هل تتحول الرواية التاريخية إلى علامة أدبية فارقة

  • 1/11/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كشفت القائمة الطويلة لمسابقة الرواية العربية المعروفة بـ”البوكر” لعام 2020 والتي أعلن عنها قبل أيام، عن تفاعل لجان المُحكمين من نقاد وأكاديميين مع ما اعتبره البعض صعودا للرواية التاريخية أو تلك التي تتناول جوانب من التاريخ، وأضحت بمثابة علامة فارقة أو “تريند” أدبي جديد على مستوى العالم العربي. ومن جهة أخرى لفت الانتباه لهذا الأمر الملف النقدي الواسع الذي نشرته مجلة “الجديد” اللندنية في عددها الصادر في يناير الجاري وخصصته لهذه الظاهرة الأدبية تحت عنوان “الرواية والتاريخ- استلهام التاريخ في الأدب” وشاركت فيه نخبة من النقاد والروائيين العرب. تداخل الماضي بالحاضر يؤكد رضا عوض، مدير دار رؤية للنشر بالقاهرة لـ“العرب”، أن جمهور القراء يركز اهتمامه بشكل عام ناحية الكُتب التاريخية والروايات، لذا فإن الرواية ذات البعد الماضوي تُمثل نموذجا لعرض الحُسنيين معا، ما يجعلها مفضلة لدى القارىء العربي. وإذا كانت القائمة الطويلة للبوكر ضمت 16 عملا روائيا لكتاب من الجزائر، سوريا، العراق، مصر، لبنان، السعودية، المغرب، ليبيا، تونس، فإن 12 عملا منها تتعرض أحداثها للماضي سواء القريب أو البعيد. ربما كانت رواية “فردقان” للأديب المصري يوسف زيدان، الأكثر إيغالا في الماضي إذ تقدم حكاية الطبيب والفيلسوف العربي الشهير ابن سينا (980 ـ1037م) لرسم تاريخ مشابه لحاضرنا بتعصبه وإنغلاقه وتحولاته السياسية. ويعود الروائي الجزائري عبدالوهاب عيساوي في روايته “الديوان الإسبارطي” إلى ماضٍ عمره نحو قرنين من الزمان، ليُقدم لنا أجواء المجتمع الجزائري على مشارف الاحتلال الفرنسي سنة 1830. أما الروائية المصرية رشا عدلي، فتعود في روايتها “آخر أيام الباشا” إلى السنوات الأخيرة من زمن محمد علي باشا والي مصر، لتقدم استعراضا للمجتمعين المصري والفرنسي من خلال قصة مبعوث يرسل به الباشا إلى باريس حاملا زرافة هدية للملك. كما يقدم الروائي السعودي مقبول العلوي في روايته “سفر بارلك” السنوات الأخيرة في عمر الدولة العثمانية، بينما يستعرض الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب في روايته “حمام الذهب” التاريخ القريب للأقلية اليهودية في تونس خلال الحرب العالمية الثانية. وبشكل مشابه يُقدم لنا الروائي السوري سليم بركات، جانبا من تاريخ الطائفة اليهودية عقب هزيمة يونيو 1967 في روايته “ماذا عن السيدة اليهودية راحيل”. هناك روايات في القائمة تقدم تاريخا قريبا مثل “حطب سراييفو” للجزائري سعيد خطيبي، و“الحي الروسي” للسوري خليل الرز. ويختلط التاريخ بالحاضر في أعمال أخرى من القائمة الطويلة مثل “حرب الغزالة” للروائية الليبية عائشة إبراهيم، و“رباط المتنبي” للمغربي حسن أوريد، و“لم يُصل عليهم أحد” للسوري خالد خليفة، و“ملك الهند” للبناني جبور الدويهي. يُفسر البعض من الروائيين غلبة الجانب التاريخي على الأعمال المرشحة للفوز في القائمة الطويلة للبوكر العربية، باهتمام لجان التحكيم بالجهد البحثي المبذول إلى جانب العمل الإبداعي. ويقول الروائي المصري أحمد عبدالمجيد، لـ“العرب”، إنه يتصور أن لجان تحكيم الجوائز الأدبية في العالم العربي تضم في الغالب أكاديميين، وهؤلاء يُقدرون الجهد البحثي ويعتبرونه إضافة إلى المبدع، ويرون أن ذلك الجهد يستحق التكريم. ويؤكد أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما من قبل لجان تحكيم الجوائز بروايات السير باعتبارها تحتوي على جهد بحثي من قبل المبدعين، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى الالتفات بشكل أكبر ناحية الروايات التاريخية. حقل