تناولت الكثير من الدراسات السابقة البحث في تأثير النشاط المنتظم وممارسة التمارين الرياضية على خصوبة الرجل. وأفضت النتائج وقتها إلى أن الرياضة تحمل طرفي النقيض، فهي قادرة على تحسين جودة الحيوانات المنوية وحركتها ويمكنها أيضا أن تكون سببا في العقم. فمتى يمكننا الحديث عن الآثار الإيجابية للرياضة؟ تشير دراسة أجريت على أشخاص متبرعين بالحيوانات المنوية إلى أن السائل المنوي المستخرج من الشباب الأصحاء الذين يمارسون الرياضة بانتظام يعدّ أفضل من أقرانهم. على الرغم من معرفة الأطباء والمختصين في المجال الصحي بارتباط زيادة الوزن والخمول بانخفاض الرغبة الجنسية وزيادة خطر الإصابة بالعقم، إلا أن البحوث لم تحدد كيفية تأثير النشاط البدني على جودة السائل المنوي لدى الرجال الذين لا يعانون من مشكلات في الخصوبة، وهذا ما ذكّر به الفريق المشرف على الدراسة في تقريره عن النتائج. لصياغة هذا التحليل، عمل الباحثون على تحليل الآلاف من العينات من الحيوانات المنوية المجموعة من الرجال الذين كانوا مؤهلين للتبرع على أساس سجلهم الصحي ونوعية السائل المنوي الذي ينتجونه. احتاج المانحون إلى تحقيق مستويات محددة من ثلاثة عوامل لجعل الحمل نتيجة أكثر احتمالا: تركيز الحيوانات المنوية، وكميتها، ومورفولوجيتها: يجب ألا تحمل الحيوانات المنوية تشوهات وأن تكون ذات حجم مثالي يعزز قدرتها على التحرك عبر جهاز الأنثى التناسلي للوصول إلى البويضة وتخصيبها ليبدأ الحمل المرجوّ. الدكتور جوان خو يقول إن على الأشخاص الذين يرغبون في الحمل أن يحاولوا إدخال النشاط البدني على روتينهم اليومي وجدت الدراسة أن حركة الحيوانات المنوية كانت أفضل لدى الرجال الذين شمل روتينهم عددا من التمارين الرياضية والتدريبات المكثفة مقارنة بالرجال الذين كان نشاطهم البدني أقل. وقال الدكتور يي شين وانغ، من كلية تونغجي الطبية بجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا في ووهان بالصين، الذي شارك في تأليف الدراسة، إن التمارين الرياضية المنتظمة تحسن من جودة السائل المنوي لدى الرجال غير المصابين بالعقم. وأضاف في تصريح قدمه عبر البريد الإلكتروني أن تحديد مقدار التمارين ونوعية التدريبات التي ينبغي على الرجال اتباعها من أجل الخصوبة المثلى يبقى صعبا. تطوّع جميع المشاركين في الدراسة البالغ عددهم 746 كمتبرعين محتملين للحيوانات المنوية في مقاطعة خوبى الصينية. كان متوسط عمرهم 28 عاما، وكان وزنهم صحيا، ولم يعانوا من أمراض منقولة جنسيا. سأل الباحثون المشاركين عن عدد المرات التي مارسوا فيها التمارين، ومدى كثافتها، واستفسروا عن الأنشطة الأخرى التي تشملها حياتهم الخاصة. بعد ذلك، سجل الفريق الذي ينظم الدراسة مستويات تمارين المشاركين الرياضية وشدتها بناء على مقياس يُعرف باسم “مكافآت التمثيل الغذائي” ويعكس كمية الأكسجين المستهلكة أثناء النشاط البدني. تسجّل الأنشطة الخفيفة مثل المشي أو الأعمال المنزلية نقاطا أقل في هذا المقياس مقارنة بالتدريبات المكثفة مثل الجري أو ركوب الدراجات. وفي حين ارتبطت المستويات الأعلى بزيادة حركية الحيوانات المنوية، لم يختلف تركيز الحيوانات المنوية لدى الرجال حسب مقدار التمارين الرياضية التي يعتمدونها. ولا يؤثر الوقت الذي يقضيه الرجال في التمارين الذهنية مثل العمل على جهاز كمبيوتر أو مشاهدة التلفزيون على معايير جودة السائل المنوي. تبقى الدراسة محدودة حيث تقتصر على الرجال الأصحاء الذين كانوا مؤهلين للتبرع بالحيوانات المنوية. ويقول الدكتور محمد عمران عمر الذي لم يشارك في الدراسة، وهو باحث في جامعة أبردين بالمملكة المتحدة، إن بعض الأبحاث السابقة تشير إلى أن الإفراط في التمارين يرتبط بالعقم. وتابع في تصريحه الذي أرسله عبر البريد الإلكتروني، “لذلك، يجب الإبقاء على كثافة التمارين الرياضية معتدلة”. وقال الدكتور جوان خو من مستشفى شانغي العام في سنغافورة، والذي لم يشارك في الدراسة، إن على الأشخاص الذين يرغبون في الحمل أن يحاولوا إدخال النشاط البدني على روتينهم اليومي. وذكّر في إضافة أرسلها عبر البريد الإلكتروني بسلبيات الخمول الذي يسبب مشكلات صحية وأمراضا مزمنة مثل تلك التي تصيب القلب أو السكّري. وتابع “إذا كانت وظيفتك تتطلب أن تجلس لفترة طويلة، فاستغل كل فرصة للخروج من الكرسي أو السيارة. حاول أن تمشي أو تصعد الدرج كلما استطعت. حاول إيقاف السيارة على مسافة أبعد من وجهتك وانزل في محطة تفرض عليك المشي لمسافة دون أن تجهدك. واحرص على ممارسة التمارين قدر الإمكان في أوقات فراغك”. كما استطاع الباحثون في جامعة هارفرد الأميركية أن يحدّدوا الطريقة التي تؤثر بها الرياضة إيجابيا على السائل المنوي. وتقول مؤلفة الدراسة أودري غاسكينس “عند ممارسة التمارين المنتظمة يتزايد إنتاج الجسم لأنزيمات مانعات التأكسد، الأمر الذي يساعد على الحماية من الأوكسجين التفاعلي الذي يسبّب تلف السائل المنوي”. ويقول مدربو اللياقة إنه حتّى في حال التدرب، مرّات قليلة خلال الأسبوع، فذلك سينعكس إيجابيا على المتدرب لأنّ مستويات التيستوستيرون ستزيد وكذلك حساسية الأنسولين ما يساعد على إنتاج الحيوانات المنوية. لكنّ الباحثين يوصون بضرورة الانتباه إلى نوع النشاط الرياضي الذي يمارس، وينصحون بالتمرن خارج البيت والأماكن المغلقة. ويدعون الرجال إلى رفع الأثقال لمدّة ساعتين وأكثر أسبوعيا وذلك لأنّ هذه الرياضة تساهم في زيادة هرمون التيستوستيرون. أمّا الرياضة التي يفضل الابتعاد عنها فهي ركوب الدرّاجة الهوائية لأنّ لها مفعولا عكسيا، وهي تخفّض خصوبة الرجل. فمن يركبون الدرّاجة لأكثر من ساعة ونصف الساعة أسبوعيا يكون لديهم عدد حيوانات منوية أقلّ من غيرهم. ويقترح بحث سابق بأن ركوب الدراجات الهوائية يمكن أن يقلل من خصوبة الذكور لأنه يسبب انخفاضا في مجرى الدم إلى الخصيتين، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج كمية أقل من الهورمون الذكري.
مشاركة :