ماذا بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني؟

  • 1/8/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قرار أمريكي عسكري نوعي فاجأ العالم، وترجمة القرار على أرض الواقع هو غارة جوية صاروخية استهدفت قياديا عسكريا في المؤسسة العسكرية الإيرانية وهو الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ذات الصيت الواسع، وقضت عليه وأنهت دوره القيادي في فيلق القدس وهو فصيل عسكري للعمليات الخارجية تابع للحرس الثوري. الرئيس الأمريكي ترامب هو الذي أصدر القرار، وأتبع القرار رسائل يغرد بها على حسابه الخاص على تويتر بعد تنفيذ القرار والتأكد من اكتمال المهمة بنجاح؛ طبيعي أن قرارا بهذا المعيار العسكري الثقيل لا يمكن أن يصدر من الرئيس الأمريكي لوحده، إنه قرار أفرزته رؤية مستجدة في كيفية التعامل مع القيادة العسكرية الإيرانية، بمعنى أن القيادة الأمريكية قد وصلت إلى مرحلة ما بعد الحصار الاقتصادي والضغط السياسي إلى مرحلة الاختبار العسكري بشكل شبه مباشر، رغم المناوشات العسكرية المتبادلة السابقة والمستمرة بينهما على الساحة السورية والعراقية، إلا أنها لم تتجاوز الحدود التكتيكية. مع استهداف رمز قيادي فنحن أمام نقلة نوعية، ورفع لدرجة الحرارة إلى غليان قريب من إعلان حرب، أي إيصال الأزمة والعداء إلى حافة الحرب، وحافة الحرب هي النقطة الحرجة بين الحرب واللاحرب مع احتمالية الانزلاق اللاإرادي إلى أتون الحرب غير المخطط لها وغير المرغوب فيها. ومع مرحلة الاختبار العسكري تكتمل أضلع مثلث الضغط على إيران إلى نقطة الخنق، هكذا يمكن قراءة وفهم القرار العسكري الأمريكي؛ إن قرار قتل الجنرال سليماني، وهو الرجل الثاني في إيران بعد المرشد الأعلى، ليس بالقرار التقليدي في ظروف العداء الذي يتراوح بين اللاحرب والحرب، مع الميل إلى اللاحرب؛ إنه قرار يستند إلى خطة عسكرية محبوكة تتضمن جميع الاحتمالات، مع خطط تنفيذية مكملة لمواجهة جميع ردود الأفعال الانتقامية المحتملة والتي هي في متناول يد القدرة العسكرية الإيرانية، وصولا إلى سيناريو الحرب المفتوحة دون حدود من كلا الطرفين، و هذا أمر مستبعد، إلا في حالتين، وهما خطأ في الحسابات التقديرية أو الانزلاق مع تراكم الفعل ورد الفعل، والطرفان ليسا في وارد خيار الحرب، لأنه ليس بإمكان معادلات الحرب أن تعطي نتائج قاطعة، سلبية أو إيجابية. الكل يعلم وخاصة الجانب الأضعف عسكريا أن الذي سيتمخض بعد الحرب ليس كالذي كان قبل الحرب، فالحرب بحد ذاتها حائط أحمر محاط بأسلاك شائكة. قرار من هذا المعيار الثقيل والذي تتخلله الكثير من المخاطر غير المحسوبة، ليس بالقرار الفردي، بل إنه يقتضي التشاور بين الرئاسة ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة مع احتمالية مشاركة وزارة الداخلية، لأن طبيعة القرار المراد اتخاذه في اللقاء التشاوري يتعدى حدود القرارات التكتيكية، و لو بدت كذلك، ولكن تداعيات التنفيذ قد تغير الوجه التكتيكي للقرار إلى الوجه الاستراتيجي، أي من اختبار عسكري إلى مواجهة عسكرية قابلة للانفجار واختلاط الأوراق وتناثرها. القرار شبيه بمناورات المقامرين على طاولة الروليت، ولكن الفارق كبير في حالة الخسارة، بين المال والسلطة. ومن الطبيعي أن هكذا قرار يبعث برسائل مقلقة للجهات الإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط واستمرار تدفقه الى الأسواق العالمية واستقرار الوضع الإقليمي والدولي؛ وقد عبرت بعض الدول الأوروبية والصين وروسيا محذرة بأن القرار الأمريكي بتصفية رمز قيادي في إيران قرار غير مسبوق ومحاط بالمخاطر؛ والقيادات الخليجية كذلك أشارت إلى تلك المخاطر من خلال توجيه رسالة إلى جميع الأطراف ذات العلاقة بضبط النفس، بمعنى عدم الاندفاع والتمادي في اتجاه الثأر والانتقام، وضرورة الركون إلى الحكمة بتخطي الأثر النفسي الأولي الصادم. صاحب القرار ذاته، ترامب، أرسل رسالة تهدئة مبطنة بتحذير وترغيب، فهو يحذر من الحرب وكيف أن إيران ستكون خاسرة في أية حرب، ويلوح بالترغيب في المفاوضات وكيف أن الجانب الإيراني بارع في المفاوضات ويمكنه تحقيق مكاسب متفق عليها وتخدم الجانبين؛ وهذه الرسالة التي جاءت في تغريدة لترامب على حسابه الخاص، هي نفس الرسالة التي أرسلتها الإدارة الأمريكية إلى القيادة الإيرانية عبر السفارة السويسرية التي ترعى مصالح البلدين. الجانب الإيراني، بطبيعة نهجه السياسي والايدولوجي، كان في حاجة إلى بعث رسالتين، رسالة إعلامية إلى العامة المؤيدة لها والمتعاطفة معها، وهي بطبيعتها رسالة استهلاكية يمكن تفهمها وتبرير محتواها، لأنها ليست بالرسالة التي تتضمن صفة قرار موجب وملزم؛ والرسالة الثانية هي سياسية رسمية تلتزم بالصياغة الدبلوماسية وتحمل رسالة تقليدية تفيد أن لإيران حق الرد المناسب في الوقت والمكان المناسب، وهذه الرسالة هي تهدئة للرسالة الإعلامية، وأن إيران تدرك حدود قدراتها أمام المخاطر المترتبة على أي قرار ستتخذه للرد، ويبدو من صيغة الرسالة الرسمية أن الرد سيلتزم بالطبيعة التكتيكية، والذي قد يتم بموجب تفاهمات عبر وسطاء إقليميين أو دوليين، والمرجح أن رسالة التفاهم سترسل عبر وسيط إقليمي. الكرة بيد إيران، ما هي طبيعتها؟ ومتى ستلقيها؟ وفي أي اتجاه؟ المعنيون بالأمر ينتظرون تلك اللحظة، و بعدها سنرى إن كان القرار تدحرجا يسبق الإرادة أو سيرا بحكم الإرادة.

مشاركة :