الكتابة الإبداعية تجربة حياة. كما أنها أشبه بقصة حُبّ قابلة للنجاح ومهددة بالفشل. زهد كبار المفكرين والفلاسفة والشعراء في الكتابة خشية المصير الأسوأ للروح بحكم أن كل كتابة إماتة وإحياء في ذات الوقت.والشاعر الأنيق مسفر الدوسري أوقف مفرداته لتكون بلسماً لجراح المتعبين. كتب ما يعزز به اللحن الشجي في أسماع سُراة ليل ضلّوا السبيل فابتدع حيلة استدراجهم إلى أمل النجاة. وعلى طريقة الزهاد الذين يتفادون النعمة ويؤثرون خشونة العيش كون اللذائذ تميت الوجدان يتفادى المشاعر المفضية إلى انكسار نهار وموت شاعر.الدوسري المداوي متاعب مريديه، يسكنه هاجس القلق من سفح المشاعر وإن كانت من طبيعة البشر التوق لثمرة العشق شأن باحث عن عشبة الخلود «شنهو آخر هالمشاعر، فالنهاية كل واحد فينا بيروح بطريق ويبدأ ليل وما له آخر. ينكسر فيك النهار. وينذبح في قلبي شاعر».قلّ ما تمثل كاتب «النهايات» قبل أن يبدأ ذلك أن روح الشاعر مغامرة، تقتحم مجاهل التجربة تعيشها وتتحمل تبعاتها ثم تكتبها. بينما الدوسري يرمق عن بُعد ويستقرئ بنبوءة مبكرة حقيقة الشيء الساكنة في النقيض، فما يتوهمه البعض من تجارب العشق لا يتجاوز الاستعارات التي يورّط به هائم نفسه وغيره. بينما تظل حصانة الشاعر مسفر حاضرة. فكثرة التطعيمات اللغوية والقرائية تمكنه من استنطاق الجدوى العاطفية ليخرج بقناعة مسبقة «فـ النهايه.. بفتح عيوني في يوم. وما ألقى بعيوني عيونك. لا حنينك. لا دفا ايدينك. ولا وجهك، ولا حتى بيبقى فيني شي منّك. إلا ذكرى تشعل الثلج وتكابر».لا يؤمن الشاعر الدوسري بالوصل برهاناً على صحة وصدق المشاعر، فالمكتشف للجذور السلالية للغرام يذهب بنا بعيداً كون الشعائرية لا تعني صدق التعبد. ونهاية العشق الإيجابية لا تكون إلا في المسلسلات العاطفية «ما فيه شي بيبقى فينا من هوانا.. لا زعلنا. لا عتبنا. لا سهرنا. لا فرحنا. لا.. ولا ورد الجروح، كله يا عمري بيروح، كنه ما كان عمره حاضر، شنهو آخر هالمشاعر؟ شنهو آخر فرحتي.. شنهو آخر دمعتك.. شنهو آخر شوقي لك.. شنهو آخر لهفتك.. شنهو آخر هالقصيد.. اللي في صدر الدفاتر؟».وكما البحر المفتتن بوحدته برغم ما يحويه من لؤلؤ مكنون إلا أنه يؤثر وحشته على الافتتان بما ينسيك نفسك. يرنو إلى نهارات فاض بها الشجن. وليالٍ بلغ بها الحنين مداه ويستعيد المشهد من أول الحكاية «أنا أدري.. انك أجمل من فتنّي.. وانك أغلى حب.. يا حبي سكنّي، انتي خليتي غصوني الصفرا.. تشرب.. من حلى ماك.. وتغنّي.. وأنا أدري.. انك انتي.. شي مني.. شي يسوى الروح.. طااااهر.. بس قولي.. شنهو آخر هالمشاعر؟».وكمن يحاكم الحقب الزمنية أو يعاتبها برغم أن محاسبة الوقت لا تنسجم إلا مع منطق الأبدية «لا أمل عايش معانا.. لا رجاوي.. لا صبر.. والياس صابر.. أنا وانتي نجمتين، مهما تجمعنا سما.. وليل ساهر، لكن الصبح بيجي.. وبيفرقنا أكيد، ويمحي اللي كان ظاهر».وبحس صوفي يستدعي الريح لتمكنه من تجاوز اللجة يغني ويتمايل وجداً وهو يشرح الفكرة التي آمن بها عاشق ولم يسلّم بها معشوق «أنا وانتي وردتين.. لو تسامينا.. عطر.. لكن المجد للخناجر.. أنا وانتي موجتين.. ضد تيار القبيلة.. ضد دمعة فـ المحاجر.. أنا وانتي شراع سفينة.. والرياح.. تنهى وتامر».< Previous PageNext Page >
مشاركة :