روان الضامن منتجة أفلامٍ تدير أكبر شبكة عربية للصحافة الاستقصائية

  • 1/9/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تروي المستشارة الإعلامية المتخصصة في صناعة المحتوى التلفزيوني والرقمي روان الضامن حكاية من التراث الشعبي، تعتبرها منهاجَ حياةٍ تسيرُ بهديِها. تقول الحكاية: إن حريقاً هائلاً شبَّ في غابة نائية، فهرب جميع السكان منها بما في ذلك الحيوانات التي اتَّخذت من الأجمات ملاذاً لسنوات طوال، وقف الجميع مُتفرِّجين على الانهيار، بينما كان الهدهدُ، وحيداً، يطير من غيمةٍ إلى أخرى حاملاً قطرة ماءٍ من هنا وقطرةً من هناك ليطفئ النار أو يخفِّف من جذوتها، صاح بعض الواقفين: أتظنُّ أيها الهدهد أنَّك بهذه الكمية القليلة ستنهي النار، ليردّ الهدهد وقد أخذ منه التعب جانباً: إني أفعل ما أستطيع كي لا يقول التاريخُ إني لم أفعل شيئاً. الضامن التي وُلدت في العاصمة الأردنية عمان لوالدين من أصل فلسطيني، عرفت مبكِّراً أن جميع طُرِقِها ستؤدي إلى فلسطين مهما كانت الوِجهة المرحلية. أنجزت مع شقيقتها عندما كانتا في المرحلة الإعدادية كتاباً عن الذاكرة الشفاهية التي تحفظ الرواية الفلسطينية تحت عنوان “أطفال فلسطين، أيام زمان”، ثم أتبعته بكتاب ثانٍ في التاريخ الشفوي الفلسطيني حملَ اسم “التهجير في ذاكرة الطفولة”، ولتنجز بعد ذلك كتاباً بحثياً وُسِم بـ”مدارسنا في قفص الاتهام”. أدركت في سنواتها الأولى أنَّه قريباً سيموت جميع الشهود الأحياء وستغدو الرواية الفلسطينية للنكبة وما حدث قبلها وبعدها مجرَّد حكايات متقطعة تقتصر على الإشارة إلى الأصول البعيدة فقط، هذا ما دفعها، رغم تفوقها في الثانوية العامة العلمية، لدراسة الإعلام وعلم الاجتماع في جامعة بير زيت، حيث كانت على قائمة الشرف طيلة فترة دراستها التي قادتها أكاديمياً بعد إنهاء البكالوريوس إلى جامعة ليدز في المملكة المتحدة لتنهي في عام 2003 درجة الماجستير بمرتبة الشرف في الإعلام بتخصص الأفلام الوثائقية. صناعة المحتوى درّست الضامن الإعلام في جامعات فلسطين والأردن، وعملت في مؤسسات محلية وعربية ودولية. عملٌ تلفزيوني مستمر في مدن مختلفة، من صحراء أتاكاما في التشيلي وصولاً إلى العاصمة النرويجية أوسلو مروراً بأغلب المدن العربية والأوروبية، أنتجَت خلال تلك السنوات أكثر من عشرين وثائقياً وتحقيقاً مسجَّلاً باسمها، كما أشرفت على إنتاج أكثر من 250 ساعة وثائقية أخرجها مخرجون عرب وأجانب. عمل الضامن التلفزيوني المستمر يقودها إلى أماكن عديدة في العالم، من صحراء أتاكاما في تشيلي وصولاً إلى العاصمة النرويجية أوسلو مروراً بأغلب المدن العربية والأوروبية، فأنتجَت وأشرفت على إنتاج أكثر من 250 ساعة وثائقية أخرجها مخرجون عرب وأجانب أبرز أعمالها سلسلة أفلام “النكبة” بأربعةِ أجزاء والتي قدّمت رواية النكبة الفلسطينية استناداً إلى الوثائق المحفوظة والأرشيف البريطاني بالإضافة إلى روايات الشهود، والتي عالجَت النكبة ليست بوصفها حدثاً جللاً وقَعَ في عام 1948، ولكن باعتبارها نتيجة حدث مستمر حتى اليوم، مقدماته بدأت بعيداً عام 1799. بالإضافة إلى سلسلة أفلام “أصحاب البلاد” في خمسة