على رغم النداءات المتكررة طوال السنوات الماضية لخلق مواسم درامية بديلة أو موازية لموسم شهر رمضان الوحيد، إلا أن الجميع كان يصرّ على عرض أعماله خلال الشهر الفضيل، حتى لو استلزم الأمر تصوير المسلسلات التي لم ينتهِ تصويرها على الهواء مباشرة، وهو ما كان يمثل ضغطاً كبيراً، ليس على المشاركين في هذه الأعمال فقط، لكنه كان يصيب في المقابل الجمهور بـ «تخمة» يصعب تقبلها، إذ يستحيل لأي متفرغ لأطول فترة ممكنة من اليوم أن يشاهد أكثر من ثلاثة مسلسلات من بين 40 مسلسلاً أو أكثر. وعلى رغم الانصراف الجماهيري وتأكد عدد من النجوم أن رمضان بات يمثل «مقبرة» للدراما، إلا أن بعض المسلسلات عرض على استحياء بعيداً من شهر رمضان في الماضي، من دون تحقيق النجاح المأمول، إلى أن جاء مسلسل «سلسال الدم» من بطولة عبلة كامل ورياض الخولي وفادية عبد الغني وهادي الجيار ورشوان توفيق وعلا غانم وأحمد سعيد عبد الغني وراندا البحيري وأميرة هاني وتأليف مجدي صابر وإخراج مصطفى الشال، والذي عرض جزؤه الأول في هذا التوقيت من العام الماضي، وحرك المياه الراكدة في صورة كبيرة، اذ اهتم الجمهور بمشاهدته بنسبة عالية، واستطاع مؤلفه مجدي صابر أن يغزل أحداثه وخطوطه الدرامية بمهارة، وترك بحكم خبرته الطويلة في الدراما الأبواب مفتوحة على مصراعيها في ما يتعلق بمصائر غالبية أبطاله في نهاية الجزء الأول. وهو ما مثل عنصر تشويق كبيراً للجمهور لمعرفة هذه المصائر في الجزء الثاني الذي يعرض حالياً حصرياً على شاشة «أم بي سي مصر» ويحقق جماهيرية لافتة، فأصبح حديث قطاعٍ من الجمهور، على رغم أن النصف الثاني تزامن مع امتحانات المدارس وانشغال الأسر المصرية بالامتحانات. ولم يعكر صفو المتابعة الجيدة لأحداث الجزء الجديد، إلا كثرة الإعلانات التي تمرّ خلال المسلسل، إلى درجة أن زمن الحلقة الفعلي يزيد قليلاً على نصف ساعة، في حين تزيد الإعلانات عليه عن الساعة. وعلى رغم رفع الفضائية التي تعرضه سعر الإعلان لتقليل العدد، إلا أنه لم يقل، وهو ما فسره أصحاب القناة والعمل على السواء بأنه يمثل نجاحاً حقيقياً ومشرفاً للمسلسل. ويعد «سلسال الدم» أول مسلسل صعيدي في الدراما المصرية يقدم في أجزاء، خصوصاً أن المسلسلات الصعيدية الشهيرة ومنها «مارد الجبل» و»غوايش» و»ذئاب الجبل» و»الضوء الشارد» و»الفرار من الحب» و»حدائق الشيطان» و»الليل وآخره» و»أفراح إبليس» وغيرها قدم كل منها في جزء واحد. وساعد في تقديم المسلسل في أكثر من جزء طبيعة الموضوع وفترته الزمنية الممتدة في الأحداث خلال ثلاثين عاماً منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، حتى قيام ثورة 25 كانون الثاني (يناير) وما تلاها. كما يضم المسلسل العديد من الشخصيات الرئيسية لكل منها حدوتة أو قصة مهمة في الدراما، وجاءت الأحداث متماسكة وثرية وسريعة الإيقاع. المسلسل الذي يصور منه حالياً الجزء الثالث، ناقش قضايا صعيدية بارزة، ومن أهمها قضايا الثأر، وأهمية التخلص من هذه العادة التي تتسبب في حرمان بطلة العمل «نصرة» (عبلة كامل) من أقرب الناس إليها فتأخذ على عاتقها محاولة استعادة حقها من دون إراقة قطرة دم واحدة في مواجهة قوة شر طاغية، وتنجح من خلال دهاء المرأة في أن تحطم بعض قوى الشر هذه كل يوم خلال 30 عاماً، إلى أن ينهار جبل الشر في النهاية. وكشف الجزء الثاني عن أن الصراع لم يعد بين «نصرة» و«هارون» فقط، لكنه امتد ليشمل جميع الشخصيات، كما تم تكسير كل الخطوط بالدراما المستعرضة والبطولة الجماعية. واللافت أن صابر الذي كتب العديد من المسلسلات الاجتماعية والإنسانية الناجحة ومنها «الرجل الآخر» لنور الشريف، و»العائلة والناس» لكمال الشناوي» و»أين قلبي» ليسرا، و»فريسكا» لآثار الحكيم، و»يا ورد مين يشتريك» لسميرة أحمد، و»للعدالة وجوه كثيرة» ليحيى الفخراني، و»نور الصباح» لليلى علوي، و»ويأتي النهار» لعزت العلايلي وفردوس عبد الحميد، لم يكتب من قبل مسلسلاً صعيدياً، على رغم أنه من مواليد محافظة سوهاج في صعيد مصر، ولا يزال جزء من عائلته يعيش هناك. وأجاد غالبية الممثلين تجسيد أدوارهم وفي مقدمهم عبلة كامل التي مر دورها بالعديد من المراحل الإنسانية.
مشاركة :