لماذا أطفالي مختلفون.. سؤال يحير غالبية الأسر

  • 1/6/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يلاحظ الآباء والأمهات اختلافات في شخصية كل ابن بمجرد تقدم الأبناء في السن، وعلى الرغم من نشأتهم في نفس البيئة وتلقيهم نفس التنشئة (النصائح والأوامر والتعليمات والرعاية والاهتمام) إلا أن كل طفل له شخصية مختلفة عن شخصية الآخر. وأكدت الكثير من الدراسات في مجال الوراثة السلوكية أن الاختلافات في الجينات التي يرثها الإنسان والبيئة الأسرية تؤثران على العديد من المتغيرات النفسية، بما في ذلك الشخصية. وتوصل روبيرت بلومين، أستاذ علم الجينات السلوكي بمركز الطب النفسي الاجتماعي والجيني والتنموي بمجلس الأبحاث الطبية في جامعة كينغز كوليدج لندن بالمملكة المتحدة، إلى أنه عندما يتعلق الأمر بسمات الشخصية يتشابه الأشقاء بنسبة 20 بالمئة فقط، مبينا أن سمات مثل الانفتاح الاجتماعي أو القدرة على تحمل المسؤولية مختلفة تماما بين الأشقاء، ولكن بما أنهم يتقاسمون نفس الجينات ونفس البيئة العائلية ونفس الأبوين، يبدو ذلك مستغربا. وأشار بلومين، من خلال دراسة شملت مجموعة من الأشقاء، إلى أن الأشقاء يختلفون إلى حد ما، ولكنهم يتشابهون في شكلهم الخارجي وفي قدراتهم العقلية، أكثر بكثير من مجموعة مختلفة من الأطفال لا صلة قرابة بينهم. وحاول بلومين والكثير من الباحثين تحديد دور الجينات والبيئة الأسرية في اختلاف سمات الشخصية وتوقعوا أن يؤثر النمو في نفس البيئة الأسرية على طباع الأشقاء ويجعلها متشابهة، إلى أن النتائج التي توصلوا إليها أثبتت عكس ذلك. وعلق بلومين قائلا “إن البيئة الأسرية تعمل بشكل غريب، حيث أنها تجعل الأطفال مختلفين غير متشابهين”، وتساءل المختصون لماذا تؤدي التنشئة في نفس البيئة العائلية إلى اختلاف سمات الأشقاء الشخصية؟ وفي غياب جواب محدد لهذا الإشكال بلور الباحثون ثلاث نظريات، تتمثل النظرية الأولى في ظاهرة التشعب، حيث أوضح الباحث فرانك سلوي أن التنافس هو المحرك وراء التطور الاجتماعي تماماً مثلما هو في الطبيعة، ويشمل ذلك تنافس الأشقاء ضمن الأسرة الواحدة على محبة آبائهم وأمهاتهم ووقتهم وانتباههم وأضاف موضحا “يتمثل دور التشعب في التقليل من المنافسة حتى لا تكون مباشرة. وهذا يؤدي إلى التخصص في مجالات مختلفة، ولذلك إذا كان هناك طفل في العائلة متفوقا في الأمور الأكاديمية، يعمد الطفل الآخر، لكي يتجنب التنافس المباشر، عن قصد أو عن غير قصد، إلى التخصص في مجال مختلف. وهذه الظاهرة يسمّيها علماء النفس بإعادة تغيير الهوية”. ومن جهة أخرى تقول نظرية البيئة غير المشتركة إن الأشقاء في الظاهر يتشاركون في البيئة نفسها، ولكن الأمر ليس كذلك إذ لا يختبر الأشقاء الأمور نفسها. وبينت الباحثة في جامعة بنسلفانيا سوزان ماكهيل أن الأطفال يترعرعون في أجواء أسرية مختلفة، لأن معظمهم يختلفون في العمر باستثناء التوائم، لذلك فإن التوقيت الذي يكبرون فيه ضمن العائلة هو توقيت مختلف. وأشارت إلى أنه مع الوقت قد يحدث أن يخسر أحد الآباء وظيفته أو قد يحدث طلاق بين الأبوين أو قد يصاب أحد الأبوين بمرض ما أو قد يحدث طارئ آخر في العائلة مما يؤثر على طرق التنشئة وأساليب تعامل الأب والأم مع الأبناء، منبهة إلى أن خبرة طفل في الخامسة من عمره عندما يتعرض لأي من تلك الأمور تختلف كثيراً عن خبرة طفل في التاسعة أو العاشرة من عمره. وأضافت ماكهيل موضحة سبب الاختلاف بين شخصية التوائم أن “من النادر أن يعامل الأهل أطفالهم بنفس الطريقة، حتى لو أرادوا ذلك، لأن لكل طفل حاجات واهتمامات ومزايا شخصية مختلفة، تتطلب معاملة متفاوتة من الأهل؛ فالطفل العنيد، مثلاً، يتطلب معاملة مختلفة عن الطفل المطيع الذي يلتزم القوانين، والطفل الخجول يتطلب تشجيعا أكثر من الطفل المنطلق اجتماعياً. وكل هذه العوامل تدفع إلى تواجد بيئة عائلية مختلفة من العواطف والحب والحنان والمراعاة قد تفسر اختلاف طباع التوائم، بالرغم من ولادتهم ضمن نفس العائلة، وفي نفس التوقيت، وبالرغم من امتلاكهم نفس اللائحة الجينية الشخصية”. ومن جانبه قال الكاتب جيفري كلوغر في كتابه “أثر الأخوة: ما الذي تكشفه عنا العلاقات بين الإخوة والأخوات”، إن الأهل لا يتعاملون بطريقة مختلفة مع أبنائهم فحسب، وإنما يتعاملون معهم بطريقة تفاضلية، فحوالي 70 بالمئة من الحالات يفضل الأهل فيها طفلاً معيناً على سواه من الإخوة سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا، ويترك هذا التفضيل آثاراً نفسية مختلفة على جميع الأشقاء، منها ما هو سلبي ومنها ما هو إيجابي مما يعزِّز الفوارق في سماتهم الشخصية. وتشير نظرية المقارنة إلى أن العائلات هي مراكز للمقارنة حيث تتم المبالغة حتى في الفوارق البسيطة بين الأشقاء، وتقول ماكهيل موضحة “تخيل طفلين مولودين في نفس العائلة، حيث أن الأول منطلق إلى أبعد الحدود، بينما الثاني مجرد طفل اجتماعي. وقد يعد الطفل الثاني، في أية عائلة أخرى، منطلقا كثيرا ولكن في تلك العائلة بالتحديد يكون طفلا منغلقا بالمقارنة مع أخيه. وبمجرد إلصاق صفة منغلق على الطفل، حتى لو كانت خاطئة تماماً، تؤثر على الخيارات التي يتخذها لاحقاً. ويظهر ذلك في إنجازات الطفل المدرسية عندما تتم مقارنته مع أخته أو أخيه الذي يتفوق عليه في الدراسة، مما يعطيه شعورا بالفشل والإحباط وهو ما سيؤثر على سلوكه في المستقبل”. كما أفادت بأنه لتجنب المقارنة يختار الأشقاء مجموعات مختلفة من الأصدقاء، ويمضون أوقاتهم بطريقة مختلفة مما يسهم في بروز الفوارق في شخصياتهم، وكلما مضى الوقت اتسعت الاختلافات بين الأشقاء. سمات مثل الانفتاح الاجتماعي أو القدرة على تحمل المسؤولية متفاوتة تماما بين الأشقاء ويرى خبراء علم النفس أن معظم الخصائص النفسية المشتركة بين الأشقاء تتراوح بين 0 و2 بالمئة فقط، ونبهوا إلى أن معاملة الوالدين هي التي ترسم الشخصية، ومن ثمة تختلف من طفل إلى آخر حسب ترتيبه في العائلة. وأوضح المختصون أن الطفل الأول هو التجربة الأولي للوالدين، لذا تكون شخصيته متأثرة بتجاربهما في تربيته، ورغبتهما في مثاليتها، وتنشئته كمسؤول. وتكون النتيجة ميل شخصية الابن الأكبر في معظم الأسر إلى الكمال، والتميز لإرضاء الوالدين، كما أنه يكون منظما ومؤدبا، وفخورا بذاته ويميل إلى التحكم والسيطرة والقيام بدور الموجه لأشقائه. أما الطفل الثاني فإنه يتمتع بسمات مختلفة، فقد يتعرض لرعاية أقل حدة، لتجربة سابقة، ولزيادة أعباء على الوالدين، لذلك غالبا لا يسعى الطفل الأوسط إلى الكمال والتميز ويشعر بقلة الاهتمام، مما يدفعه إلى الشعور بالحاجة إلى الانتماء ويجد ذلك في الأصدقاء، وهو بذلك يتميز بقدر من العناد يفوق شقيقه الأكبر. ويكون الطفل الأصغر في أغلب الأحيان مدللا من قبل الوالدين، وبالتالي تكون شخصيته أكثر انفتاحا، ويتمتع باستقلالية أكثر مقارنة بأشقائه، وربما الأنانية بسبب التدليل وسهولة الحصول على ما يريد خاصة إذا كان والداه كبيرين في السن، إذ غالبًا ما يشعران بالخوف عليه. وأكد بلومين أن “الأطفال ليسوا قطرات من الطين تشكل كيفما نريدها. يمكننا توجيه خبراتنا وتقديمها لهم، لكن ربما لا يمكننا تغيير سماتهم الشخصية الأساسية”، مبينا أنه من ناحية، يصعب قبول هذا كآباء وأمهات، خاصة إذا كان الطفل مختلفًا تمامًا عن أفراد الأسرة الآخرين، على سبيل المثال يكون انطوائيا في عائلة منفتحة، أو العكس. ومع ذلك على الآباء والأمهات أن يجلسوا مع أطفالهم ويسمحوا لهم بأن يكونوا مختلفين، مع بعض النصائح، ويحبوهم على ما هم عليه.

مشاركة :