ممارسة الضغوط على الطفل تفقده الرغبة في التعلم

  • 1/11/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتساءل الآباء والأمهات كثيرا عن الطريقة المناسبة لتحفيز الطفل وجعله يرغب في القيام ببعض ما يطلبونه منه وخاصة واجباته المدرسية وغيرها من الأنشطة اليومية دون أن يتحول هذا التحفيز والتشجيع إلى ضغوط تمارس عليه بصفة دورية وتنفره من تطبيق الأوامر والطلبات. ويقع الآباء عموما في الكثير من الأخطاء التربوية الشائعة عند محاولاتهم تشجيع طفلهم وتنمية الإحساس بالمسؤولية لديه ومن بينها الإفراط في حمايته، أو توبيخه لأتفه الأسباب أو توجيه الملاحظات السيئة إليه دائما. وتكثر شكاوى الآباء والأمهات عندما يتعلق الأمر بالتعليم وبالواجبات المدرسية حين لا يجدون الطريقة المناسبة لترغيب الابن في التعلم أو عند فقدانه الحماس في القيام بما يطلب منه، وفي الأسر العربية التي تميل لممارسة الضغوط أو لاستعمال العنف اللفظي أو المادي كوسيلة تربوية وفي نفس الوقت تولي اهتماما كبيرا للتعليم ولنتائج الأبناء الدراسية، يندفع معظم الآباء غير واعين إلى الضغط على الأبناء من دون مراعاة مشاعرهم. وتعتبر الاختصاصية في علم النفس، بريجيت بروت، أن الرغبة في التعلم تطور طبيعي عند الإنسان، وتوضح أنه “منذ سن مبكرة يمكن أن توجد عقبات توقف هذه الرغبة، وبسبب التوتر والقلق يمارس الآباء ضغوطا على الابن تثقل كاهله وتقتل االرغبة في التعلم عنده خاصة إن كان في سن المراهقة، وعندما يشعر أن تطلعات الوالدين وانتظاراتهما منه كبيرة، لا يستطيع الاستجابة لها، لأنه يجد نفسه وكأنه مطالب بسداد ديون مجحفة”. وترى بروت أن الآباء يجب أن تكون لديهم ثقة في مؤهلات وقدرات الابن التي ليست نفس مؤهلاتهم، لذلك يجب عليهم ترك الدروس جانبا ومشاركتهم أنشطة مرحة. وتوصي الأخصائية النفسية بعدم الخلط بين الأنشطة الترفيهية المرحة وبين الدراسة مثلا، وتجنّب الإفراط في المساعدة دون نسيان أن الاستقلالية تنمو تدريجيا وليست فطرية. وتضيف في حديث لمجلة “صحة” الفرنسية “في النهاية تجب حماية الابن من الوضعيات والمشكلات العائلية التي لا تهمه”. ويؤكد خبراء التربية أهمية تحديد الآباء صحبة أبنائهم لأهداف بسيطة وواقعية وقابلة للتحقق في ما يخص مستقبل الصغار. وتشير كارولين ساهوك، وهي مختصة في علم النفس السريري، إلى أن “خلق الرغبة عند الطفل يعتمد على الجاذبية والجدة، ومتعة المنافسة، والاعتراف، وتجاوز الذات… ويمكن للوالد مساعدة ابنه على تطوير رغباته وميوله الخاصة، مثل ممارسة نشاط ما لتحقيق المتعة والشعور بالرضا”. المبالغة في التحفيز يمكن أن تفقد الطفل رغبته في القيام بأي شيء وتعطّل قدراته على التعلم، يجب إعطاؤه أهدافا واقعية وتردف ساهوك “احذر من المبالغة في التحفيز التي يمكن أن تفقد الطفل رغبته في القيام بأي شيء وتعطّل قدراته على التعلم. يجب إذن إعطاؤه أهدافا بسيطة وواقعية ومحددة”. ويحتاج الطفل لتحقيق هذه الأهداف البسيطة والمحددة إلى التفهم من خلال استماع والديه له وإشعاره بقيمته وتثمين جهوده واحترام مؤهلاته. ويرى مؤلف كتاب “النجاح في المدرسة، أقل إجهادا، أكثر متعة” فيليب هيندري أن “الطفل لا يعمل من أجله، ولكن من أجل