أجزاء والتي أعادت تقديم المجتمع العربي في فلسطين التاريخية، ليس بوصفه مجتمعاً ذا صبغة أقلية ثقافية يسعى إلى استقلالية بشكلٍ ما، بل بوصفهم أصحاباً للبلاد ومِن خلالهم تمت إعادة وضع عكا وحيفا ويافا والجليل بشكل أقرب في الذهنية العربية، تمثِّل هذه السلسلة أساساً لكل من يريد فهم واقع المجتمع العربي في فلسطين التاريخية. هاتان السلسلتان تمَّت ترجمتهما إلى لغات عدة، كما تم عرضهما في مهرجانات وثائقية دولية حيث حازتا جوائز مختلفة. الطريق إلى الشارقة لا يقتصر نشاط الضامن وجهدها على الإنتاج والإشراف الإعلامي والتدريب فقط، بل ساهمت أوائل عام 2013 بالتأسيس لجائزة الشارقة للاتصال الحكومي التي انطلقت في ديسمبر من نفس العام بإشراف المكتب الإعلامي لإمارة الشارقة الذي بدأ بفكرة طموحة انبثقت عن منتدى الشارقة للتواصل، حيث تسعى هذه الجائزة، المستمرة حتى اليوم، لضبط الجودة الإعلامية وتطوير أداء المؤسسات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة والخليج العربي. استقبلت جائزة الشارقة للاتصال الحكومي في دورتها الأولى أكثر من 400 مشاركة، وقد شغلت الضامن مقعداً في لجنة تحكيم الجائزة لأربع سنوات متتالية، تصف تلك الفترة اليوم بأنها تمتعت بالابتكار والاستقلالية التامة والشفافية الكاملة. وبناء على نجاح هذه التجربة عملت ضيفتنا من خلال عضويتها في الأمانة العامة لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال على إطلاق جائزة فلسطين للإبداع الإعلامي عام 2016، وهي جائزة في دورتها الثانية حالياً وتعقد مرةً كل عامين وتستهدف الأعمال المرئية والمسموعة والرقمية التي تقدم فلسطين بطريقة إبداعية مجدَّدة شكلاً وموضوعا. الضامن التي حازَت على جائزة الإبداع الإعلامي من مؤسسة الفكر العربي في بيروت عام 2015، أنجزت الوثائقي الاستقصائي “ثمن أوسلو” الذي يروي عبر جزأين القصة الكاملة التي لم يروِها أحد حول المفاوضات السرية بين منظمة التحرير وإسرائيل في العاصمة النرويجية أوسلو. مديرة شبكة أريج تقول لـ"العرب" إن الصحافة الاستقصائية أرضية خصبة للشفافية والمساءلة، على الرغم من كونها عملاً مكلفاً على المستوى المادي والسياسي كما ترأست لجنة تحكيم جوائز شبكة أريج “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” ثم انضمت إلى البرنامج التدريبي في ذات الشبكة لتقدِّم مساقاً تدريبياً لأول مرة، عبر الإنترنت، باللغة العربية حول السرد القصصي الرقمي، قبل أن تصبح مطلع عام 2019 عضوة في مجلس الإدارة، ويتم إعلان اختيارها خلفاً لرنا الصباغ كمديرة تنفيذية للشبكة مع انعقاد مؤتمر أريج الثاني عشر للصحافة الاستقصائية السنوي في العاصمة الأردنية عمان بمشاركة أكثر من 500 صحافي عربي وأوروبي نهاية نوفمبر الماضي. العرب التقت الضامن في أسبوع عملها الأول ليكون هذا الحوار هو اللقاء الأول عربياً مع المديرة التنفيذية لشبكة أريج حول واقع الصحافة الاستقصائية العربية. عن واقع الصحافة الاستقصائية العربية تقول الضامن إنَّ “الواقع الذي تعيش في ظله غالبية الدول العربية وطبيعة الأوضاع السائدة فيها على مستوى المجالات كافة، تفرض على الصحافة العربية