ما بين سنتي 2018-2017 انطلقت لعبة “PUBG“ على مواقع التواصل الاجتماعي وباتت ممارسة اللعبة بالموبايلات أمراً متاحاً بعدما كانت مقتصرة على الحاسوب وأجهزة الألعاب الإلكترونية من إكس بوكس وبلي ستيشن ليزداد مدمنوها لا سيّما في أوساط جيل 2006-2000 في العراق. 2019 جهات دينية تقوم بالتحريض على حظر اللعبة ووصل الأمر بالبعض إلى تحريمها وكتل سياسية في البرلمان العراقي تصعّد لمنعها، ليتم حظرها في العراق ويمارسها اللاعبون عبر برامج وتطبيقات تقوم بفتح اللعبة. وتذهب جهود المؤسسة الدينية والسياسية أدراج الرياح. أكتوبر 2019 حراك جماهيري يكتسح بغداد وغالب المحافظات الشيعية. قبل الحراك يجب الوقوف على التراكمات التي أنضجتْ هذا الحراك المختلف عن بقية التظاهرات التي شهدها العراق منذ الــ2003: ـ منذ تسنّم سياسيي الشيعة للسلطة والعراق يواجه نفس الأمراض. أمراض صُنعتْ في العراق فقط (فساد يستشري في كافة مؤسسات الدولة، اقتصاد مشلول يعتمد على النفط فقط بعد تعطيل تام ومقصود لقطاعات الصناعة والزراعة والسياحة لإخراج الجارة إيران من حصارها بعد أن أصبح العراق سوقاً رائجا لكل ما تصدّره إيران إليه، نظام صحّي فاشل، نظام تعليمي فاشل، مؤسسة عسكرية فاشلة مبنية على المحسوبية والرشوة والطائفية والفساد، قمع للحريّات، تصعيد طائفي، خطوط حمراء أفرزتها الميليشيات تظهر مجدداً كدكتاتور جديد) مع ملاحظة أنّ سياسيي السنة يخدمون ناسهم ومناطقهم رغم فسادهم على النقيض من سياسيي الشيعة الذين يملؤون كروشهم وكروش أسيادهم في إيران. ـ هذا الوضع المزري أدّى لتظاهرات بفترات متفاوتة (2011، 2013 ولاية المالكي، 2015، 2016، 2018 ولاية العبادي). ولكنها كانت تطالب بإصلاحات بسيطة تمثل أبسط حقوق المواطنة من تعيينات إلى ماء وكهرباء انتهتْ بالتسويف والمماطلة بعدما تم بيعها بقياداتها الدينية والثقافية واليسارية. ـ اغتيالات سافرة ومُمنهجة للموديلز (تاره فارس، كرار نوشي…) والكتّاب والناشطين المدنيين (كامل شياع، علاء مشذوب (بــ13 رصاصة اخترقت جسده)، سعاد العلي، وسام العزاوي..) وخبيرات مراكز التجميل (رشا الحسن، رفيف الياسري) لتنهي الحكومة الموضوع بتصريحات حول جهات مسلحة مجهولة وتُغلق القضية وتُسجّل ضد مجهول. ضد خط أحمر لا يمكن لأيّ جهة في الدولة محاسبته. ـ قبل حراك أكتوبر كان هناك حطب لهذا الحراك تمثل باعتصام الجيولوجيين (خريجو علوم الجيولوجي) طلباً بالتعيين. كذلك اعتصام شريحة الدراسات العليا (من يحمل شهادة ماجستير ودكتوراه) من كافة المحافظات في بغداد والذين جُوبهوا بسيارات الماء الساخن وفُضّ اعتصامهم بطريقة تعسّفية واضحة، ليكلل كل هذا بالفتيل الذي أشعل الحراك والذي تمثل بنقل الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي من إمرة جهاز مكافحة الإرهاب إلى إمرة الدفاع ولا يُخفى ما للساعدي من دور قيادي وميداني في عمليات تحرير الموصل وبالتالي له حضوره الطاغي في الشارع العراقي؛ لينطلق الحراك في 1 اكتوبر 2019 بجيل جديد لا يعرف الخوف. جيل عنيد ولا يملك شيئا يخسره. طبعا جابهت السلطة الحراك بأسلوب جديد لم تستخدمه من قبل تمثل بالقنّاص الذي بدأ بحصد المحتجّين وأعضاء القوات الأمنية، لتدخل القضية مماطلات جديدة وتسويفات معتادة في لجانٍ تحقيقية تقرّها الحكومة، ثم تقرّ لجان أخرى لمراقبة عمل هذه اللجان، وتقرّ لجان أخرى لمراقبة عمل هذه اللجان الأخرى وهكذا تبقى أصابع الاتهام ضد مجهول. زيارة الأربعين / استئناف الحراك في كل عام يدخل العراق جمع هائل من الزائرين للسير مشيا على الأقدام في المسيرة المليونية لزيارة الإمام الحسين وأخيه الإمام العباس في كربلاء. غالبية من يدخل العراق في هذه الزيارة هم من الشيعة وعلى التسلسل ( إيران، البحرين، باكستان…). وأكثرهم من شيعة إيران. الذي تغيّر هذا العام هو الرفض الذي ترجمه الحراك ضد إيران بالذات لا سيّما بعد تصريحات إيرانية بانتهاك سيادة العراق بدخول عناصر عسكرية إيرانية بحجة حماية الزائرين الإيرانيين. ليدخل العراقيون بالكامل والكربلائيون بالذات في استفزاز وتوتر كبيرين مع الإيرانيين تحديدا تمثل في كل مفاصل الزيارة من البصرة حتى كربلاء. ملحوظة مهمة: الاستئناف كان بقرار ورغبة المنتفضين كونهم يعرفون مدى عهر السلطة التي بإمكانها أن تفعل أي شيء وتتهمهم به. كذلك كان القرار احتراما لقدسية هذه المسيرة لدى طائفة الشيعة في الشعب العراقي. نعود للعبة "PUBG" تعريف: (اتركني في جزيرة وأعطني سلاحاً وقل لي إن حياتك تعتمد على موت الآخرين وانظر ماذا سأفعل؟!) الكلمة لكاتب الفيلم الياباني “BATTIL RUYALE“. ليستوحي المصّور والجرافيك ومصمّم الألعاب الإيرلندي بريندان غرين فكرة اللعبة من الفيلم. قصّة الفيلم تتمحور حول طلاب في المرحلة الثانوية أجبروا على القتال لحد الموت