تُعتبر الأزمات المتوالية الجذرية التي يعاني منها النظام الرأسمالي هي إحدى نتائج التخلي عن القيام بمقتضيات المسؤولية الاجتماعية ، والالتزام بمعاييرها المختلفة، فضلًا عن أنه لم يكن خافيًا على أحد تشديد النظم الاقتصادية، خاصة تلك التي تتبع تعاليم ونظريات المُنظّر الاقتصادي الراحل ميلتون فريدمان؛ على أهمية مراكمة الربح، ووضعه على رأس سلم الأولويات لأي نظام اقتصادي.
ومن نافل القول إن نظرة “فريدمان” للنظم الاقتصادية، بل حتى الربح في حد ذاته، كانت قاصرة وضيقة الأفق؛ فالربح، في أي نظام اقتصادي بصير، ليس محصورًا في مجرد مراكمة الثروة، وإنما هناك الكثير من المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن توفرها المسؤولية الاجتماعية لهذه المؤسسة أو تلك.
الأخلاق كمخرج للأزمة
تحدثت نعومي كلاين؛ في كتابها “عقيدة الصدمة” وبإسهاب، عن قيام الرأسمالية _في صورتها الوحشية_ باستغلال الكوارث والأزمات البشرية لتحقيق الربح ومراكمة الثروة، ليس هذا فقط، بل إنها تعمل على صناعة الكوارث إن لزم الأمر.
ووفقًا لطرح كهذا، والعهدة فيه على “نعومي كلاين” بطبيعة الحال، يكون الاستمرار في متابعة نظام رأسمالي هذه صفته ليس أكثر من دفع الإنسان والإنسانية إلى الهاوية، ومن ثم يكون البحث عن مخرج مُرضٍ هو الواجب الأسمى.
وفي خضم بحثنا عن الحلول المجدية والفاعلة والتي يمكن بواسطتها الخروج من هذه الأزمات المتراكمة لن نجد أفضل من المسؤولية الاجتماعية، كنظرية اجتماعية واقتصادية في الوقت ذاته؛ إذ تضع نصب عينيها تحقيق مكسب ثنائي أو مزدوج، فمن جهة تعمل على تحقيق الأرباح الاقتصادية، لكنها، ومن جهة أخرى، تحافظ، وبشكل ممنهج ومدروس، على البيئة والمجتمع واستدامة الموارد الطبيعية.
وهو الأمر الذي يعني أننا، عبر هذه المنظومة النظرية، نكون تمكنا من تحقيق الأرباح، وجلب المكاسب الاقتصادية بدون الإضرار بالبيئة، ولا المجتمع، بل بالعكس عملنا على حمايتهما، والمحافظة عليهما.
القضاء على الفساد
وإن حدث وزاوجنا بين الاقتصاد والأخلاق، وجمعنها بينهما في منظومة اقتصادية واحدة، فسنلاحظ أن هناك الكثير من أسباب الأزمات الراهنة، مثل: التهرب الضريبي، الفساد، والرشوة.. إلخ، ستختفي بشكل متوازٍ مع جلب الأخلاق إلى الاقتصاد.
ليس غريبًا الحديث عن بُعد أخلاقي للاقتصاد؛ إذ إن للاقتصاد، في تصوره الأصلح والأسلم، دورًا اجتماعيًا يجب عليه أداؤه، فضلًا عن أن هناك الكثير من المفكرين والمنظرين الذين حاولوا تبيان وإيضاح هذه العلاقة بين الأخلاق والاقتصاد.
إذًا، ثمة نوع من التوازن المطلوب تحقيقه بين الاقتصاد والأخلاق، وبين الاقتصاد والمجتمع، والهدف من هذا الضرب من التوازن هو تحقيق المكاسب للجانبين دون الإخلال أو الإضرار بأي منهما.
وربما هنا، وهنا فقط، تكمن الحاجة الأساسية التي يمكننا من خلالها الخروج من هذه الأزمات الاقتصادية التي ما تفتأ تظهر أعوامًا بعد أعوام، وتفادي أزمات أو بالأحرى تبعات الرأسمالية المتوحشة أو في صورتها البربرية.
اقرأ أيضًا:
القانون الناعم.. سر الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية