخذت الشركة إجراءات سحب المواد البترولية.وأمرت النيابة العامة بأخذ عينات من البصمات الوراثية لهم وللمتوفين للوقوف على هوياتهم، وبإجراء الصفة التشريحية للمتوفين أثبت خبراء مصلحة الطب الشرعي أن وفاتهم تعزى إلى الإصابات اللهبية النارية وما ترتب عليها من حروقٍ أحدثت صدمة أدت إلى الوفاة، وتمكنوا عن طريق مضاهاة البصمات الوراثية من تحديد هويات المتوفين، بينما ثبت من توقيع الكشف الطبي على المصابين إصابة كل منهم بحروق لهبية بنسب متفاوتة بلغ أقصاها 50%، وإصابة أحدهم بحروق من الدرجتين الثانية والثالثة، وإصابة البعض الآخر منهم باختناق جراء الحريق.وانتدبت النيابة العامة خبراء معمل الأدلة الجنائية لمعاينة مسرح الواقعة، وانتهوا في تقريرهم إلى أن الحادث عبارة عن تسريب بنزين على إثر تركيب مشبكين على الخط المار بالأرض الزراعية، وأن الحريق بدأ على هيئة اشتعال مفاجئ بأبخرة تسريبات مادة الجازولين في مصرف أبو سعيدة والمنطقة المحيطة به، لتتركز آثار النيران على المركبات والزراعات ويتخلف عنها تخريب 16 مركبة، وشَكَّلَت لجنتين الأولى خماسية لفحص ومعاينة خط البترول محل الواقعة للوقوف على حالته وأسباب تخريبه، والأخرى ثلاثية من الإدارة الزراعية بإيتاي البارود للوقوف على حالة قطعة الأرض.
مشاركة :