الرواية تهيمن على المشهد الأدبي العراقي

  • 1/2/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رغم الحضور اللافت للرواية كممثل للثقافة العراقية وخليفة للشعر والمسرح، فإن العراق قدم هذا العام الكثير من المنجزات الثقافية والفنية، خاصة في الجزء الأخير من السنة، حيث ساهم الحراك الشبابي المطالب بالحقوق والحريات في تحرر مختلف أوجه الثقافة العراقية. واحدة من مفارقات الثقافة العراقية في عام 2019 أنها بقيت على مسار واحد من حيث المهيمنات الأدبية التي تتقدمها الرواية بشكل خاص من دون أن يكون لبقية الأجناس الأدبية حضور مهم. وكانت السنوات التي مضت تسير على الوتيرة ذاتها من حيث التدفق الروائي الذي شغل مختلف الأجيال السردية التي تبارت في العطاء المختلف. غير أن انعطافة سريعة ومفاجئة في المشهد العراقي العام، لفتت الانتباه إلى تنويع المساهمات الثقافية في الشهرين الأخيرين من هذا العام مع مجسات ثورة الشباب العراقي في انتفاضة أكتوبر الجارية حتى اليوم. وهي مجسات فتحت الأبواب الواسعة لحقائق كثيرة، اجتماعية وسياسية على وجه الدقة. لتكون هذه الانتفاضة مفتاحا للكتابة والمساهمة الجدية في التصدي السياسي واسع النطاق عبر النوع الثقافي في أوجهه الكثيرة. تفوق السرد قبل هذا الانفتاح الثوري العارم ومحاولته إيجاد نبض جديد في الحياة. لا بد من قراءة موضوعية للمشهد الثقافي لعام كامل في بعض المعطيات. ونظنها معطيات غير وافية تماما لأن تكون الثقافة العراقية في محصلتها قد تجاوزت ما يمكن لها أن تتجاوزه بحضور مميز يؤشر إلى حالة التفاعل المطلوبة بينها وبين التلقي العام، سوى من شذرات سردية لم يقف النقد عندها كثيرا ولم يحفل بها. ولعل الإكثار الروائي وسهولة الطباعة في منافذ عراقية وعربية كان أحد أسباب عزوف النقد عن المتابعة الصارمة لمثل هذا الفيض السردي، مع يقيننا بأن هذا التدفق هو حالة صحية سترشَح منه أسماء ونتاجات إبداعية، فالبلاد التي خرجت من معطف قديم تحررت فيها الكتابة والمواجهة وتحرر معها الكاتب، وبالتالي سنجد أن أجيالا أدبية تفاعلت مع الحرية الجديدة بطريقتها، وأخذ منها السرد الروائي مأخذا كبيرا على حساب بقية الأجناس الأدبية، لاسيما الشعر والمسرح اللذين تراجعا كثيرا أمام موجة الرواية الصاعدة في خلطة أدبية ستصعب متابعتها بجدية نقدية. ولذا فالمشهد في هذا العام هو مشهد سردي بامتياز كشأن الأعوام الماضية؛ مع عدم وجود إحصاءات بحثية تقف عند هذا الخط الذي يساهم الأغلبية فيه من روائيين وقصاصين وشعراء وفنانين وهواة وشباب الجيل الجديد الذي يتطلع لأن يكون له دور في هذا الرهان السردي الواسع. ما أحدثته انتفاضة أكتوبر حتى اليوم فتح آفاقا واسعة أمام المنابر الثقافية في سردياتها وشعرياتها وفنونها ومع غياب أسماء كبيرة في المشهد التشكيلي العراقي شهد عام 2019 مؤثرات تشكيلية متواصلة عبر منفذ وزارة الثقافة والسياحة، وهو المنفذ الرسمي الذي يكاد يكون وحيدا في قاعة عشتار التي شهدت معارض فنية متعددة لفنانين وفنانات من بغداد والمحافظات؛ فردية وجماعية؛ لتؤكد بشكل أو بآخر أن الفن العراقي حاضر بالرغم من الظروف المحيطة به وأنه من الممكن صناعة فن راق يليق بالمنجز التشكيلي العراقي بتاريخيته المعروفة وبأسمائه الرصينة التي وضعت التشكيل العراقي في مصاف التشكيل العربي والعالمي. وغير قاعة عشتار شهد هذا العام أيضا افتتاح كاليري “دكانة” الصغير – في شارع المتنبي- الذي استضاف عددا من الفنانين والفنانات في معارض ذات نوعية واضحة في محاولة لسد الفراغ الفني، وأيضا لإفساحه المجال أمام تجارب فنية حداثية للجيل الجديد الذي ساهم بفعالية لافتة للخروج من العصمة الرسمية ومواجهة الشارع الفني بتجارب شخصية من المفاهيمية الجديدة التي يشتغل عليها جيل الحداثة، والذي خرج من طوق الظروف السياسية المتطرفة إلى اتجاهات ناقدة وناقمة أيضا عبر التشكيل الرمزي بأقنعته المتعددة. ومع انطفاء المسرح العراقي كليا وهبوط الأغنية العراقية