ربما أصبحت ورقة الاقتصاد العالمي مكشوفة وأسهل قراءة، ما يقلل احتمالات الوقوع في خطأ بشأن توقع ما يمكن أن يحدث خلال عام 2020. وخلال 2019 تعرضت صحة الاقتصاد العالمي لوعكة قوية بتراجع النمو العالمي من 3.2% في 2018 إلى 2.6% عام 2019، لأسباب عدة، أبرزها الحروب التجارية، وضعف النمو الاقتصادي. وتمثل رد الفعل تجاه هذا التراجع، في لجوء معظم البنوك المركزية إلى تخفيف سياساتها المالية. ومع تكيف شركات التصدير العالمية مع ارتفاع الرسوم المتبادلة في الحرب التجارية، ثبت أن التأثيرات الناجمة عن هذه الحرب على نمو الناتج المحلي الإجمالي، كانت أقل من المتوقع. وفي قراءة لخريطة الأحداث التي يتوقع أن تؤثر على الاقتصاد في 2020، ستظل المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي مخيفة على المدى القريب، وأكبر أخطارها هو تصعيد النزاع التجاري الأميركي الصيني أو انتشاره إلى أجزاء أخرى حول العالم، خاصة أوروبا. أما على المدى المتوسط، فتشكل مستويات ديون الشركات العالية المتصاعدة، سواء في الأسواق المتقدمة أو الناشئة، تهديداً حقيقياً للنمو الحالي، إذا بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع، حسب مؤسسة «آي إتش إس ماركيت». أما الاحتمالات الواردة على صعيد الأخطاء السياسية، فتتمثل في تردد بعض الحكومات، خاصة في منطقة اليورو، في تقديم المزيد من الحزم التحفيزية. وربما تكون هذه من المشاكل الحقيقية، عندما يتعثر النمو الاقتصادي في المستقبل المنظور. المناخ لاعب قوي وبعيداً عن الأخطاء البشرية، يجب حساب المناخ أيضاً كلاعب قوي ومؤثر، فقد حذر الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة في مارس 2019، من تهديد التغير المناخي للنظام المالي في البلاد، حيث أرغمت الظروف المناخية السيئة بعض المزارع والمرافق والشركات على إعلان إفلاسها. وينتج عن ذلك، عدم سداد القروض وبالتالي تدهور ميزانيات البنوك، ليتكرر سيناريو القروض السيئة خلال الأزمة المالية العالمية. وعلى المدى البعيد، توقعت دراسة نشرتها مجلة «سيانس أدفانسيز»، زيادة سوء الأحوال الجوية في أميركا بنحو 50% بحلول 2100، ما يكلف خزانة الحكومة الأميركية 112 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقرير لمكتب الحكومة الأميركية للمساءلة. وأرجعت «ميونيخ ري»، أكبر شركة لإعادة التأمين في العالم، خسارتها 24 مليار دولار خلال النيران التي اشتعلت في كاليفورنيا، إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. ونتج عن ذلك، رفع الشركات لأقساط التأمين، وبالتالي زيادة التكلفة على معظم الناس. ووفقاً لخدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي التابعة لبرنامج الأمم المتحدة لمراقبة الأرض، شهد أكتوبر الماضي رقماً قياسياً غير مسبوق في ارتفاع درجة الحرارة التي من المتوقع ارتفاعها بين 2 إلى 4 درجات خلال العقود القليلة المقبلة، ما يعني المزيد من اشتعال النيران. كما يعني قصر فصل الشتاء، وعدم موت حشرات مثل، خنفساء الصنوبر، حيث تشير تقديرات الخدمة الأميركية للغابات، لإمكانية سقوط نحو 100 ألف شجرة يومياً ستتعرض للإصابة بهذه الخنفساء على مدار السنوات الـ 10 المقبلة، بحسب موقع «ذا بالانس دوت كوم». ارتفاع أسعار اللحوم وسيتسبب الجفاف، في ارتفاع أسعار اللحوم والحبوب والفواكه، بجانب معاناة مرضى أزمات التنفس والحساسية. كما يمكن أن ينجم عن ارتفاع مستوى البحار، حدوث