للتجارب يشدد الروائي السوداني حامد الناظر، الذي سبق أن وصلت روايتاه “نبوءة السقا” و”الطاووس الأسود” إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية عامي 2016 و2018، على أنه لا غرابة في أن الكثير من الكتاب لجأوا إلى الرواية التاريخية أو ما بات يعرف بالتخيل التاريخي لمعالجة موضوعات متصلة بالحاضر مثل العنف والإرهاب والانتهازية والعنصرية والدين وغيرها. ويلفت إلى أن لهذا اللجوء مبرراته الفنية أكثر من أي شيء آخر، فالتاريخ حقل فسيح للتجريب والترميز وإطلاق الأخيلة، كما أن اللجوء إلى التاريخ يبعد الكاتب عن سهام المحاكمات الانطباعية التي تحيل الشخوص والأمكنة والأحداث إلى المطابقات العبثية مع الواقع، قائلا “التخيل حيلة جيدة للافلات من آلة القمع المعنوية التي تراقب الأفكار”. ويُفسر بعض النقاد وجود “تريند” في الرواية العربية الحديثة يستدعي التاريخ بأنه نتاج طبيعي لمرحلة انسداد الأفق ومرحلة البحث عن حلول قديمة لواقع من القمع الفكري. ويقول الناقد الأدبي الدكتور أيمن حماد، إن لجوء كثير من المبدعين العرب للرواية التاريخية يتسع بسبب ما يعتبر صعوبة التصريح والحكي عن الظلم والقهر المعاصر. وعرفت الرواية العربية في أزمنة عديدة ذلك التوجه، مثلما قدم الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني شخصية “الزيني بركات”، رجل الأمن العتيد في رواية حملت العنوان نفسه، ليُحاكم بها الدولة البوليسية القائمة في عهد جمال عبدالناصر. يرى آخرون أن اتساع مساحات الرواية التاريخية يُمثل ردة فعل طبيعية لمرحلة من مراحل الإبداع، حاولت استقراء المستقبل ورسم توقعات التطور التكنولوجي وآثاره على الحياة الإنسانية. وفي تصور هؤلاء، أن التطور له جانب سلبي يتمثل في ازدراء الماضي، ما يدفع البعض إلى الانغماس أكثر في الأحداث الماضوية كرد فعل مقاوم لذلك. ويوضح الكاتب والقاص علي حامد، أن البحث عن الزمن المنقضي سمة واضحة في عالم القراءة لدى أجيال ما بعد الألفية الثالثة. وتثير قضية تفاعل لجان تحكيم الروايات العربية مع الاتجاه الشائع للرواية التاريخية خلافا داخل الأوساط الأدبية، بسبب نظرة البعض لها باعتبارها رواية غير أصيلة أو رواية تندرج ضمن الفئة الثانية. ويعتبر الروائي المصري حمدي الجزار، أن الرواية ذات الشخصيات والأحداث التاريخية ليست إبداعا من الدرجة الأولى، لأن الكاتب هنا يعتمد على شخصيات من الواقع، ما يجعل القارىء ليس حرا في التلقي عند الحديث عن شخصيات مثل جمال عبدالناصر، محمد علي ، أو حتى الملك رمسيس. ويضيف، أن حرية الكاتب في هذه الأعمال ليست مطلقة، فهو مقيد بشخصية وحادثة وكل ما يستطيع إضافته هو جانب حواري أو تفصيلي، ما يجعله أقرب للمؤرخ. ويتابع قائلا “الرواية هنا ليست قصة متخيلة، وإنما هي قصة تدعي التعبير عن الواقع، وليست هذه هي القيمة الأساسية للعمل الفني، لكن القيمة الأساسية تتمثل في تقديم عالم متخيل، وفي هذا العمل فإن الروائي لا يدعي أنه يقدم الحقيقة وإنما يقدم عملا فنيا جماليا ولا يهمه إن كان ما يقدمه حدث بالفعل أم لا، بل الأفضل ألا يكون قد حدث”. وتهتم بعض لجان الجوائز بالمحتوى المعرفي أكثر من اهتمامها بالعمل الجمالي، وهذا ليس إعلاء للأدب وتشجيعا للإبداع الحُر، لأننا لو كنا في حاجة لمحتوى معرفي عن الحيتان، مثلا فإننا يمكن أن نحصل عليه من قناة أو مجلة ناشيونال جيوغرافيك، بدلا من قراءة رواية طويلة جدا وثرية معرفيا مثل رواية “موبي ديك” للروائي الأميركي هيرمان مالفل. وفي تصور حمدي الجزار، أن الأدب الغربي الآن يفرق تماما بين العمل المتخيل والعمل غير المتخيل، من حيث التصنيف أو الجوائز أو التقييم، وهو ما نحتاج إليه في الساحة الأدبية العربية بشكل مُلح.

مشاركة :