مما يميِّز المدير الناجح أنه ينزل إلى من تحته ولا يتعالى عليهم ولا يُشعرهم بأنهم كمٌّ مهمل لا فائدة تُرجى منهم، بل لا بد أن يُشعرهم بأن العمل لا يمكن أن يتم إلا بهم، وأن أي نجاح إنما تمّ بسبب جهودهم وتفانيهم في هذا العمل، ولا مانع من أن يعمل قائد العمل معهم بيده في العمل الخدمي تماما كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه الكرام. وفي السنة النبوية كثير من الأمثلة على ذلك، منها: **حفر الخندق**: فَعَنِ الْبَرَاءِ (رضي الله عنه) قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا. فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا. إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» صحيح البخاري، كتاب الجهاد، حديث رقم (2837). وفي رواية أخرى للبخاري: «حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ»، صحيح البخاري، حديث رقم (3034). وهذا يدلنا على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ناله من العمل والتعب ما نال أصحابه، كما يدلنا على أنه (صلى الله عليه وسلم) كان ينمي في الصحابة روح التعاون والعمل الجماعي ويعمل على محو الفوارق بينه وبينهم، وهذا مبدأ يجب على جميع المؤسسات في هذا العصر أن تعمل على أساسه حتى تنجح. إن العمل الجماعي بروح الفريق الواحد من أساسيات النجاح والتقدم في كل المجالات، ذلك أن روح الأنانية وحب الذات وحب الظهور تصاحب الفرد غالبا، كما أن من مثالبها الحرص على تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة. وقد جاء في السنة النبوية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»، سنن الترمذي، حديث رقم (2167). 1) تنمية مهارة تفقد الغائب: من أهم العوامل الإيجابية التي لها كبير الأثر على نفسية العامل أن يهتم به رئيسُه أو قائده فيشعر أنه بذلك ذو مكانة عنده، وهذا بدوره يدفعه نحو التفاني في خدمته والعمل على راحته، ومن أمثلة ذلك: عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ». قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، ثُمَّ قَالَ «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ»، قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، ثُمَّ قَالَ «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ»، قَالُوا لاَ، قَالَ «لَكِنِّى أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ». فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَتَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ». قَالَ فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ سَاعِدَا النَّبِي (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلاً»، صحيح مسلم، حديث رقم (6512). وهذه مهارة يجب أن ينميها كل قائد أو رئيس لمجموعة من العُمّال اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكسبا لقلوبهم، وتخفيفا عليهم من عبء ما يقع عليهم من أعمال شاقة، وتعويضا لهم عن ألم الغربة عن الأهل والولد والوطن.
مشاركة :