من قبل الحكومة اليابانية والذي أثار جدلا كبيرا وتم حظره في بلدان عدّة. ليقرّر بريندان أن يعدّل الفكرة ويضيف 100 لاعب من مختلف أنحاء العالم ينزلون بمظلات في جزيرة بحثا عن الأسلحة للقتال تجنباً لقتل أنفسهم من خلال توجههم إلى المنطقة الآمنة وهي داخل الدائرة التي تصغر مع مرور الزمن لإجبار اللاعبين على الاحتكاك مع بعضهم البعض والفوز مع نجاة آخر لاعب من المائة. أصدرت اللعبة في 23 مارس 2017 على الحاسوب كنسخة مبكّرة ومن ثم أصدرت بشكل كامل في نفس العام وفي العام 2018 على جهاز الأكس بوكس والبلي ستيشن ثم الموبايل. وتعتبر بوبجي أكثر الألعاب مبيعا. وقد حققت أرباحا مهولة. ملاحظة: يفضّل العراقيون اللعب بنمط التيمات أي الفرق وقد تكون أربع، أو اثنتين. وفي قانون اللعبة يكون الفريق الناجي الأخير هو الفائز.ولا بدّ من الاشارة إلى إن “PUBG” اختصار لجملة ( PlayerUnknown’s Battleground ) وتعني (ساحات معارك اللاعبين المجهولين). خصائص مهمة لهذا الجيل أغلبيتهم بحكم إدمانهم اللعبة والتواصل الاجتماعي والسينما أصبحوا كائنات ليلية أي أنهم ينامون نهاراً وينشطون ليلا. جماعية اللعبة وكروبات التواصل الاجتماعي خلقتْ لنا جيلا يؤمن بالمشاركة واستماع الآخر أياً كان. جيل يؤمن بالجماعية في التغيير. التواصل الدائم من خلال الفيسبوك والواتسآب والتلي كرام والإنستغرام وإدمان اليوتيوب والسينما أعطى منظومة معرفية شاملة طغتْ على المنظومة الأصولية الأخلاقية واستبدلتها بمنظومة مدنية تميل للتحرّر وتؤمن بالإنسان قبل كلّ شيء. الخصائص السابقة نفسها أنتجتْ لنا جيلا بلا خط أحمر. جيل يخترق جميع التابوات (سياسة، دين، جنس….) ويفعل ما يريده ولو كلّفه ذلك حياته. نفس المنظومة التواصلية خلقتْ جيلاً أنيقاً يُفصلُ ويُطردُ كلّ يوم من المدرسة ويُهان بسبب تسريحة شعرهِ أو ملابسهِ؛ ليأخذَ “سِيلفي” خارج المدرسة وينشره في بوست على حسابه الشخصي “مطرود….ولكنّي سعيد” مع ابتسامة توحي بالحياة والحرية. تسريحات الشَعْر المغايرة والأحذية غريبة الأشكال التي يرتدونها بلا جوراب والبناطيل والتنورات والقمصان الضيقة وصارخة الألوان ولفّات الشال الحديثة. أدّتْ إلى ضغط المنظومة الاجتماعية بالكامل على هذا الجيل: أ-المنظومة الأسرية. ب-المنظومة التربوية. ج-المنظومة الدينية باعتبارهم غير ملتزمين أخلاقياً ولا يراعون العادات والتقاليد والقوانين وقد تذهب المنظومة الدينية بعيداً وتعبّر عنهم كمُخنّثين وأيضا شاذين وانحلاليين أو كفّار. هذا الضغط بدوره ولّد الكثير من ردّات الفعل، فمثلا في بداية اجتياح تنظيم داعش للعراق برعاية حكومية لهذا الاحتلال وبعد إعلان فتوى المرجعية الدينية للجهاد الكفائي كان هناك من مات على الساتر في الموصل والرمادي وتكريت وجرف الصخر ومصفى بيجي وهو لم يكمل الخامسة أو السادسة أو الثامنة عشرة من عمره. لا لأجل المرجع الذي قد لا يؤمن به أصلا ولا لأجل المُرتّب البائس ولا لأجل الناس ولا حتى الوطن بل مجرّد أن يثبت لأبيه أو مدرّسه أو رجل الدين أو مؤذن الجامع القريب من بيته أنه أشجع منهم جميعا ً. نفسه هذا الضغط مضافاً إليه الضياع التام في عراق بلا أتفه الخدمات، بلا مستقبل، وبلا حرّيات؛ ولّد حالات انتحار بدأتْ بالظهور على البث المباشر من على جسر أو درّاجة ناريّة أو غرفة مغلقة، أو أي موضع آخر؛ شاب مراهق يظهر بكامل أناقتهِ في فيديو طالبا ممن يعرفه أن يسامحه، وينهي حياته قبل أول تعليق على الفيديو. الجيل بحكم اللعبة أصبح يقاتل معه العراقي ضد غير العراقي في الكثير من الأحيان وبالتالي أصبح المذهب والدين عراقيا. هذا ما بدا واضحاً في علاقاتهم الاجتماعية الكثيرة وعندما تسأله كيف تعرّف بابن الرمادي أو ابن الناصرية أو ابن دهوك أو الكوت أو ابن ديالى سيجيبك ببساطة أنه تعرّف عليهم بالـ”PUBG“. الفرحة لم تكن تُطاق عند اللقاء بين هؤلاء الصغار الكبار هل تعلمون أين كان اللقاء؟ لنشاهد منشور أحدهم: قام (…….) بتحديث صورته الشخصية: الخط الدفاعي الأول # الأحرار الصورة يجمعنا العَلَم أنا وعمر من (أبو غريب). واضح أن الانتماء المذهبي عملوا له “إبلوك” بلغتهم التواصلية. هل وعينا أين تكمن خطورة هذا الجيل؟ ههنا تكمن خطورته على الفاسدين والقتلة. خطورته وقوّته في قتل الطائفية المقيتة اللعبة التي اشترك في خلقها الدين والسياسة وأنتجت حمّامات الدم العراقي وحيتان الفساد. والآن إلى محاولة قراءة للحراكين (الافتراضي والواقعي): في البداية كان حراكا جماهيريا لا يمكن أن نطلق عليه ثورة؛ وليس انقلابا فالانقلاب يتضمن معسكرين فيهما شيء من التكافؤ يتمثل بالتسليح حتى وإن كان متفاوتاً بين الطرفين. ولا تظاهرات، لأن بلدان العالم الثالث لا تشهد تظاهرات. التظاهرات تشهدها بلدان متقدّمة تمتلك شعوبا حيّة واعية وتحكمها نخب واعية تمتلك مهنية وأخلاقية في التعامل معها وفق الضوابط والقوانين والحقوق وتنهي الموضوع بالخضوع للجمهور دون أن يسقط قتلى من الطرفين. لا من الجمهور ولا من القوات الأمنية. السؤال المهم هو كيف يواجه المتظاهر العراقي القناص؟ بمَ يواجه عبوات مُسيل الدموع؟ بم يواجه الرصاص الحي؟ بم يواجه الأحكام التعسّفية والاعتقالات وكواليس التعذيب؟ هل يكتفي بالوقوف وحمل العلم العراقي ولافتة توضّح مطلبه وهو يموت ويُبادُ تحت رحمة الله والمؤسسة الدينية والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والقوى العظمى؟ الشارع والواقع في العراق تحديداً يقولان شيئا آخر عن مفهوم التظاهر. ما يحصل هو احتجاج ضخم يطرحه حراك كبير تحوّل لانتفاضة عراقية لن تهدأ حتى اقتلاعهم جميعاً. الحراك الافتراضي - قلنا إن اللعبة قتالية وجماعية فهي تُلعب بتيمات وهذا ما يجعل المقاتلين ينبّهون بعضهم ويحمون بعضهم ويوجهون بعضهم ويسعف أحدهم الآخر لأن موت أحدهم سيضعف الفريق. - اللاعبون من كافة الجنسيات لكن أقوى اللاعبين هم العراقيون والسعوديون وفي الطائرة قبل النزول للخارطة تجري حوارات وانفعالات بينهم تصل لدرجة الشتائم الداعرة ثم التحدّي للنزول في حاويات. بإمكان النازل للحاويات أن يجد الكثير من الأسلحة والمعدات: - AUUM 24: - قنّاص قوي، Car K 98: قنّاص قوي أيضاً، BKC: سلاح أميركي مشهور، M416: قناص بمنظار ثابت ورمي سريع أي بإمكان المقاتل أن يمارس قتلا جماعيا من خلاله، المقلاة، المسدس، السهم، الدخانية، والكثير من المعدات والمستلزمات والإسعافات الأولية. - شعار اللعبة يتمثل بزي الطالب بقميص أبيض وبنطال وخوذة ومسدس وسلاح قناص يحمله على ظهره. كذلك هناك زي يناسب الخارطة للتمويه مثلا الأخضر الحشيشي في الغابات والصحراوي في الصحراء وهكذا. - عند اشتداد القتال هناك ما يسمّى بالـ”روم” حيث يكوّن الفريق الواحد غرفة من تجمّعهم حول بعضهم لحماية بعضهم البعض، فنقصان العدد أو الإصابات تقلل فرص البقاء على قيد الحياة لذلك يحاول الجميع حماية الجميع ويحاول الجميع إسعاف المصاب بأسرع وقت. ملاحظة: مدة الكيم غالبا (30 دقيقة). وهم يلعبونها بإدمان قاتل؛ لأن الفوز ليس سهلا أبداً وبالتالي التنافس والحماس كبيران. وقد تحصل انفعالات لدى اللاعبين جرّاء الاندماج في اللعبة تترجم بالصراخ بينهم أو حتى كسر الموبايل. الحراك على الواقع (العراكَيين وينكم…مشتاكَين) هذا ما غرّد به الكثير من السعوديين على تويتر منذ بداية 25 أكتوبر، حيث قلّ نشاط العراقيين الافتراضي في الــ”PUBG” والسبب بسيط وواضح أنهم بدؤوا يمارسون حراكهم في ساحة التحرير. وكما يلي: قتالية اللعبة أفرزتْ حراكاً عنيداً من الصعب جداً إخماده دون تحقيق المطالب التي يريدها؛ فمن يتظاهر لا يتظاهر وفق قوانين التظاهرات ومعطيات الحراك المدني بل يلعب وبالتالي سيلعب لآخر رمق، لآخر ثانية في الكيم، لآخر قطرة دم. بما أن اللاعب في البوبجي يموت أكثر من مرة دائما ويعاود اللعب هذا جعلهم يتعاملون مع الموت بسطحية كبيرة باعتباره شيئا عاديا جداً جداً. وهذا ما يمنحهم سعادة ضخمة عندما يكونون على تماس مع الخطر والموت. الجماعية قدّمت شيئاً مهمّا جدا لا يحصل في أيّ تظاهرات ألا وهو الانسيابية الواضحة في توزيع الأدوار؛ فهناك من يرابط على ساتر الجسر، وهناك من يأتي بالدعم اللوجستي من طعام وشراب وملابس وهناك من يجمع التبرّعات من مكان آخر، وهناك من تسعف الجرحى، وهناك من يقوم بنقل الجرحى للمفارز الطبية أو المستشفيات، وهناك من تغسل ملابس المتظاهرين، وهناك من يقومون بمكافحة الدخانيات (الكولجية). ومن الواضح أن جو اللعبة الاختلاطي طغى في الحراك لدرجة أنه لم تُسجل حالات تحرّش عكس ما حصل في حراكات أخرى في المنطقة. كما أعطتْ هذه الجماعية أسلوبا مختلفا في القيادة قضى على القيادة الهرمية ونموذج القائد الواحد والتي كثيرا ما كانت تنهار بسرعة عند أيّ تواطؤ من قبل هذا القائد. لنصل إلى نموذج قيادي آخر يعتمد على الخط المستقيم في المواجهة. فالكل في الأمام والكل على تماس مع الموت وبالتالي الاندفاع نحو الموت بثقة وجنون لا الهروب والخيانات والخوف كما يحصل في النموذج الهرمي. السؤال المهم أين هي إيران في اللعبة؟ إيران تشحن العراقيين في الواقع باستفزاز كامل كل يوم في التلفاز في تصريحات ولقاءات السياسيين وفي المناسبات الدينية وفي خطبة الجمعة وحتى في علامات السير في الطرقات (فيلق بدر يودّعكم، تيار الحكمة يرحب بكم……….). يجيب اللاعبون على نفس السؤال ويترجمونه في الساحة بشعار “إيران بره بره /بغداد تبقى حره” لقد استبدلوا عدوّهم في اللعبة المتمثل بالسعودية إلى إيران في الواقع؛ كون من يحكم العراق هم عملاء إيران أكثر ممّا هم عملاء السعودية أو أميركا. في اللعبة يتفوق السعوديون بالنت القوي جدا والموبايلات الحديثة رغم ذلك يفوز العراقيون في الغالب؛ لأن اللاعب العراقي ينزل حاويات ويستقتل أكثر برفقة فريقه وبالتالي يفوز. وهذا التفوق اتضح بالواقع لإيران بشكل دقيق. لديهم قناصون وقنابل صوتية وعبوات مسيل للدموع منتهية الصلاحية وغير منتهية الصلاحية وعبوات غاز سام وفلفل حار ورصاص مطاطي ورصاص حي وشاحنات ماء ساخن وتحكّم بالإنترنت والكثير من الذيول -أي التابعين- في الفضائيات والسوشل ميديا والجوامع واتحاد الأدباء والعشائر. رغم كل هذا ينزل اللاعبون/المتظاهرون حاويات. النزول للحاويات تعريف: في اللعبة النزول للحاويات يكون تحدّيا كبيرا إن اختاره اللاعب حيث يكون الأفراد مجرّدين من الأسلحة وينزلون للحاويات المتوفرة فيها الكثير من الأسلحة والمعدّات في أماكن معينة يعرفها البعض ولا يعرفها البعض نتيجة الخبرة في اللعب وبالتالي من يحصل على السلاح قبل الآخر سيعيش بينما يموت الآخر لأنه سيقتله. الأسلحة الدفاعيّة: التاير: أول إطار أحرق في احتجاجات البصرة 2018 حيث تمّ حرق بنايات الأحزاب الفاسدة وصور رموز الفساد وسد الطرق للضغط على الحكومة المحلية للاستجابة للمطالب. أخذ التاير استعمالا آخر في هذا الحراك وأضيف إليه المولوتوف لحرق بنايات الأحزاب الفاسدة وسد الطرق لأجل العصيان المدني التام. هناك وعي واضح في الحرق، أي الحرق موجّه لكل ما يتعلق بالأحزاب فقط ثم استخدمتْ الحكومة أجنداتها لاتهام المتظاهرين بالتخريب بل قتلتْ هذه الأجندات أفراداً من القوات الأمنية محاولة بائسة أخرى لزرع الفتنة كما أحرقتْ المؤسسات الحكومية تبريراً منها لإبادة المتظاهرين بعد اتهامهم كمخرّبين. القفازات المضادة للحرارة والبطانيات: وهذه من اختصاص قوّات مكافحة المسيل والذين يُعرفون بــ”كولجية العراق”، مراهقون صغار تراهم في التحرير والخلاني وقرب جسر الشهداء والسنك يتراكضون حول الدخانيات التي يرميها عليهم عناصر الشغب حيث يمسكون بالدخانية ويقذفونها لمكان معين لتتم معالجتها بالبطانيات المبللة بالماء والخميرة والببسي. الكمّامات والأقنعة: وسيلة دفاعية أخرى لأيّ محتج لتقليل أثر قنابل المسيل للدموع والفلفل الحار وغاز الأعصاب. حيث حالات الاختناق التي لا تُعد ولا تُحصى. كذلك أقنعة أخرى أعني أقنعة المهرّجين والهكر ولا يُخفى ما لفيلم الجوكر بنسخته الحديثة الأخير من تأثير طاغ على الشارع حتى قام البعض بعمل فوتوشوب لرقصته الشهيرة وهو يتجوّل في ساحات الاحتجاج. كما تم استخدام المغذي “الماء المتعادل”لتنظيف العيون أثناء التعرض للدخانيات والمسيل. الخوذ والسلاسل والهراوات: القنابل التي تُقذف على رؤوسهم كانت تنهي حياة الكثيرين ومن هنا كانت الخوذة كخيار جيد للحماية قد يشترونها أو تأتيهم من تبرّعات أو يستحوذون عليها كغنائم من عناصر الشغب في الاحتدامات القويّة. وفي اللعبة بإمكانك أن تحصل على الأسلحة والملابس والمعدات من خصمك بعد أن تنتصر عليه. كذلك استخدموا السلاسل الحديدية الضخمة لإسقاط الحواجز الكونكريتية. أما الهراوات التي حصلوا عليها كغنائم كذلك فكانوا يستعملوها في تنظيم سير في الشارع. حاويات الأزبال والبراميل الحديد: أهم نقطة في التحرّك وعبور الجسور هو استعمال هذه الحاويات الحديدية وأنصاف البراميل كدروع عند محاولة التقدّم للأمام وعند إنقاذ أحدهم عندما يصبح عالقاً في موضع معين والرمي مستمر عليهم من قوات الشغب أو الميليشيات غالباً. الرصاص الحي مستمر وأبطال يتقدّمون بهذه الدروع وأبطال آخرون يحاولون المساندة بالصراخ والتشجيع برمي الحجار على من يرميهم بالرصاص وهناك من يوثّق كل ما يحصل فلا نستمع سوى “الرصاص الحي والصراخ بطل.. أبطال..اتقدموا الأبطال…ديضربوهم رصاص حي شوفوا هذا رصاص حي….؟!!”. الفن والرياضة والجمال والإكسسوار كإحتتاج صريح: بوعي كبير يظهر فن الكرافيك في رسالة صريحة للسلطة والعالم أنهم بإمكانهم التغيير وبناء الوطن بشكل يضاهي هذه الطغمة الفاسدة التي لم تبنِ طيلة هذه الـ16 عاما بل اكتفت بالفساد والإهمال فقط من يدخل التحرير والمطعم التركي يجد خلايا جماعية من فنانين وفنانات فطريين وبسطاء جدا يخلقون الجمال في كل شيء. كذلك كان للكاريكاتير حضور مهم أبرزه الفنان العراقي أحمد فلاح، كذلك لوحة الفنان باسم الشاكر التي كانت بعنوانها المستفز “حلال”. وتمثلتْ الرياضة بممارسة كرة القدم وكرة الطائرة والتزلّج وأيضاً نشاهد هناك من تقوم بتلوين أظافرها أو وضع أحمر شفاهها مستعينة بمرآة بزجاج التك تك كمرآة. أما عبوات المسيل وبوشات الرصاص فقد أصبحتْ قلائد يرتديها مراهقون وقد كتبوا لافتات على صدورهم “مسيل الدموع عطر الأبطال”. البالونات البيضاء: أسلوب ذكي جدا وواع عبّروا به عن سلميتهم تجاه الاتهامات الباطلة لهم من قبل السلطة الفاسدة حيث موجات من البالونات البيضاء تخترق سماء بغداد ليلا في جو ساحر