إلى أدنى مستوياتها التعبيرية والجمالية، وخفوت بريق السينما وتباين الحالة الشعرية التي حاولت الأمسيات والأصبوحات أن تحييها لكن بلا جدوى، فإن المجلات الثقافية هي أيضا بقيت قاصرة بصدورها الدوري الذي لم يشكل علامة ثقافية واضحة. وكان الابتعاد عن النشر فيها يكمن في عدم صلاحيتها في مواكبة جديد الثقافة ومن ثم فقدت أهميتها تدريجيا مع انفتاح النشر اليومي في مواقع التواصل الاجتماعي الذي أناب عنها في إيصال المنتَج الشعري أو النقدي أو حتى الإشهار السردي، لتكون تلك المواقع هي الصحف المتحركة والإشهارية التي يتواصل بها ومعها الجميع، وهذه حالة عربية عامة وجدت طريقها إلى الكتّاب والأدباء والمبدعين، بديلا عن الصحافة اليومية والمجلات الدورية والشهرية الكاسدة التي عَبرتها الكتابات وتجاوزت محنة النشر فيها. في سياق الحراك الثقافي العراقي عربيا ومع الجوائز العربية التي لا تخلو عادة من أسماء مبدعين عراقيين، فإن أسماء روائية تمكنت من أن تضع بصمتها هذا العام في جائزتي البوكر وكتارا. أمثال عالية ممدوح وأزهر جرجيس اللذين ظهر اسماهما في القائمة البوكرية الطويلة. وفي جائزة كتارا حصد الروائيان هيثم بهنام بردى ووارد بدر السالم جائزتي الرواية “المخطوطة والفتيان” فيما ترشح الروائي العراقي محسن الرملي ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد الأدبية. ومع هذه الأسماء وممن سبقتها بالفوز العربي وبجوائز أخرى يمكن القول إن مثل هذا التتويج للسرديات العراقية هو استحقاق طبيعي، نظرا إلى الاهتمام الاستثنائي بهذا الجنس الأدبي الذي يشهد حضورا عالميا خاصا بين الفنون والآداب. ومع التتويج الخارجي لمبدعين عراقيين فقد حصل الفنان المبدع رائد محسن على جائزة أفضل ممثل في مهرجان قرطاج بتونس، أما الإنجاز العراقي الثاني جاء في جائزة أفضل نص مسرحي “كلب الست” للكاتب العراقي علي عبدالنبي الزيدي. وفي السينما حصد الفيلم العراقي “شارع حيفا” جائزتين في مسابقة آفاق السينما العربية بالدورة الـ41 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، جائزة أفضل مخرج التي ذهبت للمخرج مهند حيال وجائزة أحسن أداء تمثيلي للممثل علي ثامر. كما اختارت إدارة مهرجان بوسان السينمائي الدولي، بكوريا الجنوبية، الفيلم العراقي “شارع حيفا” كأفضل فيلم في المسابقة الرسمية للمهرجان وكان مشروع الفيلم حصل على جائزتين في ورشتي “شبكة” و”تكميل” في مهرجان قرطاج السينمائي في 2018. شارع المتنبي هو الحدث الأكثر حضورا في السياق الثقافي العراقي، لما له من خصوصية معروفة، تراثية ومعاصرة. كونه مركز العاصمة الثقافية الذي تحيطه الأندية الثقافية ودور النشر والمكتبات المتعددة. والذي يلجأ إليه أدباء العاصمة والمحافظات القريبة والبعيدة كسوق ثقافي يتجدد بالمعروضات الكتبية الحديثة من إصدارات عربية وعراقية وأجنبية. وحتى وقت قريب كان مركزا للتظاهرات قبل انتفاضة أكتوبر كفنار ثقافي شاخص غالبا ما تزوره الوفود العربية والأجنبية، وغالبا ما تكون الإصدارات الفكرية والشعرية والروائية والفنية العربية متوفرة في مكتباته قبل المعارض السنوية التي تقام في الدول العربية. لذلك فإن هذا المكان متجدد على مدار الوقت. وأخيرا.. فإن ما أحدثته انتفاضة أكتوبر الجارية حتى اليوم فتح الآفاق واسعة أمام المنابر الثقافية في سردياتها وشعرياتها وفنونها. وإذا كانت الرواية هي الأسبق لتوثيق هذا الحراك الثوري، فإن الشعر بدأ يتفاعل مع هاجس الانتفاضة أمام أعداد الشهداء المتصاعدة. ومعه السينما التوثيقية التي وجدت في الانتفاضة مادة جاهزة لصناعة فيلمية ممكنة؛ فما أوجده شباب التحرير من تنوع ثقافي حي على الأرض من إصدارات صحافية ومكتبات مجانية للقراءة ومسرح الفرجة الارتجالي والمعارض التشكيلية والمتاحف الصغيرة واللقاءات المنبرية الشعرية والفكرية، له أكثر من أثر في توجيه القاعدة الاجتماعية إلى الحاضنة الثقافية التي لا تزال رديفا حيويا للانتفاضة الأكتوبرية.

مشاركة :