بيتر بروك.. المسرح يواجه الأحداث الكبرى

  • 1/4/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» «يصيبني المسرح أحياناً بالغثيان، وذلك حين تروعني الصنعة فيه، رغم يقيني في اللحظة نفسها أن شكلية المسرح هي سبب قوته» هذا ما كتبه الكاتب المسرحي الإنجليزي الكبير «بيتر بروك» في تقديمه لمسرحيته «نحن والولايات المتحدة» التي يعزو ميلادها إلى إحساس مجموعة من المثقفين بأن الحرب في فيتنام خلقت موقفاً أكثر قوة وحدة وإلحاحاً مما استطاعت أي دراما أن تعبر عنه، فالمسرح أخفق في أن يتناول القضايا التي تعني الممثلين والجمهور أكثر مما تعنيهم لحظة لقائهم الفعلي، لأن هذا الافتراض ينتهك الذوق العام، فالحروب القديمة بكلمات قديمة أكثر من الحروب الدائرة اليوم، هذا على اعتبار أن مسرحية «نحن والولايات المتحدة» تدور حول حرب فيتنام، وقت اندلاعها. كانت المشكلة - كما يوضح بيتر بروك - كيف للأحداث الدائرة اليوم أن تدخل إلى المسرح؟ وراء المشكلة يكمن سؤال: لماذا يجب أن تدخل هذه الأحداث إلى المسرح؟ يقول: رفضنا أن يكون المسرح فيلماً تسجيلياً يعرضه التلفزيون ورفضنا أن يكون قاعة محاضرات، نحن مهتمون بمسرح المواجهة، عن قضية فيتنام يمكننا القول إنها تعني كل فرد وهي رغم ذلك لا تعني أي فرد، فإذا استطاع أي إنسان أن يحمل في عقله في يوم واحد، رعب فيتنام والحياة المألوفة التي يحياها فإن التوتر بين هذين لن يكون محتملاً على الإطلاق. هذه المسرحية أعدها وأخرجها بيتر بروك واشترك في أدائها أعضاء فرقة شكسبير الملكية، ومن أهم ملامحها أنها لا تتنازل عن الفن المسرحي من أجل توصيل مضمون معين، فبيتر بروك فنان مسرح، وحين يعبر عن أفكاره، فإن هذا يأتي من خلال المسرح لا أي وسائط أخرى يمكنها أن تنقل الأفكار، وهو يرفض أن يكون «مجرد ناقلة أفكار» والتعبير المسرحي هنا تجربة فريدة تقوم على جمع المختلط معاً، ووضع المختلف جنباً إلى جنب حتى تحدث تلك اللحظة، التي يبحث عنها بروك، والتي كان يعتقد أنه اقتنصها في لحظة الصمت التي تعقب نهاية العرض، هذه اللحظة عنده هي ذروة الدراما، هي لحظة التطهر. في هذا العمل المسرحي طرح بروك السؤال: إذا قلت إنك مهتم بما يجرى في فيتنام كيف يؤثر هذا في الطريقة التي تقضي بها يومك؟ وللإجابة عن هذا السؤال تتابعت مراحل العمل، وكان واضحاً أن التجربة مستفيدة من روافد عديدة في المسرح العالمي، لكن بيتر بروك كان يأخذ من هذا كله ما يحقق تصوره لمسرح المواجهة، كما تجسدها صور الاختلاف والتناظر في مشاهد معينة، وحتى تكتمل الصورة المسرحية التي يتصورها بيتر بروك فإنه استعان بجهود المسرحي البولندي جروتوفسكي وتجارب معمله المسرحي من خلال تنمية نقاط الالتقاء والتوازي، ومن خلال الاحترام والتقدير استطاع ممثلو الفريق أن يكتسبوا من جروتوفسكي الشيء الكثير: أن يواجهوا بصدق ذواتهم وحيلهم الخاصة ومحاولاتهم الهروبية وكل ما يدفع بالممثل للموات، وأن يقيموا تلك الرابطة بين ما هو جسدي وما هو عقلي وما هو انفعالي فيهم. جاء عمل الممثلين مع جروتوفسكي متسقاً مع ذلك النسق العام للمواجهة، فبعد أن قضى الممثلون فترة طويلة يقرأون ويرتجلون عن فيتنام وصورة الحياة الأمريكية ويبذلون جهوداً مضنية للوصول إلى وحدات درامية كاملة من هذه القراءات والارتجالات، جاء جروتوفسكي ليأخذهم معه إلى النقيض، إلى حيث يطرحون العالم كله وراءهم ويغوصون في نقطة وحيدة دقيقة من وجودهم الإنساني، محاولين أن يركزوا فيها، مثل بؤرة مضيئة، كل طاقاتهم المختزنة، وبعد أن اكتسب الممثلون تلك القدرة على الغوص بدأت سباحتهم من جديد. يعتبر بيتر بروك واحداً من أهم المسرحيين في العالم، وقد قدم إخراجاً جديداً لأعمال عديدة من أعمال المسرح الإغريقي ومسرح شكسبير والمسرح المعاصر، مثل أوديب ملكاً، والملك لير، ثم قدم عرض «نحن والولايات المتحدة» الذي أثار عاصفة في أوروبا حين تم عرضه لأول مرة في شتاء سنة 1966 مستفيداً من كل التجارب المسرحية في العالم كله، ومع ذلك قدم بروك رؤية خاصة لما يمكن أن نسميه «مسرح المواجهة». بيتر بروك ولد في لندن عام 1925، هو من أصل ليتواني، درس الأدب المقارن في جامعة أكسفورد، وعمل لحساب التلفزيون البريطاني الوطني، كما مارس التمثيل والإخراج وهو في العشرين من عمره، وفي سنة 1970 انتقل إلى باريس، بعدها استدعته منظمة اليونسكو لتشيد بإدارته مركزاً للأبحاث المسرحية.

مشاركة :