لم يحصل مسبقا أبدا. وفي كربلاء كانت البالونات سوداء تأبينا للشهداء ورسالة مهمة توثق ما يحصل من مجازر بالرصاص الحي. الهاشتاغ: أقوى أسلحتهم هو “الهاشتاغ” يستخدمونه للتحريض وللمطالبات بإطلاق سراح المعتقلين والإعلام. وأهم نقطة التسقيط الساخر واللاذع للمسؤولين كما حدث في الحملة التي أطلقوها على الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء عبدالكريم خلف والذي أهانوه في هاشتاغ شهير “غرّد مثل خلف”. - نازل آخذ حقي: هذا الهاشتاغ رقم واحد والذي بدأ يغزو صفحات التواصل الاجتماعي بعد استئناف الانتفاضة. ليس حداداً على قتلى 1 أكتوبر بل ثأراً لدمائهم وإعلانا للحراك. حيث بدأ الجميع ينزّل البوست المميز عن اسمه وعمله ثم يختم بالهاشتاغ “نازل آخذ حقي”. طبعا هناك من كان مستقراً خارج العراق وجاء ليأخذ حقه وحق إخوانه العراقيين. هذه الجماعية وهذا الهيجان لم يحصل في أيّ تظاهرات سابقة. - ولد ثنوه: كي نعرف من هي “ثنوه” يجب أن نعرف صفاء السراي ابنها يتيم الأب، الشاب العصامي الذي لم يتعصب لشيء مثل تعصبّه للعراق. “ماكو أحد إيحب العراق ابكدّي” بهذه الثقة الحارة يصرخ صفاء في بوست له على صفحته. عندما استشهد صفاء نتيجة قنبلة أصابته على جسر الجمهورية ظهرتْ قيمته. ظهر فراغه الواسع. انفجر حبّه لوطنهِ بأصدقائهِ المقربين وكل من يعرفه ومن لا يعرفه. صفاء صار رمزا للعراق. وصار كل العراقيين أولاداً لـ”ثنوه”. ثنوه العظيمة التي ماتت بالسرطان. - منموت: هذا الهاشتاغ ردّده الكثيرون عندما يكتبون يومياتهم وهم يواصلون حراكهم تحت قنانل المسيل للدموع والغاز السام والرصاص الحي والمطاطي على جسر الجمهورية أو السنك أو الأحرار. كذلك في المواقف الإنسانية النبيلة التي تدعو للبكاء والتي جسّدتها أيقونات كل ما يُعرف عنها أنها عراقية. ولا يخفى ما يحمله من ثورية ورفض واستمرار الدم حتى آخر قطرة دم. - باقيين، قافليين: اشتهر أيضا كثيراً عند الاعتقالات والاغتيالات والتصريحات والإشاعات التي يبثها الذيول ومن يحاول ركب الموجة. - دم الشهيد هو القائد: هذا الهاشتاغ واضح وهو رد لمن يريد التفاوض من أجل المساومة والتسويف والمماطلة سواء من الكتل السياسية في السلطة أو من يحاول التدخل كوسيط للفاسدين، كذلك هو الرد القوي على البعض من شيوخ العشائر الذين ذهبوا للتفاوض من أجل الدولارات وداسوا على كل هذا الدم. - أتنفس غاز أتنفس غاز بأجر تتنفس حرية: هاشتاغ حار آخر يثبت صبرهم وجلدهم حتى تحقيق المطالب كاملة. فالحرية لها ثمن والثمن قد يطول مع هؤلاء الساسة لكنهم مستمرون ولن يتوقفوا حتى يتنفسوا هواء الحرية التي يصنعونها. - ارحل يا قاتل/حكومة القناصين: تصعيد آخر وإدانة أخرى تترجمها النشرة الضوئية في رأس المطعم التركي “لو إحنه..لو إنتو….!!”. 9- البث المباشر: مهمته توثيق الاعتداءات والانتهاكات التي لا تصرّح بها الفضائيات التابعة للسلطة وتضخّمها الفضائيات المعادية والتي لا تريد خيرا بالعراق. كذلك الاحتفالات والتأبين والأهم طلب الاستنجاد عندما تغير عليهم ميليشيات السلطة. 10 - التك تك: - الضغط مرّة أخرى: مثلما مارس المجتمع العراقي أشكال الضغط على شريحة الـ”PUBG” مارس المجتمع البغدادي تحديدا أشد الضغوطات على شريحة سائقي التك تك؛ لأنهم فقراء ومعدمون بكل بساطة. سائق التاكسي يكرههم ويتهمهم بقطع رزقه. الناس يرتابون من التعامل معهم بسبب ما يُشاع عنهم من سمعة غير صحيحة حول سلوكهم. شرطي المرور يكرههم كذلك ويحاول تغريمهم كون تكتكاتهم لا تحمل أرقاما. منهم من شارك في قتال داعش ونجا ومنهم من يسكن التجاوزات ومن يسكن برفقة عائلته في بيت صغير برفقة أربعة عوائل. واليتيم وتارك الدراسة لأجل أن يوفر قوته وقوت أهله في مدينة الثورة في بغداد. كل أولئك كانوا يعملون بالتك تك داخل المدينة فقط ولا يسمح لهم بالخروج للكثير من مناطق بغداد. عندما تحرّك جيل الــ”PUBG” بإطلاق الشرارة الأولى لانتفاضة أكتوبر هب جيش التكاتك لنجدة المصابين ولنقل المُعدّات والدعم. هبّوا هكذا مجرد كونهم عراقيين ومن يُقتلون عراقيون أيضاً. هبوا تدفعهم الغيرة والحميّة الجميلة لدى العراقي. هبّوا بينما كان الموظفون في دوامهم والكسبة في رزقهم وأصحاب السيارات يخافون تشغيل مكائن سياراتهم بسبب أمر من رئاسة مجلس الوزراء بحظر التجوال في بغداد قاطبة. هذا الحظر لم يكن سارٍيا على جيل البوبجي ولا سائقي التك تك وكان هذا هو الدرس الأول. درس في الغيرة ودرس في الإنسانية وبالتأكيد درس ضخم في كسر الأوامر والعصيان المدني ولا ننسى أنه أول درس كذلك في الموت لأجل الوطن.