الاستقصائية القيام بدورها ومسؤولياتها في الكشف عن مظاهر الفساد والتجاوز على المال العام والانحرافات بالسلطة وإساءة استعمالها؛ إنَّ هذه المظاهر التي تسود في العديد من البلدان العربية تجعل اتّباع المنهج الصحافي الاستقصائي اليوم ضرورة أساسية في العمل الإعلامي”. فالصحافي الاستقصائي العربي كما تراه الضامن لديه ميزات متنوعة اليوم خاصة مع وجود مساحة للولوج إلى قواعد البيانات وإمكانيات متقدمة، مقارنة بعشر سنوات مضت، لاستخدام التكنولوجيا والعالم الرقمي في إنجاز التحقيقات، وفي ذات الوقت أمام الصحافي الاستقصائي العربي تحديات ضخمة مختلفة، أبرزها يتعلق في كيفية العمل ضمن المؤسسات الإعلامية العربية التي لا تدعم عمل الصحافة الاستقصائية للعديد من الأسباب، خاصةً أن الصحافة الاستقصائية عمل مكلف على المستوى المادي وعلى المستوى السياسي حيث تخضع المؤسسات التي تُنتِج هذه التحقيقات لاعتبارات عديدة. كل هذه الصورة السابقة بما تحمله من إشكاليات تتضمن وجود إنتاجات يُطلَق عليها “تحقيقات استقصائية عربية” وما هي إلا حشو وبهار، حسب وصف الضامن، تدفع بميدان الصحافة الاستقصائية الحقيقية إلى الواجهة من جديد كونها أرضية خصبة للشفافية والمساءلة. الصحافة المُعمَّقة تتابع المديرة التنفيذية لشبكة أريج حديثها عن المقومات اللازمة للنهوض بالصحافة الاستقصائية العربية، وتؤكد أولاً على الحاجة لرفع المهارات الأساسية بالصحافة المُعمَّقة ما قبل الاستقصاء، سواء خلال مرحلة الدراسة الأكاديمية أو داخل ميدان العمل في المؤسسات الإعلامية. هذا التأسيس بالمهارات يشمل العالم الرقمي وعالم الرياضيات وقراءة البيانات وصولاً إلى إتقان اللغات المختلفة التي تمثِّل باباً حقيقياً وأساسياً للتشبيك مع مختلف الجهات العالمية، ومن جانب آخر فإنه على المؤسسات الإعلامية العربية أن تجد طريقاً إلى الدعم المالي من داخل المؤسسات نفسها لإنتاج العديد من القصص والمواد، لأن كثيرا من المؤسسات، والحديث لضيفتنا، تعتبر العمل الاستقصائي جاذباً لانتباه الجمهور بمختلف شرائحه العمرية والثقافية، وتحقيق هذا يتطلب بالدرجة الأولى رفد الصحافيين بالمهارات اللازمة لعملية الإنتاج بالإضافة إلى توفير الدعم القانوني والصحافي إلى جانب فتح آفاق التشبيك مع الصحافيين الدوليين، وهذا لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة الأميركية أو دول القارة الأوروبية بمختلف المؤسسات والمشاريع التي تتخذ من عواصمها مقراتٍ لها، بل يمتد هذا التشبيك إلى الهند وآسيا وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية التي نجحَ بعض صحافييها بوضع نظام مالي ذاتي لتمويل عملية إنتاج القصص الاستقصائية، ورفع مهارات الصحافيين بذات الوقت. الاستراتيجية في أريج “العرب” تسأل الضامن عن الاستراتيجية التي ستتبعها في الفترة المقبلة لإدارة شبكة أريج، فتقول إن الشبكة تقدِّم التدريب النوعي لدعم الصحافيين الاستقصائيين من خلال تنظيمها ورشات متخصصة بمختلف فنون العمل الصحافي الاستقصائي وما يتصل به، فالهدف الآن يقوم على الاستثمار بشكل أفقي وعمودي برأس المال الصحافي البشري حيث يتم العمل بشكل حثيث ومكثَّف