أشاع مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة أميركية نفذتها طائرة مسيرة داخل مطار بغداد، الرعب في صفوف زعماء الميليشيات العراقية. ووفقا لمعلومات تحصلت عليها “العرب” من مصادر مطلعة، فقد هرب بعضهم إلى إيران، وانتقل آخرون إلى الإقامة في مخابئ تحت الأرض. وكشفت مراسم تشييع المهندس وسليماني في كل من بغداد وكربلاء والنجف، حيث طاف جثماناهما المدن الثلاث، عن مستوى الخوف العميق الذي يسيطر على قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران إذ تجنب بعضهم الظهور العلني بينما اختفى آخرون بشكل كامل. وعلى سبيل المثال، انتظر زعيم منظمة بدر هادي العامري السبت حتى تتكون حشود كبيرة في بغداد حول جثماني المهندس وسليماني ليظهر في منطقة الجادرية مشاركا في التشييع، وسط المئات من حراسه الشخصيين. وقالت مصادر أمنية إن العامري أخلى مقر إقامته في المنطقة الخضراء، الذي لا يفصله عن مبنى السفارة الأميركية سوى مئات الأمتار، وانتقل إلى موقع خارج العاصمة العراقية، يعتقد أنه في منطقة المدائن جنوب شرق بغداد، مشيرة إلى أنّ زعيم بدر استبدل خط حرسه الأول، بعد الاشتباه في أن المعلومات التي تسببت في مقتل سليماني والمهندس تسربت من حراسهما. وازدادت القيمة الاعتبارية للعامري، بعد ترشيحه من قبل زعماء الميليشيات الموالية لإيران، ليخلف المهندس في منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وهو موقع يشرف على تنسيق تحركات المجموعات المسلحة وتوزيع المهام بينها. واعتبر مراقبون أن دفع العامري إلى هذا الموقع، يمثل تحديا مباشرا للولايات المتحدة، لأنه سيتولى من الآن فصاعدا تنسيق الاتصالات بين الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية، مثلما كان يفعل المهندس وعلى غرار أبومهدي المهندس يستند العامري إلى رصيد ثقة كبير لدى إيران التي كان قد قضى على أرضها سنوات طويلة، عندما فرّ إليها أواسط سبعينات القرن الماضي كمعارض لنظام حزب البعث الحاكم آنذاك في العراق حيث تلقىّ تكوينا سياسيا وإيديولوجيا أهّله ليكون من صقور الموالاة لثورة الخميني في إيران وللفكر الذي أنتجته بما في ذلك فكرة “تصدير الثورة” التي يتباناها العامري ويعتبر نفسه قيّما على تطبيقها في العراق. وقد انضمّ للقتال إلى جانب إيران ضدّ بلاده في حرب الثماني سنوات التي اندلعت أوائل عقد الثمانينات. وتقول مصادر عراقية إنّ صلاته قوية بالحرس الثوري الإيراني وإن كانت لا ترتقي إلى قيمة العلاقة الخاصّة التي كانت بين المهندس وسليماني. وبالنسبة لزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فقد انتظر خروج موكب التشييع من بغداد إلى كربلاء، ثم وصوله إلى النجف، كي يظهر بزي يرتديه المئات من حوله، في محاولة واضحة للتخفي. وكانت الولايات المتحدة وضعت الخزعلي وشقيقه ليث على لائحة المطلوبين، بعدما صنفت عصائب أهل الحق منظمة إرهابية، وذلك بعد يوم واحد من تنفيذ عملية اغتيال سليماني والمهندس. وتقول مصادر مطلعة إن الخزعلي هو أبرز المرشحين لخلافة المهندس في الميدان التنظيمي في ما يتعلق بتنسيق تحركات الميليشيات الموالية لإيران. أما زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي وزعيم حركة كتائب الإمام علي شبل الزيدي، فلم يظهرا مطلقا خلال مراسم التشييع التي بدأت في السابعة من صباح السبت، واستمرت حتى انتصاف الليل، قبل أن تتجه الجثامين إلى طهران. ولا يمكن تصور غياب هذه الشخصيات المقربة من سليماني والمهندس عن مراسم تشييعهما، لولا المحاذير الأمنية الشديدة، التي كشفت عنها عملية المطار. وتؤكد المصادر أن الكعبي ربما انتقل إلى مخبأ سري قرب محافظة ديالى، بينما غادر الزيدي إلى خارج البلاد، ربما نحو إيران أو لبنان. وتؤكد مصادر سياسية في بغداد أنّ التحوطات التي اتخذها قادة الميليشيات تشير إلى إمكانية تنفيذ هجمات جديدة ضد مصالح مرتبطة بالولايات المتحدة في العراق، لذلك قرر هؤلاء الأشخاص التواري عن الأنظار، خشية أعمال انتقامية. وفعليا، توفرت مؤشرات يوم السبت على إمكانية تنفيذ هذه الهجمات، إذ هوجمت المنطقة الخضراء ومنطقة الجادرية في بغداد بالصواريخ، فيما سقطت مقذوفات قرب معسكر في ناحية بلد التابعة لمحافظة صلاح الدين كان يستضيف قوات أميركية قبل أيام لكنها غادرته. وأطلقت كتائب حزب الله العراق تهديدا صريحا لقوات الأمن العراقية، مطالبة إياها بالابتعاد عن مواقع انتشار القوات الأميركية، وإلا أصبحت دروعا لـ”الصليبيين”. لكن هجمات السبت التي ارتبطت بهذا التهديد لم تكن بالدقة والخطورة اللتين تؤشران إلى وجود قدرات عسكرية مؤثرة، يمكن توظيفها في عملية مواجهة بالنيابة عن إيران ضد الولايات المتحدة، إذ كانت محدودة التأثير وبعيدة عن الأهداف القيّمة. وليس مؤكدا أن يستمر الوضع على ما هو عليه، في حال تدخلت إيران في إدارة هذه المواجهة مقابل الجدية الكبيرة التي يبديها الأميركيون هذه المرة في تعاطيهم مع التهديدات الإيرانية على غير العادة.
مشاركة :