الموت لأجل الحريّة. - الجماعية مرة أخرى:مثلما كان البوجيّون جماعيين في العمل في ساحات الانتفاض كذلك أصحاب التك تك هم جماعيون وموزَّعُو الأدوار. كل واحد منهم لديه في التك تك الكمامات والبيبسي والخميرة والخوذ والكثير من المعدّات. ونجدهم متوزعين بين نقل المواد الغذائية ونقل مستلزمات المفارز الطبية ونقل الجرحى للمفارز والمستشفيات. كما أن الكثير منهم صارت لهم خبرة في الإصابات التي تستحق النقل للمشفى أم للمفرزة الطبية. بل بعضهم كان يعالج بعض الإصابات البسيطة بما يمتلكه من معدّات كونه مهنيا وميدانيا وغيورا على العراق وأهله أولا وأخيراً. - الغيرة والنخوة: عندما يؤجره الطالب المضرب عن الدوام لا يوصله فقط أين يريد بل يعرّفه كمرشد ثوري بأماكن الحراك (التحرير، السنك، الخلاني) وفي النهاية يرفض أخذ الأجرة بالتأكيد. كذلك تظهر جدا هذه النخوة في المواضع التي يصعب معها دخول المتظاهرين عندما يصبح الرصاص الحي والدخانيات والغاز السام بالمجّان. وربما هناك من قتل عندها سيدخل التك تك ويغامر في فوهات النار ويخرج الجثة أو يجد بها أنفاسا أخيرة فينقذها. كذلك الطبيبات والمسعفات والناشطات اللواتي يتم توصيلهن لبيوتهن عندما يبدأ عناصر الميليشيات بمراقبته لأجل خطف الطبيبة أو الصيدلانية أو الناشطة. عندها وبنباهة شماخر عراقي يقوم باللعب مع السيارة وتضليلها ثم يوصل من معه إلى بيتها من طريق آخر. - الفن والذوق والأخلاق: تك تك أحمر، تك تك أصفر، تك تك أسود، تك تك أبيض، هذه أهم الألوان المتوفرة حسب كثرتها بالتسلسل السابق. التك تك نظيف جدا، أما السائق فيحمل كاريزما خاصة بالملبس والتصرف والسلوك. أما القيادة العظيمة فقد وُجدتْ لأهل التك تك لا غير. أولئك الذين يطلقون صافرات الإسعاف وهم يسيرون بالجرحى بسرعة متفادين الكم الهائل من الناس والتكاتك والصبّات الكونكريتية بأسلوب أقرب إلى المعجزة في الشارع. 11- اللافتات - استقالة أو إقالة لا مهلة لحكومة القتلة: رغم الوضع الطبقي البسيط والوعي السياسي الفقير إلا أنه يقول كلاماً خطيراً. كلاما يصدم كل سياسي عراقي ويجعله يفكّر ألف مرة قبل أن يحاول التسويف أو المماطلة مرة أخرى كما كانت تنطلي اللعبة. سيكتب التاريخ أن دبابات الأميركان سلمتكم حكم العراق وسائق التك تك انتزعه منكم. وعيد واضح للفاسدين والقتلة بقلعهم ومحاكمتهم على كل قطرة دم. - الله محبّة: فلسفة أديان الهند والصين واليابان والديانات جميعا من إسلام إلى يهودية إلى مسيحية إلى مندائية إلى زرادشتية إلى أيزيدية كلها يختصرها بهذه العبارة. إنه سائق التك تك الذي يؤمن بالحب لغة في هذا العالم الذي يأكل بعضه بعضاً. بعدما كان “الله” لديهم مجرد شرطي أو قاتل لاستباحة دم الآخرين. الآخرين الذين لا يتفقون مع مصالحهم. - تذكّر دائما أنك قوي وقادر فقط لأنك عراقي: تأريخ حضاري كامل حي في هذه العبارة. إنها أشبه بمشروب طاقة يشربه المتظاهرون فيعودون أكثر شراسة وقوة في مشهد شعبي ضخم وفريد يصمدون بهتافهم الذي يصنعه جيل البوبجي: خاوه… الساتر ما ننطي……..!! 12 - الصورة هم يعلمون جيداً بأنّ الصورة أبلغ كثيراً في التعبير لذلك يستعملونها في التحريض وفي نقل رسائل الاطمئنان ونقل الحقيقة للعالم. 13 - البوست: يستعملونه للتوجيه أو للرد على أحد المصرّحين ضدهم وكشف الحقيقة وأيضاً كشف الذيول من خلال المحاججة وهنا يكون البوست مرفقا بسكرين شورت لمحادثات مثلا أو تعليقات أو منشور قديم. 14- اليوتيوبر عشرات القنوات بدأتْ تنزل على اليوتيوب يديرها يوتيوبر يقدّم فيها أيقونات الثورة والمشاهد التي تهز وتحيي الوطن في الناس وأيضا يقوم بدمغ الإشاعات التي يبثها ذيول الحكومة ولا ننسى ما للفنان الساخر من دور كبير في الوعي والدعم المعنوي تمثل بـ”أحمد البشير، أحمد وحيد، نجوم ولاية بطيخ، محمد القاسم…..”. 15 - السخرية والاستفزاز - الطاوة: وسط الأهازيج والأغاني الوطنية دائما ما تجد من يحملون الطاوات وهم يرقصون ويلوّحون بها بأيديهم. والطاوة هي سلاح مهم في البوبجي يُستخدم للإهانة فعندما تريد إهانة شخص تقتله بالطاوة وفي ذلك رسالة واضحة لإهانة السلطة وتهديد بإخراجهم واقتلاعهم وقتلهم بالطاوات. - الرقص: الشعور بالوطن والحرية التي بدؤوا يصنعونها تدعوهم للتعبير عن ذلك بالرقص وقد يأخذ هذا الرقص طابع الاستفزاز الكبير عندما يرقص أحدهم الرقصة الخاصة ببوبجي مستفزاً أفراد الشغب والميليشيات والذين يردّ الكثير منهم بالرصاص والقنابل. - السمّاعات: حيث تستعمل للأغاني وكذلك ما يتعلق بمسيرات الشموع الخاصة بالشهداء حيث تصدح بما يناسب المسيرة وأهم استخدام استفزازي لها هو استخدام من يُعرف في الوسط الفيس بوكي بــ”أبو حلاوة” الذي يستقر على المطعم التركي ليستهزئ بقوات الشغب ويسخر منهم متى ما يحب، “منوريين منوريين جماعة الشفت الصباحي…”. - الليزر: أسلوب استفزازي آخر ضمن الحرب النفسية على قوات الشغب حيث يتم توجيهه عليهم من منصّات المطعم التركي ليلا. - اللافتات: تكمن السخرية هنا في استعمال جمل احتجاجية مستفزة بعضها يتعلق