والديه”، ويوضح لتحفيز طفلهما، يجب على الوالدين: أولا، منحه قيمته وإمضاء عشر دقائق على الأقل يوميا في الاستماع إليه وتركه يتحدث عن كل ما قام به خلال يومه وفي المدرسة. ثانيا، متابعته بشكل يومي واعتماد طريقة بيداغوجية تناسبه لمساعدته على القيام بواجباته. ثالثا، وضع قواعد للعبة مثل القول له إننا ننتظر منه النتائج والفعل ونطالبه بالعمل مع دفعه إلى تبني سلوك الرابح دائما. رابعا، عدم معاقبته على الدرجات السيئة ولكن على عدم احترامه للمنهجية المعتمدة للعمل. أخيرا، مساعدته على تحديد أهداف طويلة المدى دون التوقف عن الحلم في سن مبكرة. وينبه مختصون إلى أنه أثناء تنشئة الطفل ومساعدته على التعلم سواء في الدراسة أو خلال ممارسة النشاطات والمهام اليومية يجب على الآباء والأمهات عدم نسيان أن الطفل يحتاج إلى الشعور بالحماية، لكي تكون لديه الرغبة في أن يكبر ويتعلم. كما يحتاج إلى إعطائه قيمته وتثمين جهوده، وإلى التوجيه والحماية لكن دون مبالغة. ويتعلم الطفل من والديه ومما يشاهده من سلوكياتهما، وهو ما أثبتته العديد من الدراسات التي أوصت بأن الطفل يحتاج إلى معرفة أن والديه صادقان وأنهما يفيان بالوعود التي يقطعانها له. ويظل التحفيز الجيد رهين السن والشخصية وحاجات الطفل الخاصة ووضعها جميعا في الاعتبار. ولا يجب أن يغفل الآباء عن أن حالات فقدان الرغبة والدافع عادية خاصة في مرحلة المراهقة – فترة التغييرات الكبرى في الشخصية – ويظهر ذاك في هذه الفترة كما عند مرور الطفل بحالات نفسية صعبة، فتتسم تصرفاته بالسلبية وفقدان الرغبة في آن واحد، لذلك من الأفضل عندها التركيز على جعل الطفل أكثر نشاطا وحيوية من خلال اقتراح نشاطات متنوعة لإخراجه من الروتين اليومي ومن حالته النفسية. وتؤكد العديد من الدراسات والبحوث العلمية أن الوصفة المثالية لتحفيز الطفل تتثمل في قضاء الوالدين لأوقات هامة معه والاستماع إليه وليس وضع جداول أعمال ضاغطة عليه وجدّ منضبطة. وكشفت دراسة كندية أن هناك محفزا غريزيا داخل الطفل يمكن للآباء والأمهات العمل على تطويره لخلق الرغبة لدى أبنائهم في القيام بما يطلب منهم. وأكدت النتائج أنه يمكن تحفيز الأبناء دون وعدهم بنيل مكافأة. وقال فيدريك غاي خبير في تحفيز السلوك بإحدى جامعات إقليم كيبك الكندي “يبدأ الدافع الغريزي والذاتي في مرحلة مبكرة للغاية، فالأطفال فضوليون بطبيعتهم”. واعتبر أن الآباء يحتاجون لتنمية هذا الدافع ورعايته. وأجرى غاي وزملاؤه دراسة لتحليل نتائج 344 دراسة سابقة أُجريت حول “المحفزات الفطرية الغريزية” والنتائج التي حققها التلاميذ والطلاب من مرحلة الدراسة الابتدائية وحتى الجامعة، وهي دراسات بلغ حجم عينة البحث فيها أكثر من 200 ألف شخص. وبينت الدراسة التحليلية أن الطلاب الذين استمتعوا بقدر أكبر خلال تعلمهم موضوعات بعينها حققوا نتائج أفضل فيها، وأن شغف هؤلاء الطلاب بهذه الموضوعات جعلهم أكثر مثابرة وابتكارا وإبداعا في التعامل معها. ويشير غاي إلى أنه من الضروري تشجيع الأطفال وتقديم الدعم لهم، على نحو يجعلهم يشعرون بأن لديهم القدرة على الاختيار وأنهم يقومون بأشياء بمحض إرادتهم. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :