2019 .. عام أصبحت فيه الرأسمالية رحيمة وصديقة للبيئة

  • 1/6/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ميلتون فريدمان مر بعام صعب. أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو توفي في عام 2006، لكن إرثه عاش في مجالس إدارات الشركات. تغير هذا في عام 2019 مع اصطفاف الرؤساء التنفيذيين في أنحاء عالم الأعمال كافة في البلدان الأنجلو سكسونية للتخلي عن العقيدة التي عممها الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل في مقالة تاريخية في عام 1970 ذكر فيها أن المسؤولية الاجتماعية الوحيدة للشركة هي تحقيق الأرباح لمساهميها. تلك النظرة حلت محلها رؤية جديدة محببة للرأسمالية. الرؤساء التنفيذيون الودودون مع أصحاب المصالح وضعوا "هدفا" في قلب نماذج أعمالهم، اشتمل على تقديم دورات تدريب لموظفيهم، مع قهوة جيدة وبرامج لإعادة صقل المهارات، وإزالة المخالفات من سلاسل التوريد، ووقفوا في وجه الحكومات المترددة لتحسين مصير المهاجرين، والتصدي للعنف الذي تستخدم فيه الأسلحة، وإنقاذ الكوكب من مناخ يزداد دفئا. قال مارك بينيوف، رئيس شركة سيلزفورس في مؤتمر في تشرين الأول (أكتوبر): "الرأسمالية كما نعرفها ماتت". ذكر أن هناك أنموذجا جديدا من الأعمال أخذ يحل محلها، مدفوعا بالقيم والأخلاق ورعاية الموظفين - وليس "رأسمالية ميلتون فريدمان التي تدور حول كسب المال فقط". بعد عقد من الأزمة المالية التي حطمت الثقة في الشركات الكبيرة، يحرص الأشخاص الذين يديرونها على إعادة تصوير أنفسهم فاعلين اجتماعيين بنائين. طرقهم إلى ذلك كانت مختلفة: بعضهم غير ممارسات الأعمال الأساسية، مثل إقدام "رويال دتش شل" على استثمار مزيد في تكنولوجيا الطاقة منخفضة الكربون، أو استخدام "ليفي شتراوس" الليزر بدلا من المواد الكيماوية لتغيير لون سراويل الجينز. آخرون قدموا عروضا أقل تكلفة لفضائل الشركات، مثل توقيع "باسف" و"مورجان ستانلي" على "تعهد الطعام الرائع" لتقديم أطعمة "صديقة للمناخ" في مقاصفهما، أو دعم "سيسكو" و"دلتا إيرلاينز" للمهرجانات الموسيقية لترويج أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. كثير من إعادة التموضع جاء على شكل رسائل تم توقيعها من قبل مجموعة من الرؤساء التنفيذيين. في العام الماضي تحالف أمثال "وولت ديزني" و"جولدمان ساكس" مع قادة اتحاد النقابات الأمريكي AFL-CIO لحث إدارة ترمب على البقاء في اتفاقية باريس للمناخ. وحث 145 رئيسا من بينهم قادة "بابليسيس" و"أوبر"، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على الإصرار على أن تجري عمليات تحقق في خلفيات من يريدون شراء أسلحة. أبدت الشركات أيضا إشارات سخاء رائعة تجاه الموظفين، من "سيتي جروب" التي تضع دراجات بيلوتون الهوائية في صالة ألعاب رياضية في مقرها الرئيسي الجديد، إلى وعد دان شولمان، من "باي بال"، برفع الأجور بعد أن اكتشف أن 60 في المائة من موظفي الشركة كانوا يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم. أكبر مجموعات الأعمال عبر المحيط الأطلسي ضخمت حجم الرسالة. دعا "معهد المديرين" في المملكة المتحدة من أجل استكشاف أكثر طموحا "لطرق جديدة للجمع بين دافع الربح والمسؤولية الاجتماعية". وغرفة التجارة الأمريكية تخبر الأعضاء أن "التعاطف" يدفع الأسواق الحرة.الأهم من ذلك، المائدة المستديرة للأعمال في واشنطن تخلصت من ولائها طويل الأمد لسيادة المساهمين بحسب عقيدة فريدمان.