تفتخر شركة سميث فيلد بأنها أقدم وأكبر سوق للحوم في بريطانيا. حتى في العصور الوسطى، كانت تستخدم كسوق للماشية. المؤسسة التي تبلغ من العمر 800 عام في مدينة لندن، وجدت نفسها أخيرا، على خط المواجهة حول مستقبل اللحوم بعد غزوها من قبل متظاهرين، علقوا لافتة عبر واجهة المبنى، وأعادوا تسميتها بـ"سوق سميث فيلد للفواكه والخضراوات". أعلن كريستيانو فيتيلي، وهو طاه يقدم المأكولات النباتية للمتظاهرين من حركة تمرد الانقراض، الطعام النباتي هو المستقبل. وتصبح الرسالة مألوفة، خاصة في الدول المتقدمة، حيث يظهر استهلاك اللحوم علامات على أنه بلغ ذروته، وسط المخاوف الصحية والمخاوف حول البيئة والاستدامة. كما أن استهلاك اللحوم له آثار هائلة على الكوكب، في ظل سوق عالمية للحوم الماشية تبلغ قيمتها 1.2 تريليون دولار. بعد أسابيع قليلة فقط من مظاهرة النشطاء، أصبحت شركة بي جي مارتينيللي في سوق سميث فيلد أول بائع في السوق يببع بديلا للحوم النباتية، ويقدم البرجر المصنوع من مكونات فول الصويا والبازلاء من شركة موفينج ماونتينز الناشئة في بريطانيا. يقول بول مارتينيلي، العضو المنتدب لشركة توريد اللحوم التي تعمل في سوق سميث فيلد منذ الثمانينيات "أرى أنه تطور طبيعي في صناعة الأغذية. هناك كثير من الاهتمام بالمنتج ويسألنا عملاؤنا عنه. قد يختارون القيام بذلك في الربع الأول من العام، أكثر من الفترة التي تسبق عيد الميلاد، لكننا نجري مناقشات". لا تزال مبيعات بدائل اللحوم ذات الأصل النباتي ضئيلة مقارنة باللحوم الحقيقية. في الولايات المتحدة، في عام 2018-19، بلغت المبيعات 800 مليون دولار ما يتضاءل مقارنة بسوق اللحوم بقيمة 74 مليار دولار، إلا أن الأولى تنمو بسرعة وباستمرار، طبقا لمعهد جود فود وهو مجموعة استشارية. يسلط هذا الاتجاه الضوء على التحدي الذي يواجه صناعة اللحوم: في الولايات المتحدة وأوروبا قد لا يتحول المستهلكون جميعا إلى نباتيين، لكن كثيرا منهم يتناولون كميات أقل من اللحوم، ويعززون ثروات الشركات المزودة للبروتين. توقف استهلاك لحم البقر عن النمو في الولايات المتحدة وأوروبا، في حين إن الأطعمة النباتية والخالية من المنتجات الحيوانية تسيطر على أقسام أكبر من أرفف المتاجر الكبرى. أظهرت الأبحاث التي أجرتها شركة هول فودز في بريطانيا، أن نحو 15 في المائة من وجبات عشاء عيد الميلاد التي تم تقديمها في البلاد هذا الأسبوع، كانت خالية من اللحوم. تستجيب شركات الأغذية والمطاعم بإطلاق أنواع جديدة من الأطعمة الخالية من اللحوم، في حين إن شركات معالجة اللحوم، والشركات متعددة الجنسيات مثل نستله ويونيليفر قدمت بروتينات بديلة. يقدم مطعم برجر كنج إلى الزبائن سندويتشات «هوبرز» وهي ذات أصل نباتي، بينما يجرب "ماكدونالدز" خيارات برجر نباتي. حيث إنه يُنظر بشكل متزايد إلى استهلاك اللحوم -خاصة لحوم الأبقار– على أنه عامل مساهم في انبعاثات الكربون وإزالة الغابات وارتفاع استخدام المياه، فإن السؤال الرئيس بين خبراء الأغذية وخبراء البيئة والاقتصاديين الزراعيين هو: متى سيتم الوصول إلى "ذروة اللحوم"؟ أي وصول الاستهلاك إلى الحد الأقصى. يقول جوزيف شميدهوبر، نائب مدير قسم التجارة والأسواق في منظمة الأغذية والزراعة الأممية "النمو يتباطأ بدرجة كبيرة في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد". نحن نقترب من ذروة اللحوم في بعض تلك الدول. في الهند وأمريكا اللاتينية، لا تتوقع نموا سريعا أيضا. كذلك في إفريقيا لم يكن نمو الاستهلاك بالسرعة التي توقعناها. حتى بالنسبة إلى استهلاك الدواجن، فإن النمو المستقبلي سيكون أقل من المعدلات السابقة، وفي بعض الأجزاء سيكون ذلك على نحو لا يستهان به". من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة -التي لا تزال أكبر مستهلك للحوم بالنسبة إلى الفرد- إلى أعلى مستوى لها في عام 2020 بمعدل يزيد قليلا على مائة كيلو جرام سنويا، وفقا لبيانات لـ"أوسيد". ومن المتوقع بعد ذلك أن يتراجع هذه الرقم على مدى العقد المقبل. وتشير التقديرات إلى أن هذا الاتجاه مشابه للاتحاد الأوروبي، حيث تناول المستهلكون 71 كيلو جراما من اللحوم للشخص الواحد في العام الماضي. وأُلقي اللوم في الانخفاض إلى حد كبير على الدراسات التي تربط بين تناول كثير من اللحوم، وكل شيء من السرطان إلى الجلطات وأمراض القلب. في الآونة الأخيرة، أصبح التأثير المناخي لزراعة الماشية، جزئيا من خلال زيادة انبعاثات الميثان، تحت دائرة الضوء. وفقا لآخر تقرير صادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تمثل الثروة الحيوانية، بما في ذلك استخدام الأراضي والطاقة وكذلك النقل نحو 10 في المائة من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية. قدمت لجنة إيت لانسيت EAT-Lancet أهدافا علمية في كانون الثاني (يناير) الماضي، للحصول على نظام غذائي صحي من شأنه أن يكون مفيدا لكل من الفرد والكوكب. دعا تقريرها، بتكليف من مجلة لانسيت الطبية ومنظمة إيت فوروم غير الحكومية، إلى خفض أكثر من 50 في المائة من تناول أطعمة تشمل اللحوم الحمراء والسكر مع زيادة تناول المكسرات والفواكه والخضراوات والبقوليات. يقول مايكل كلارك، الباحث في برنامج مارتن في جامعة أكسفورد عن مستقبل الغذاء ومؤلف مشارك في تقرير "إيت لانسي" فيما يتعلق بالآثار البيئية والصحية "إن اللحوم الحمراء المعالجة سيئة لجميع الأطراف، في حين إن الخضراوات مفيدة للجميع". في دراسة حديثة، رسم مع زملائه روابط بين مختلف الأطعمة والأمراض والوفيات، إضافة إلى الانبعاثات واستخدام المياه، التي دلت على أن اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة الحمراء تشكل أكثر الأضرار. يقول كلارك "النية ليست هي الترهيب من اللحوم الحمراء بل تشجيع المستهلكين على تعديل وجباتهم ونمط طعامهم". تبرز هذه المخاوف أيضا بين المستثمرين، حيث تبحث صناديق التقاعد والمؤسسات الأخرى عن كثب في المخاطر التي تتعرض لها شركات المواد الغذائية. يقول بيتر فان دير فيرف، اختصاصي الانخراط لدى شركة روبيكو الهولندية لإدارة الأصول، التي تتولى إدارة نحو 200 مليار يورو من الأصول "الزراعة الحيوانية جزء كبير من بصمة الكربون العالمية. نصل الآن إلى نقطة تحول حيث تفهم الشركات والمستثمرون أهمية انبعاثات الكربون. لن أذهب إلى حد القول إن اللحم مشابه للفحم، لكنك ترى أوجه التوازي من حيث إنهما يشتركان في بصمة كربونية عالية، أصبحت ضمن التبعات في نماذج أعمالها". على الرغم من الوعي المتزايد حول تأثير اللحوم بين المستهلكين في الغرب، إلا أن هذا الاتجاه سيكون له تأثير أبطأ في الأسواق الناشئة. باري بوبكين، أستاذ التغذية في جامعة نورث كارولينا، وهو خبير في كيفية تحول عادات الأكل مع التغيرات الاقتصادية والمجتمعية، يشك في أن اللحوم ستفقد مكانتها كرمز للثروة والرخاء في الدول النامية في أي وقت قريب. يقول البروفيسور بوبكين، مستشار عدد من الحكومات بما فيها الصين والهند والمكسيك "لا أسمع الناس يتحدثون عن المناخ والغذاء على الإطلاق في آسيا وإفريقيا. هناك طريق طويل قبل أن يصل الحديث إلى عدد كاف من الناس في جميع أنحاء العالم، ليكون له تأثير". الصين إحدى الدول التي ستحدث فرقا كبيرا في الاستهلاك العالمي للحوم، فبصفتها أكبر دول العالم من حيث عدد السكان فإنها تمثل نحو ثلث إجمالي استهلاك اللحوم، حتى لو كان نصيب الفرد من الاستهلاك أقل من نصف نصيب الفرد في الولايات المتحدة. يشير تقرير مشـــترك أصــدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية/منظمة الأغذية والزراعة عام 2018 إلى أن الطـــــلب علــى اللحوم في الصين سيستمر في النمو، لكن من المتوقع أن يتباطأ هذا النمو بشكل كبير بسبب المخاوف الصحية المتزايدة، بما في ذلك مستويات السمنة العالية وذروة السكان في البلاد قبل عام 2030. أوصت جمعية التغذية الوطنية المدعومة من الدولة في الصين في عام 2016، بحد أقصى من اللحوم يبلغ 27.3 كيلو جرام سنويا، أي نحو نصف متوسط المستويات الحالية. وعلى الرغم من أن الاهتمامات البيئية قد لا تكون في مقدمة اهتمامات النخبة الحضرية في الصين، إلا أن الوعي بالعلاقة بين النظام الغذائي والصحة يتزايد. حمى الخنازير الإفريقية - وهي فيروس قاتل يقضي على أعداد الخنازير في الصين وجنوب شرقي آسيا - تجعل لحم الخنزير نادرا بالنسبة إلى المستهلكين الصينيين. حتى قبل اندلاع الوباء، أصبح الاستهلاك ثابتا. شهدت البلاد "ذروة لحم الخنزير" في عام 2014، بنحو 40 كيلو جراما للفرد، حيث بدأ المستهلكون في تنويع مأكلهم من البروتين إلى اللحوم الأخرى والأسماك. بحسب التقارير، فقد لحم الخنزير جاذبيته لكثير من العائلات الصينية إذ أصبح متاحا بسهولة أكبر، فانتقلوا من القدرة على تحمل سعره مرة كل يومين أو ثلاثة أيام إلى مرة كل يوم. ومع ذلك، قد لا يكون الطلب هو الذي يحدد في نهاية المطاف متى يبلغ استهلاك اللحوم ذروته، كما يقول المحللون. يقول بهيج الريس، الشريك في شركة أيه تي كيرني للاستشارات، "بسبب محدودية استخدام الأرض والمياه وتغير المناخ، لا يمكن أن يستمر إنتاج اللحوم من الحيوانات، وكذلك المحاصيل التي تغذي الماشية إلى أجل غير مسمى، من المتوقع أن يصل إنتاج اللحوم من الحيوانات المذبوحة إلى الذروة"، مضيفا "الطريقة الوحيدة لتلبية الطلب هي الإمدادات البديلة من البروتين". كثير من المختصين في المواد الغذائية والزراعية يشاركونه رأيه في أن البدائل المصنوعة من مصادر بديلة، بما في ذلك البروتينات النباتية، واللحوم القائمة على الخلايا التي تزرع في الحيوانات والحشرات والميكروبات، من المتوقع أن تلبي الطلب المتزايد. ديفيد يونج، المؤسس المشارك لشركة جرين كومون للتجزئة، التي تختص بالأغذية النباتية في هونج كونج، هو أحد أولئك الذين يحاولون استغلال هذا التحول. ويقول «مجموعة واسعة من المطاعم الرائدة في هونج كونج وسنغافورة وتايوان، ومجموعات خدمات الغذاء في جميع أنحاء آسيا تستخدم الآن أومنيبورك»، وهو بديل نباتي يتم إنتاجه بواسطة شركته, وتم إطلاقه في الصين القارية الشهر الماضي. يقول ليونج "ارتفعت تكاليف مجموعات الغذاء الصينية بشكل فلكي. لا يمكن تحميل هذه التكلفة على العملاء. ولا يمكنك مضاعفة سعر الطبق. لذلك ليس لديهم خيار سوى النظر في البروتينات البديلة". على المدى الطويل، يمكن لتفشي حمى الخنازير أن يشوه المواقف الصينية تجاه الإنتاج الحيواني على نطاق صناعي، بما في ذلك الإفراط في استخدام المضادات الحيوية والهرمونات على نطاق واسع، حسبما يقول المسؤولون التنفيذيون في مجال الأغذية. يقول داريان ماكبين، رئيس قسم الاستدامة في شركة تاي يونيو، إحدى أكبر شركات المأكولات البحرية في العالم "في الوقت الذي يصبح فيه الناس أكثر قلقا بشأن مقاومة المضادات الحيوية، سينتقلون إلى حيث لا يوجد خطر. يمكن أن تكون حمى الخنازير الإفريقية حافزا لما يحدث في الصين". هذا الأمر لا يزال في أيامه الأولى. قد يستغرق اللحم المستند إلى الخلايا خمسة أعوام أخرى قبل أن يتاح للمتسوقين العاديين، ولا تزال قابليته للاستمرار غير مختبرة. بعض المختصين في الأغذية وخبراء الصحة يشكون في الفوائد المعلنة للحوم النباتية المصنعة بدرجة كبيرة. البعض يتوقع أن سوق اللحوم ستبدو مختلفة تماما خلال جيل واحد. يقول الريس "لحم المواشي هو حاليا جزء من الوجبة العادية لكثير من الناس، إلا أنه سيصبح منتجا خاصا مع ندرة الموارد". وبدلا من ذلك، فإن اللحوم التقليدية التي يتم إنتاجها وفقا للمعايير العالية، ستصبح من الأطعمة الفاخرة". ويضيف "أكل اللحوم في عام 2040 سيكون ترفا، ستكون منتجا متميزا بسعر أعلى بكثير مما هي عليه الآن، بالنظر إلى شح المعروض منها إن لم تكن ندرتها".
مشاركة :