باللعبة. - (البنك 900 وأنزل حاويات): البنك في اللعبة هو مقياس عكسي للنت أي كلما كبر قلّ النت، بمعنى آخر أن النت ضعيف جدا وأنا أنزل حاويات. الرسالة واضحة إننا لن نستلم. لن نتعب. لن نترككم. - إمكمبريين وعدنه AUUM 24: الكنبرة في لعبة البوبجي هي أن يختبئ اللاعب أو يستحوذ على مكان معيّن وينتظر عدوه لقتله. هنا بدأت فكرة المطعم التركي أو جبل أحد كما أسماه المتظاهرون. كمكان للكنبرة وبرج مراقبة عظيم حيث الشباب المرابطون عليه يرصدون كل تحرّكات قوات الشغب. والكنبرة تحسم الكيم دائما لذلك من المستحيل أن يترك الشباب الجبل هذا ما تقوله “بوبجي” ويفعله اللاعبون. - فد نفرين مسيل أبو الشغب: السخرية واضحة جدا. حيث صارت قنابل المسيل التي يُقتلون بها هي طبقهم المفضّل وصار شرطي الشغب مجرّد نادل تافه وصار الدم ماء يسقي هذه الأرض المقدّسة. - لسبانه أبو الشغب هكر طلع بوت:لكي نفهم العبارة يجب توضيح معنى “الهكَر” والـ”بوت” في لعبة بوبجي فالهكر هو اللاعب الذي لديه امتيازات خاصة بالقتال وبالتالي يكون قوياً جداً ولا يسلم منه أحد. أمّا الـ”بوت” فهو مختصر “روبوت” فعندما لا يكتمل عدد اللاعبين كـ”100” لاعب ينزل لاعبون لإكمال العدد على شكل روبوتات يتحكم فيهم نظام اللعبة لأجل استمرار الكيم وهذا البوت يكون ضعيفا جدا ويُقتلُ بسهولة والشائع أن يُوصَف اللاعب الضعيف بالبوبجي بالبوت. بمعنى أن “أبو الشغب” مجرد لاعب رديء، تافه، بوت. بل ذهبوا إلى أن السياسيين هم عبارة عن روبوتات يتحكم بهم المرشد كما يريد: جيل البوبجي هز عروشكم يا بوتات السياسة إلّه نكتلكم بالطاوه………! لهذه الدرجة يسخر الشباب. لهذه الدرجة يلعبون بثقة وسط هذا الموت المجّاني. - انتظر 900 حلقة انمي واتريدني أملّ..!: الأنيمشن أكثر الأفلام مجهودا مادياً وأكثرها مبيعات وبالتالي تصدر الـ50 حلقة والـ100 والـ500 والـ900 حلقة من مسلسلات الأنمي وهؤلاء الساسة يعوّلون على عامل الوقت ولسذاجتهم يعتقدون بأن هذا الجيل سيملّ وتنتهي احتجاجاته كالسابقين. عن أيّ ملل يتحدث هؤلاء..؟. عن أي ملل؟!! خصائص الحراك - الوطنية: منذ الـ2003 لم تحصل هكذا انتفاضة بهذه الوطنية الخالصة. فالمنتفض عراقي والدين عراقي والمذهب عراقي. كل شيء عراقي حتى العصافير التي ماتت مختنقة بالغاز السام كانت عراقية أيها العالم الأصم. هنا ابن المدينة وزوجته بنت الفلوجة وهيثم الذي لم يولد ولم ير العراق بعد يقفون في ساحة التحرير وفي بث مباشر ينعون المرحومة الطائفية شقيقة كل من عادل عبدالمهدي ونوري المالكي وهادي العامري والخزعلي والنجيفي…. “إني ابن المدينة وإني بنت الفلوجة ونازلين انطالب بحق ابنه هيثم”. - الكرّ والفر: أخذنا القاطع الأول من جسر السنك، أخذنا القاطع الأول من جسر الأحرار أخذنا الخلّاني. لا زال الشباب مرابطين على جبل أحد، أخذوا القاطع الأول، أخذنا القاطع الثاني، أخذوا الخلاني، هكذا تتوالى بوستات المتظاهريين. كنشرة أخبار ننتظرها على بيجاتهم وكروباتهم على الفيسبوك. - القيادة الجماعية: زمن صلاح الدين الأيوبي والرئيس المجاهد والقاهر والمعز انتهى اليوم المعركة تختلف، العالم يختلف. القيادة الهرمية انتهتْ، اليوم القيادة كخط مستقيم. الكل على تماس مع الخطر. الكل على تماس مع الموت. القيادة للتيمات. هناك من ينبّه بالصافرة التي يرتديها حول شخص مصاب ليأتيه أقرب تك تك، هناك من يحاول الاقتحام وهو يرتدي نصف برميل حديدي كدرع وخوذة، هناك من يقاوم من يرمي الرصاص وقنابل المسيل للدموع بالملوتوف، هناك من يتوجه للأحرار، وهناك من يرابط على ساتر الجمهورية، وهناك من يسند في السنك، وهناك من اعتقلوه قبل ساعة، وهناك من يستحوذون على سيارة للشغب كانت تقذف الماء الساخن بعدما هرب من يقودها، وهناك من يقطع الطريق والسير لتحقيق العصيان المدني التام، وهناك من يسقط بالرصاص الحي، وبالتأكيد هناك من يصوّر كل ما يحصل. - المناورة في الحراك: لأول مرة يحدث في العراق حراك بأسلوب مختلف ومغاير. بعدما كان العراقيون يتظاهرون لفترات داخل ساحة معينة ويقمعونهم أو يحتالون عليهم بوضع ممثل ينقل مطالبهم ثم يبيع دمهم تجاه أيّ مكسب تطرحه عليه حيتان الخضراء. اختلفتْ اللعبة هذه المرة بالكامل هناك من يتحركون على أكثر من جهة، هناك من يحاربهم على أكثر من جبهة، هناك من يحاصروهم داخل الخضراء ويكبرون، يتسعون، ليبتلعوا كل من يصدهم عن هدفهم. من أهم النصائح التي يُنصح بها في لعب الـ”PUBG“. - لا تبقى في مكان واحد: أحد أهم نصائح وحيل لعبة بوبجي أن لا تبقى في مكان واحد طوال الوقت فالكثير من اللاعبين لديهم موهبة القنص فسيتم قنصك عاجلا غير آجل من ذلك اللاعب الذي يترقب اللاعبين الثابتين الكاشفين عن أماكنهم. انتقل وتحرك ولا تظهر كهدف سهل لغيرك، اقتل واستمتع باللعبة ولا تكن جبانا، استخدم استراتيجية معينة، اركب المركبات، استهدف المباني، قم بقفل المباني التي تحتوي على لاعبين بالسيارة واقذف عليهم قنبلة يدوية وغيرها من الافكار لا تختبئ كثيرا. إنهم يلعبون أليس كذلك..؟ - الخطاب التنويري الواعي: تمثل هذا الخطاب بالمطالب المشروعة والحقة والتي علقوها على المطعم التركي والكثير من الساحات والتي من ضمنها “فصل الدين عن السياسة” بعدما شُوّه الدين وركبه الوصوليون لغرض المصالح. كذلك من المطالب المهمة “إعادة كتابة الدستور” المشكلة الأساس و”تشكيل قضاء نزيه ومستقل” صمّام أمان الفاسدين. وغير ذلك من رفض أيّ تفاوض مع السلطة إلا بطرف أممي. ولا ننسى اللافتات التي تواجهنا في التحرير والتي كانت تحت عنوان مدني جميل “تصرف صح”، “الأماكن المزدحمة خطرة على الأطفال”، لا تركض وتتدافع”، “حاول تبتعد بهدوء عن أماكن الخطر لأن هاي روحك وأرواح”، “نظافة المكان مسؤوليتك”. - الرأي العام والدولي: تمثل في دعم العراقيين الخلّص المغتربين الذي هربوا فترة حكم الدكتاتور أو فترة حكم هؤلاء الأوباش وأغلبهم هُجروا واُضطهدوا لا سيّما الأقليات. هؤلاء بما يحملونه من حنين لوطن حي وخبرة في المحاكم الدولية والإعلام الأممي نتيجة قضاياهم والانتهاكات التي تعرضوا لها قاموا بحملات ضخمة في إيصال ما يحصل في العراق. ناهيك عن دعمهم المادي فيما يصل من تبرّعات ونشاطهم على التواصل الاجتماعي. - الثقافة القانونية والدستورية: بدا ذلك واضحاً في خطاب العيّنات التي ظهرت بالإعلام من المتظاهرين كذلك الإصرار على العصيان المدني ومحاولة تطبيقه حتى تسقط هذه الحكومة ناهيك عن الوصول لمحكمة لاهاي الدولية وإقامة دعوى فيها على الحكومة العراقية بتهمة قتل المتظاهرين. - الثورة أنثى: نعم فالأنثى حية وحاضرة بقوة في منظمات المجتمع المدني والفيسبوك والإنستغرام وغروبات التواصل الاجتماعي والوسط الجامعي كل هذا كان مؤهلاً لدخولها لحضورها الطاغي في الانتفاضة بين التنظيف والطبخ والفن والمفارز الطبية والصيدلية، حضورها كناشطة مدنية ودورها في جمع التبرعات والدعم الكامل في الساحة. نساء شرسات واعيات أغضن السلطة فتعرضن للاغتيال والاختطاف والتعذيب كالرجال تماماً. - حضور جميع الطوائف العراقية: إذا ما وقفتَ أمام نفق التحرير ستجد الكثير من تخطيطات الكرافيك التي ترمز للشعب العراقي بالكامل من مسيحيين أو صابئة وأيزيديين وسنة وشيعة كذلك اللافتات المعروضة هناك واللافتات التي يحمها المتظاهرون خذ هذه مثلا “إني من سنة عمر، ومن شيعة علي، وأمي مريم العذراء”. هذا الشاب يصرخ بوضوح بأن السياسة والفقه الأصولي من صنعت هذه اللعنة التي تسمّى الطائفية. كذلك هو يغيضهم ويقول لهم “انتهت اللعبة” أما الشيء العظيم فهو مشاركات مسيحيي العراق ومندائيي العراق سواء في اللافتات أو المساعدات والحملات التطوعية. كل هذا لم يكن حاضرا بهذا الوضوح الصارخ في أيّ تظاهرات سابقة. - حضور كبار السن والأطفال: تمثل حضورهم بالمساعدة حيث رأينا الجنوبيات وهن يخبزن المسيّح في أروقة التحرير، ورأينا من يغسلن ملابس المتظاهرين، ورأينا من يضحك ويرقص برفقة المتظاهرين، ومن يتابع مباراة العراق وإيران، ومن يقرأ شيئا من القرآن على أرصفة طُرزتْ بالشموع وصور الشهداء، وهناك الأطفال من يحلمون بغد أفضل من يرفعون العلم العراقي، من يبكون عندما يسمعون النشيد الوطني في مشهد يهز العراقيين جميعاً. - حضور النجوم: تمثل هذا الحضور بالرياضيين العراقيين والفنانين والفنانات وأهم من حضر بقوة نجوم “ولاية بطيخ” كذلك حضور على الساحة الفنية “نصرت البدر، رحمة رياض، حسام الرسام، قيس هشام،….إلخ” الذين يصفهم الوسط الفني الأخلاقي بهذه الصفة “الفن الهابط” نعم هو هابط، هابط للقاع وللشارع. أخيراً كان هناك حضور مختلف لنجمٍ مختلف تمثل بنزول بيكاجو والذي هو يوتيوبر وجد في لعب البوبجي ربحاً جيدا من اليوتيوب وبالتالي كان له الكثير من المتابعين، ممّن يتواجدون في التحرير. يتضّح من كل ما سبق أن 25 أكتوبر بدأ حراكاً بسيطاً قدّمه جيل البوبجي من الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً بتأريخ 1 أكتوبر والذين حُصدوا بالقناص لندخل مرحلة أخرى فيتحول الحراك لانتفاضة شعبية عارمة تبتكر وسائلها للدفاع عن نفسها أمام قمع السلطات الساكت عنه هذا العالم الأصم، ثم ثورة تطرح مطالبها الواضحة، وبدأت تصنع رموزها الإنسانية والوطنية من الشهداء باعتبار أنهم القادة يمثلهم “صفاء ابن ثنوه”. كذلك هناك رموز مادية أخرى كجبل أحد المتمثل بالمطعم التركي وجبل شهداء التحرير المتمثل بجراج السنك وساحة التحرير والجسور والتك تك وكل ما يتعلّق بالشهداء من ملابس وخوذ وأحذية. والمهم هو أنها ثورة وعي كامل قلبتْ الكثير من المفاهيم والقيم والمبادئ بل عرّتها بالكامل لتتفق على خطاب واحد ثابت: نريد وطناً.
مشاركة :