قال كولين ماير، الأستاذ في كلية سعيد لإدارة الأعمال: "كانت تلك لحظة مهمة للغاية في النقاش"، مجادلا بأنها حدثت، جزئيا، لأن الرؤساء التنفيذيين يتطلعون إلى ردع التدخلات من قبل السياسيين اليساريين ـ من إليزابيث وارين عضوة مجلس الشيوخ، في الولايات المتحدة إلى جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال، في المملكة المتحدة. قال: "لا أعتقد أنه ينبغي لك التقليل من شأن مدى شعور مجتمع الشركات بالتهديد. هناك شعور حقيقي أنه ما لم يلتقطوا المبادرة فسيتم التقاطها من قبل شخص آخر يلحق ضررا أكبر بكثير". جون روجي، الأستاذ في جامعة هارفارد وخبير حقوق الإنسان، يوافق على أن "الدفاع عن دور الشركات في المجتمع الحديث" أسهم في إعادة التفكير. أشار مارتي ليبتون، المحامي المخضرم في وول ستريت، إلى سبب دفاعي آخر لتبني الشركات موقفا أكثر ودا تجاه أصحاب المصالح. حذر في أيلول (سبتمبر) قائلا: "عندما يتم حساب التكاليف الباهظة على المجتمع من تغير المناخ واستنزاف الموارد، كما هو متوقع، سيظهر أسطول من محامي الهيئات التنظيمية والمشتكين". لكن الشركات وجدت أيضا أسبابا أكثر إيجابية. أحدها هو الرغبة في جذب الموظفين الأصغر سنا. قال سكوت ستيفينسون، الرئيس التنفيذي لشركة تحليل البيانات "فريسك" Verisk: "هذا الجيل (لديه) رغبة في فهم أين تقف شركتهم. كان جيلي يعتقد فقط أن أفضل وظيفة هي ذات الأجر الأعلى". هناك حافز مالي أوضح جاء من الطفرة في الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. وفقا لحسابات التحالف العالمي للاستثمار المستدام، طبقت صناديق تدير 31 تريليون دولار – ربع الإجمالي العالمي – شكلا من أشكال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في استثماراتها. أشارت آن ريتشارد، الرئيسة التنفيذية لشركة فيديليتي العالمية، في خطاب حديث إلى أن هناك أدلة متزايدة على أن الشركات التي تحقق نتائج جيدة في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة تتفوق ماليا. في الوقت الذي يجذب فيه ذلك مزيدا من المستثمرين، تستعد الشركات للاستفادة. اكتشفت "فاكتست" Factset زيادة نسبتها 29 في المائة في عدد الشركات التي تشير إلى المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في مكالمات إعلان الأرباح بين الربع الثاني والربع الثالث من هذا العام. شركات مثل "شيفرون" و"فيرايزون" أضافت أهدافا مرتبطة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى برامج أجور التنفيذيين. لكن بيان المائدة المستديرة كشف أيضا عن انقسامات حول مقدار التغيير الحقيقي الناشئ عن إعادة التموضع الخطابي. الشركات لم تصبح فجأة متساهلة، كما ذكر توم كوادمان، من غرفة التجارة الأمريكية. قال: "لا أعتقد أن هناك أي تحول جوهري. كانت الشركات تفعل كثيرا من هذه الأشياء منذ فترة طويلة". مع ذلك، يبدو من غير المرجح أن الوضع الراهن سيرضي النقاد. قالت وارين إن بيان المائدة المستديرة سيكون "بلا معنى" إذا لم تتبعه تغييرات مثل تحويل ميزانيات إعادة شراء الأسهم لرفع أجور العاملين. ميرزا بيج، رئيس الحوكمة في "أفيفا إنفيسترز"، أشار إلى عدم وجود أي إعادة تحديد للأولويات المالية. قال: "هل نتوقع تخفيض عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيع أرباح الأسهم؟ بالتأكيد لا". الحماس لشكل ألطف من الرأسمالية ظهر أيضا في فترة من الأرباح المزدهرة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت ستنجو من انكماش أم لا. يتساءل بيج على نحو مقصود: "عندما يكون الوضع صعبا، هل يعني هذا عدم خفض عدد الموظفين لأن ذلك سيلحق الضرر بالمعنويات؟". بعد التعبير عن تغيير في التركيز، تواجه الشركات الآن دعوات لتوضيح معنى هذا من الناحية العملية. قال صقر نسيبة، الرئيس التنفيذي لشركة هيرمس لإدارة الاستثمار: "نحن بحاجة إلى إجراء حوار حول التفاصيل. الحديث عن الأمومة وكعكة التفاح لطيف، لكنه لا يجعلك تحقق الهدف".

مشاركة :