فيضانات تغمر ملايين المساكن والمرافق، وكذلك عواصف وأعاصير مدمرة. ورغم أن شبح ركود الاقتصاد الأميركي، ما زال يطارد الأسواق، وفي وقت تؤكد فيه المؤشرات استمرار الشركات الأميركية في خفض الإنفاق، إلا أن العديد من الخبراء الاقتصاديين ومديري الشركات، توقعوا نهاية الركود العالمي خلال 2020. وربما لا يوجد واحد من الاقتصادات الكبيرة الذي استطاع الصمود في وجه الدورة التجارية هذه المدة الطويلة مثل الاقتصاد الأميركي. ويرجع ذلك إلى حد ما إلى أن 2019 شهدت وتيرة إنفاق قوية في قطاع السلع الاستهلاكية، إلى جانب أسباب عديدة تبشر باستمرار هذه الوتيرة في الإنفاق خلال 2020، وذلك مع بقاء معدلات البطالة عند مستوياتها المتدنية، وزيادة عدد الوظائف في المناطق الفقيرة بالولايات المتحدة. وتمثل هذه العوامل، دعامة للاقتصاد الأميركي وستدفع، في حالة استمرارها، عجلة نموه خلال 2020، بحسب «فاينانشيال تايمز». الاقتصاد الأميركي وبناء على النمو المستدام في القوة العاملة والإنتاجية، تتوقع المؤسسة، تحقيق الاقتصاد الأميركي، لنمو قدره 2% خلال العام المقبل. وبينما كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فوق المتوقع في الفترة بين 2017 إلى 2019 عند متوسط 2.5%، بفضل التحفيزات المالية، عاد النمو لسابق عهده رغم انتهاء آثار هذه التحفيزات. وسجل الاقتصاد الأميركي، نمواً أسرع بالمقارنة مع الاقتصادات العالمية الكبرى الأخرى، في حين رجحت كفة فروقات أسعار الفائدة بين أميركا في جانب واليابان وأوروبا في جانب آخر، لمصلحة الأصول المقومة بالدولار. ويعني تشكيل الدولار لملاذ آمن، لجوء المستثمرين للتحوط بالسندات والأسهم الأميركية. ومن الغريب، أن احتدام الأزمة التجارية، ساعد في تفاقم هذه الظاهرة، ما أدى لتقويض الجهود المبذولة لتحسين تنافسية الشركات الأميركية من خلال فرض رسوم على الموردين غير الأميركيين. ومن المتوقع، ارتفاع قيمة الدولار بنحو 3% خلال العامين المقبلين، قبل البدء في سلك طريق العودة للتراجع، بحسب «آي أتش إس». ونشرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، نظرة مستقبلية حتى عام 2050، توقعت فيها ارتفاع إنتاج خام «برنت» لأرقام قياسية بحلول 2027، ليستقر عند 14 مليون برميل يومياً بحلول 2040. ومن المرجح، أن يكون عند سعر 92.8 دولار للبرميل بحلول 2030 وبنحو 106.08 دولار للبرميل بحلول 2040. وليس من المرجح استعادة الهند لموقعها كأسرع الاقتصادات الكبيرة نمواً في العالم، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 8% لنحو 4.5% خلال السنة الماضية 2018. وجاء نصف هذا التراجع، بسبب قضايا شائكة في القطاع المصرفي والنظام المالي والقطاع العقاري الذي عاش حقبة من الانتعاش. إلا أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تصر على أن مشاكل الهند الاقتصادية لا تعدو عن كونها دورية فقط، ولأنه ليس لديها خطة يمكن الاعتماد عليها للتصدي للتحديات الماثلة فربما ينتعش الاقتصاد نسبياً من الركود الذي ظل عليه لفترة امتدت لنحو 6 سنوات، إلا أن البلاد ستعاني في سبيل كسب زخم كافٍ للتفوق حتى على الصين التي مني اقتصادها بحالة من البطء. وفي أفريقيا، يتوقع بلوغ دين جنوب أفريقيا درجة الديون السيئة، حيث يتعلق دين البلاد السيادي بخيط رفيع، ووكالة موديز، هي الوحيدة بين الثلاث وكالات الكبيرة التي تصنفه فوق السيئ. ووضعته الوكالة في نوفمبر الماضي، تحت الرقابة السلبية، منوهة لافتقار الحكومات لرأس المال السياسي لإدخال الإصلاحات المطلوبة. وتراجع اقتصاد جنوب أفريقيا، حيث تم وضع خطوط طيران البلاد في بند الحماية من الإفلاس. كما عجزت على سبيل المثال، أسكوم أكبر شركة مملوكة من قبل الحكومة، عن سداد دين قدره 30 مليار دولار. وعلى صعيد البث، فمن المتوقع أن تغير مؤسسة «ديزني» قطاع البث حول العالم، في الوقت الذي تؤكد فيه شركات تتضمن «آبل» و«أتش بي أو»، أن البث سيظل القوة المهيمنة في تغيير قطاع الإعلام خلال عام 2020. ويرى بوب إيجر المدير التنفيذي لمؤسسة «ديزني»، أن امتيازات إعلامية مثل، حروب النجوم و«مارفل» و«بيكسار»، ستحظى بعدد كبير من المستخدمين. ويتوقع بعض المحللين، حصول «ديزني» على نحو 12 مليون مستخدم بنهاية 2020. ريادة صينية وتشير توقعات خبراء التقنية، إلى ريادة الصين فيما يتعلق باستخدام تقنيات الجيل الخامس في قطاع الاتصالات، حيث من المرجح توافر الاتصال اللاسلكي فائق السرعة الذي يشكل العمود الفقري لنظام إنترنت الأشياء، في معظم المجالات عند نهاية 2020. وقياساً على المحطات الرئيسة لتقنية الجيل الخامس التي سيتم إنشاؤها، تتقدم الصين على غيرها من البلدان المتطورة الأخرى بنسبة كبيرة. وفيما يخص عدد العقود المرتبطة بتقديم خدمة الجيل الخامس خارج الصين، تحتل هواوي مقدمة الركب، بصرف النظر عن الجهود التي تبذلها أميركا لعرقلة هذه المسيرة، بحجة مخاوف تتعلق بالأمن القومي. وفي مجال مبيعات الهواتف الذكية، تتفوق شركات صينية تتضمن، «هواوي» و«شياومي» و«فيفو»، على شركات أخرى عملاقة مثل «آبل» «وسامسونج». وتقود السعودية بجانب بعض حلفائها، بما فيهم روسيا، جولة في الآونة الأخيرة لخفض معدلات الإنتاج نهاية عام 2019، ما سيرفع الأسعار لأكثر من 65 دولاراً للبرميل. ولكن ولبقاء الأسعار عند هذا الحد خلال 2020، يتطلب ذلك التزام المنتجين بحصصهم من الخفض. الانبعاثات الكربونية أما عن انخفاض وتيرة الانبعاثات الكربونية، فليس ذلك من المتوقع، في وقت بدأت فيه انبعاثات الوقود الأحفوري في زيادة قدرها 0.9% سنوياً منذ عام 2010، فضلاً عن بوادر أخرى تشير إلى زيادة محتملة خلال 2020. وفي حال زيادة الناتج المحلي الإجمالي كما هو متوقع، من المرجح في المقابل، ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة، الذي يجيء معظمه في الوقت الراهن من الوقود الأحفوري. ومن بين أسرع الدول نمواً والصين بوجه خاص، أكثرها استهلاكاً للفحم، الذي يُعد أكثر أنواع الوقود تلويثاً للبيئة، حيث يفوق ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من أراضيها، مجموع ما تبثه أميركا ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة. وفي القطاع المصرفي الأوروبي، يبدو أن البنوك في القارة، مستمرة في تسريح بعض العاملين فيها، حيث تدل مؤشرات طفيفة، على انقشاع الموجة التشغيلية الصارمة التي كانت تنتهجها بنوك أوروبا في 2019. وتعاني البنوك، انخفاض أسعار الفائدة وضعف العائدات الاستثمارية المصرفية وبطء النمو الاقتصادي. وتستعد البنوك لقوانين بازل 4 التي تبدأ في زيادة متطلبات رأس المال من عام 2022. وخلال ديسمبر 2019، أعلنت بنوك في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، تسريح نحو 60 ألفاً من العاملين فيها. وفي إيطاليا، ربما تحذو بعض البنوك الأخرى، حذو بنك «يونكريديتو» الذي استغنى عن 8 آلاف من موظفيه.
مشاركة :