شهدت مدينة القدس الشرقية المحتلة تدهورا أمنيا جديدا أمس، إثر قيام شاب فلسطيني بطعن مستوطنين يهوديين أمام باب العمود، من جهة، وقيام شرطة الاحتلال بإغلاق باحة المسجد الأقصى أمام عشرات المصلين المسلمين، من جهة أخرى، لكي تتيح للمستوطنين اليهود التجول الحر في الباحة. وقد اعتبرت أجهزة الأمن الإسرائيلية القدس «الجبهة الأكثر لهيبا والأشد خطورة من الناحية الأمنية» في هذه المرحلة. وأعربت عن خشيتها من أن تمتد ألسنة اللهب إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية. وكانت الشرطة قد فرضت طوقا أمنيا على البلدة القديمة من القدس، منذ ساعات الفجر الأولى، تمهيدا لإدخال المستوطنين اليهود المحتفلين بعيد «شفوعوت» (ذكرى نزول التوراة حسب الاعتقاد اليهودي). وكالمعتاد، فعلت ذلك على حساب المصلين المسلمين. ففرضت تشديدات وقيودا على المصلين الداخلين إلى مساجد الأقصى، وأغلقت مدخل سوق القطانين المؤدي لساحات الحرم، بينما حاصرت المسجد وسمحت للمستوطنين بالتجمهر وأداء الطقوس الدينية بالعيد. وإزاء هذه الإجراءات حاول المستوطنون اقتحام المسجد الأقصى من بابي الحديد والملك فيصل. ولما تصدى لهم حراس المسجد والمصلون المرابطون هناك، هاجمتهم قوات الشرطة واعتقلت الكثيرين منهم. وقد سادت طيلة النهار أجواء التوتر والاحتقان، وخصوصا أن شرطة الاحتلال تعاملت مع المصلين والمصليات بمنتهى الفظاظة وبعنف شديد. وكان بين المعتقلين امرأة من مواطني إسرائيل العرب (فلسطينيي 48)، اتهمت بإهانة رجال الشرطة. وادعت الشرطة أنها تصرفت بحزم حتى لا تتيح للفلسطينيين دفع الأوضاع إلى التدهور، في أعقاب طعن الشابين اليهوديين بالسكين. وقد اعتقلت الشرطة شابا فلسطينيا في التاسعة عشرة من عمره بعد ساعات من الحادث. ونشرت قوات كبيرة في المكان في عرض للعضلات ولمنع الفلسطينيين من الاحتجاج. وكانت أجهزة الأمن الإسرائيلية قد أجرت مداولات الأسبوع الماضي حول أوضاع القدس، تسربت منها أخيرا، معلومات تفيد بأنه «طالما تواصل الهدوء في الحدود الجنوبية مع قطاع غزة وفي الشمال مع حزب الله، تبقى القدس الشرقية هي الجبهة الأمنية الأكثر نشاطًا. وأحيانا تمتد أعمال العنف إلى الضفة الغربية». ونظرا لأن التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» (المخابرات العامة) وأجهزة السلطة الفلسطينية يتواصل، على الرغم من المواجهة السياسية، ينجح الطرفان، حتى الآن، في منع وقوع عمليات. لكن مصدرا أمنيا إسرائيليا رفيعا، يعتقد بأنه «يمكن لمزيج من الإحباط المتواصل نتيجة الحياة تحت الاحتلال وقبضته الأمنية الشديدة، والضائقات الشخصية للأفراد من الفلسطينيين، أن يؤدي إلى اتخاذ قرار خلال لحظات، بتنفيذ عملية. فالفلسطينيون الذين بقوا على قيد الحياة بعد قيامهم بتنفيذ عمليات الدهس، شهدوا أكثر من مرة خلال التحقيق معهم، بأنهم انحرفوا عن الشارع ودهسوا إسرائيليين في محطات الانتظار أو جنودا على الحاجز، حال رؤيتهم لهم، من دون أن يسبق قرارهم هذا عملية تحضير أو تطرف آيديولوجي. وقد تم تسجيل عمليات مشابهة، بوتيرة متغيرة، طوال السنة الأخيرة، خاصة منذ خطف وقتل الفتيان الإسرائيليين الثلاثة في غوش عصيون في الصيف الماضي، وقتل الفتى الفلسطيني في شعفاط، والحرب على غزة. وكانت ذروة هذه العمليات في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، من خلال سلسلة من أعمال الطعن والدهس في القدس، وآخرها قتل خمسة إسرائيليين في كنيس حي هار نوف. واعترف الناطق بأنه إلى جانب الغضب الفلسطيني على سقوط القتلى في حرب غزة، والصحوة الدينية المتطرفة التي جرها نجاح تنظيم داعش في العراق وسوريا، عصفت القدس في تلك الأشهر موجة تحريض بادر إليها أعضاء كنيست يهود من اليمين الإسرائيلي الحاكم، من خلال استعراض ظهورهم الممنهج في الحرم القدسي.
مشاركة :