الرياض الشرق شدد مسؤولون ومؤرخون أوروبيون على أن المملكة دولة عريقة وذات حضارة ضاربة في جذور التاريخ، ما أهلها لأداء دور رائد في تعزيز السلام والأمن في دول المنطقة والعالم، استناداً على تاريخها الممتد وموقعها الجغرافي في قلب العالم، وتواصل الحضارات وتعاقبها على أرضها. وأوضح المسؤولون والمؤرخون، خلال ندوة نظمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار مؤخراً بالتعاون مع مندوبية الاتحاد الأوروبي في المتحف الوطني بالرياض، ضمن فعاليات «يوم أوروبا»، أن لدى المملكة جهوداً في تعزيز التواصل الثقافي والإنساني عبر إقامة وتنظيم فعاليات مشتركة، وفي مقدمتها استضافة المتحف الوطني فعاليات «يوم أوروبا». وثمن السفير الألماني السابق لدى مملكة البحرين، الدكتور هيربرت لانج، جهود المملكة في تعزيز التواصل الإنساني والثقافي بين شعوب العالم عامة، وشعوب دول أوروبا على وجه الخصوص. وقال إن معرض «روائع آثار المملكة» الذي جاب كثيراً من دول العالم للتعريف بحضارتها وتاريخها، يمثل مؤشراً لفهم جديد لحضارة المملكة، عاداً إياه نافذة أتاحت للشعوب الأخرى فرصة الاطلاع على عمق المملكة الحضاري والتاريخي ودورها الحضاري. وتحدث لانج عن المستشرق الألماني جولوس إيتنج، وتتبع رحلته الاستكشافية في الجزيرة العربية خلال القرن الـ 19، موضحاً أن جولوس أحد الباحثين في الحضارات الشرقية وهو مستشرق معروف دولياً يتحدث سبع لغات شرقية، لافتاً إلى أن رحلاته امتدت من الساحل الشرقي للبحر المتوسط لوسط الجزيرة العربية لأكثر من 2600 كيلو متر قطعها بالجمال والخيول.واستعرض لانج قصص الأوروبيين وشغفهم باكتشاف الشرق وحضارتهم منذ قديم الزمان، وقال إن اهتمامهم بهذه المنطقة كان وحتى القرن الـ 19 شبيهاً بالموضة، وذكر أن المستشرقين والمستكشفين تعرفوا على ثقافة الشرق والجزيرة العربية من خلال الآدب والآثار، وترجمة كثير من الكتب عن هذه المنطقة، بهدف معرفة عاداتها وتقاليدها وثقافاتها المختلفة، مشيراً إلى ترجمة أدبيات عدة مثل «ألف ليلة وليلة» وبيعها في الأسواق الأوروبية للاطلاع عليها. وقال: هناك مسجد تم بناؤه في ألمانيا بهدف تذوق حضارة الشرق والتعبير عنها وليست للعبادة. وأوضح أن جولوس أيتنج كتب كل مشاهداته خلال رحلته، عن الأمكنة والنقوش على الصخور والكتابات المختلفة، وكثير من العادات والتقاليد الشرقية وثقافة هذه المنطقة، مبيناً أن جولوس خصص جزءاً من كتاباته عن القهوة العربية ومدلولها في الضيافة والكرم، ودوّن في يومياته تفاصيل رحلته وكيفية سفره إلى تبوك وحائل ومدائن صالح وغيرها من الأمكنة التاريخية العريقة في المملكة. وشارك في الندوة الدكتور لوك شانتر، من جامعة السوربون في باريس، الذي قدَّم قصصاً عن الحجاج الفرنسيين المقبلين إلى الحجاز خلال الفترة بين 1830 و1914م، وقدم نماذج من الصور التي تحكي رحلاتهم. واستعرض في حديثه عدداً من الكُّتاب المستشرقين الذين كتبوا عن الجزيرة العربية، مثل وييبر وجون براكس الذي ربط في كتابته العلاقة التجارية بين الجزائر وبين الجزيرة العربية، كما استعرض جانباً من الكتابات والرسومات والصور التي التقطتها الرحالة والمستكشفون والتي تجسد تاريخ وحضارة الجزيرة العربية وثقافتها في تلك الحقبة. من جانبه، قدَّم أمين المخطوطات والكتب الشرقية النادرة في مكتبة جامعة ليدن بهولندا، الدكتور أرنود فرولجك، عرضاً عن دور المستشرق الهولندي كريستيان سنوك هورجرونج، استعرض فيه عدداً من وثائقه ومخطوطاته عن الجزيرة العربية بوصفه مصدراً سبق أن تواصل مع السكان المحليين خلال إقامته في مكة المكرمة لبعض الوقت منذ العام 1885م. وقال إن سنوك كان باحثاً مشهوراً، واستطاع أن يجمع خلال إقامته في الحجاز معلومات غزيرة عن المنطقة. وأشار فرولجك إلى أن كتابات سنوك عن الحجاز وعلى الرغم من الصور التي التقطتها عن المحمل وعدد من المواقع الإسلامية إلا أنها في الغالب لم تعكس اهتمامه بالحج بمثلما كان مهتماً بالشؤون السياسية في مكة المكرمة آنذاك. يذكر أن سفير الاتحاد الأوروبي في المملكة، آدم كولاخ، قد افتتح في السابع من مايو الجاري «معرض المستكشفين الأوروبيين في المملكة»، في المتحف الوطني، بتنظيم من الهيئة العامة للسياحة والآثار ومندوبية الاتحاد الأوروبي في المملكة، ووزارة الثقافة والإعلام، ضمن فعاليات الاحتفال بـ «يوم أوروبا»، واستمر المعرض لمدة أسبوع حظي خلالها بإقبال كبير من الجمهور الذي اطلع على صور المعرض التي التقطها الرحالة الأوروبيون الذين وصلوا إلى المملكة في إطار رحلاتهم حول العالم. ويمثل «يوم أوروبا» احتفال الاتحاد بإعلان شومان عام 1950م، الذي يعدّ أول وثيقة رسمية أعلنت ولادة الاتحاد الأوروبي، وسمي بـ«إعلان شومان» نسبة إلى وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان مقدم هذا الاقتراح آنذاك.
مشاركة :