من شرفة بيتهوفن” للقاص والروائي هاني عبدالمريد “قصص الأحلام واللعب مع الخيال والفنتازيا والتفاصيل الصغيرة” هكذا يمكننا أن نصف هذه القصص الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، كما يمكننا أن نصفها بأنها قصص التفاصيل الغائبة عن وعينا في أيامنا المنقضية. يكتب القاص بقلم شديد الثقة مما يلحظه ويفوت على الآخرين ببساطة مسجّلا تفاصيل مهمّشة مُلقاة على الأرض، أرض حياتنا اليومية، حيث يلتقطها عبدالمريد ويرصّعها، ليصنع منها لوحات قصصية شديدة الحساسية، لوحات عن الطموح الإنساني لبلوغ أقصى أهداف الحياة، ولوحات عن العجز والشيخوخة والفقد، وأخرى عن الموهبة واقتناص اللحظة المثالية للنجاح، وغيرها عن أبطال تخطّوا الكهولة ووقفوا على حافة الكبر، وهم يرون أحلامهم وأفكارهم ومشاعرهم تمضي أمام أعينهم. هكذا هي شخصيات وعوالم قصص المجموعة في تشكّلها محاولة استحضار أمثلة إنسانية متنوعة بشكل كاشف. قصص "من شرفة بتهوفن" لهاني عبدالمريد تمرح مع الخيال والفنتازيا وتلعب مع التفاصيل الصغيرة نرى مثلا في القصة الأولى، رجلا على عتبات الخمسين، بطل لقصة فيها شابة لا يلحظ منها سوى شامة في جانب عنقها الخلفي، تستدعي عنده أحلام وتخيّلاته عن نساء أحبهن، ومنهنّ كاميليا حبيبة الملك فاروق، الممثلة الشابة التي لقيت مصرعها غدرا في حادث طائرة. وفي قصة أخرى نجد أنفسنا بصدد بطل من الأحلام، لص يداهم شقة، فيكتشف خلوّها من أي مقتنيات ثمينة، لكنه يجد في إحدى حجراتها مكتبة، فيبدأ رحلته في صفحات كتبها المتراصة ككنز خفيّ لم يشهد مثله من قبل. وفي قصة مختلفة يسرد عبدالمريد حكاية بطل رياضي، الذي كان كأرنب برّي، يحلم دائما بتحقيق المستحيل، حتى أنه يجتاز كل الخطوط، ويدهس في طريقه لتحقيق أحلامه كل عابر أمامه من الأشياء والبشر وغيره، لكن المجاز هنا هو الغالب على هذه القصة، إذ أن خواء حياة هذا البطل هو ما يجعله يرغب دائما في الدخول لمغامرة جديدة حتى لو كانت دهس الآخرين. وفي قصة بعنوان “الرجل الموهوب” يحكي لنا عبدالمريد حكاية فنان مبدع يسائل موهبته، ويتذكر حادثا وقع له في طفولته، وتأثيره على أفكاره، وعبقريته، وهي قصة تتعامل مع التفاصيل الصغيرة، تفاصيل الطفولة بما تحتويه من حوادث ابتلعتها الذاكرة، وتدفعنا للتفكير والذهاب إلى رحلة عبر الأحلام نتذكر فيها مناطق زمنية وحكايات صارت هشة بفضل التراكمات الجديدة في الذاكرة وفي قصة “نظرة أخيرة على شارع هادئ” يلعب هاني عبدالمريد لعبة المراقب للحياة من شرفة، وكأنه يطلّ على الدنيا من العالم الآخر، إذ يقف بطله يراقب ارتكاب أحدهم لجريمة إنه البطل المرتفع عن الأرض، عن الحياة، وربما بطل لم يعُد ينتمي إلى هذا العالم، فيكتفي بالمشاهدة والمراقبة. وحين يرفع الشخص الآخر الذي يقع عليه فعل المراقبة نظره إلى البطل الرئيسي، فيراه بينما يصوّب له هاتفه ليصوّر جريمته، وإذا بالمُراقب يصوّب له مسدسه، وحينما يطلق رصاصته، تصيب البطل في فكرته أو تصيبه في حبّ قديم. هكذا تظهر الشرفة في قصة هاني عبدالمريد، التي تمنح المجموعة نصف عنوانها “شرفة”، يطل منها بطل القصة، وربما باقي أبطال القصص، على عالم آخر لم يعُد أغلبهم ينتمي إليه، عالم الشباب، وعالم المراهقة، وعالم الطفولة. وتبدو قصص المجموعة مرتبطة بخيط واهن، خيط رفيع يلفت انتباه القارئ رويدا رويدا كلما تقدّم في القراءة. ونذكر أن هاني عبدالمريد أصدر أولى مجموعاته القصصية عام 2003، وأصدر روايته الأحدث عن الدار المصرية اللبنانية العام 2018، وبين هذين العامين، تُوّج عبدالمريد بجائزة ساويرس الثقافية في الرواية العام 2009، وجائزة الدولة التشجيعية في الرواية العام 2017، والجائزة المركزية لوزارة الثقافة في القصة القصيرة العام 2002.
مشاركة :