على الربط مع المنظمات والمنصات الدولية، فمشروع شبكة أريج قد وُلِد عام 2004 في العاصمة الأردنية عمان بشراكة مع منظمة دعم الصحافة التي تتخذ من كوبنهاغن في الدنمارك مقراً لها، وتطوَّرت الشبكة منذ ذلك الحين بدعم المانحين المختلفين، ومنذ انطلاقتها حتى اليوم درّبت الشبكةُ أكثر من 2500 صحافي وصحافية من مختلف الدول العربية، كما أنتجت أكثر من 600 تحقيق صحافي استقصائي. وفي المرحلة الحالية فإنَّ الشبكة بصدد إعداد خطة استراتيجية لخمس سنوات قادمة تمتد حتى 2025، أبرز ملامح هذه الخطة كما تكشفها المديرة التنفيذية للشبكة تستهدف التركيز على زيادة التشبيك “العربي – العربي” بهدف إنتاج تحقيقات عابرة للحدود العربية سواء أكانت تحقيقات مقروءة أم مرئية أم مسموعة أم رقمية، إلى جانب هذا تتضمن الخطة الاستراتيجية فتح آفاق التشبيك مع المؤسسات الدولية بهدف رفد الصحافيين العرب بأحدث أساليب التدريب والتكنولوجيا الرقمية التي تشهد تطوراً يومياً متسارعاً في عالم الصحافة الدولية. نواجه المديرة التنفيذية لشبكة أريج بما يتردد بين أوساط الصحافيين العرب؛ عن أنَّ الشبكة تخضع لمزاجية خاصة جداً في اختيار وتنفيذ المشاريع المختلفة؟ فتجيب بالقول إن باب التقديم مفتوح للجميع ويشترط لإنتاج التحقيقات أن يكون الصحافي قد خضع لتدريب ضمن شبكة أريج، لكنَّ عملية اختيار المعالجات للأفكار لا تتصل بأيّ شكل من الأشكال بشخص المتقدِّم، لأنها تخضع لكثير من المعايير، منها ما هو داخلي وهذا يتعلق بالقدرة المالية للشبكة التي تفرض عدداً محدوداً من التحقيقات لا يتجاوز عددها الخمس قصص في الشهر، بمعنى أنَّ هناك حوالي خمسين قصة في العام الواحد، وكل تحقيق من هذه التحقيقات يتشارك فيه فريق عمل متكامل من الخبراء الصحافيين والقانونيين، ومنها ما هو لوجيستي يتعلق بالجانب الأمني وما يتصل بسلامة الصحافي الذي سيعمل على التحقيق، خاصة إذا كان ذلك الصحافي ضمن منطقة تشهد اضطرابات أو صراعات؛ أو يعمل على ملف يتعلق بكشف الفساد أو تعقُّب المال العام، وبالرغم من هذا الواقع تؤكد ضيفتنا أنَّ شبكة أريج مهتمة دائماً بالبحث عن صحافيين جدد وأفكار خلَّاقة تسعى لرفع سوية صحافة البيانات والسرد الرقمي واستخدام المزيد من الأدوات لتطوير عملية التقصي في المصادر المفتوحة والمغلقة. صانعة الأفلام التي يصفها كثيرون ممَّن عملوا معها بأنها المرأةُ التي تقوم بكل المهام معاً، والقادرةُ على ضبط ايقاع الفريق ضمن وصفةٍ من نقاطٍ عشر تنطلقُ في محتواها بحركة متعاكسة في ذات الوقت؛ من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام، كانت قد كشفت عنها خلال كلمتها في مؤتمر “تيد إكس” الذي أقامته جامعة بير زيت العام الماضي، تؤمن أنه على الصحافيين في كل العالم الاستعداد للعصر القادم الذي سيتخلى فيه الجمهور عن وسائل الإعلام التقليدية، وتدرك اليوم أنَّ المهمة الأساسية تبدأ بالتوازي على محورين اثنين، الأول تدريبي خالص يقوم على رفد الصحافيين العرب بأعلى مستويات التدريب، والثاني يتصل ببناء جسور التشبيك مع الجميع لخلق أرضية صلبة للصحافة الاستقصائية العابرة من وطننا العربي إلى كل العالم.

مشاركة :