قراءة في تقرير التنافسية العالمية 2019

  • 1/12/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. علي توفيق الصادق* قدم المنتدى الاقتصادي العالمي مؤشر التنافسية العالمية الجديد 4.0 في العام 2018 كبوصلة جديدة متاحة للدول في قياس محركات التنافسية على المدى الطويل، في ظل العولمة والثروة الصناعية الرابعة. يصنف تقرير 2019 للتنافسية العالمية 141 دولة وفقاً لمؤشر التنافسية العالمية -4. الحد الأقصى للمؤشر يبلغ 100 نقطة. بلغ متوسط المؤشر لجميع الدول التي شملها التقرير 61 نقطة، أي أقل من الحد الأقصى ب 39 نقطة، الأمر الذي يدل على إمكانية رفع القدرات التنافسية للدول. الدولة التي حصلت على أعلى النقاط (84.8) واحتلت المرتبة الأولى هي سنغافورة، تلتها الولايات المتحدة بنقاط بلغت (83.7)، واحتلت هونج كونج المرتبة الثالثة بنقاط بلغت (83.1)، والمرتبة الرابعة احتلتها هولندا ب (82.4) نقطة، والمرتبة الخامسة احتلتها سويسرا ب (82.3). شمل التقرير 14 دولة عربية، مراتب ونقاط الخمس الأوائل هي: الإمارات (مرتبة 25 ونقاط 75)، قطر ( 29 و72.9)، السعودية (36 و70)، البحرين (45 و65.4)، والكويت (46 و 65.1 )، و عمان (53 و 63.6). واضح أن الإمارات احتلت المرتبة الأولى على المستوى العربي، وأن كلاًّ من الأردن، والمغرب، وتونس، ولبنان، والجزائر، ومصر، وموريتانيا، واليمن حصلت على نقاط أقل من المتوسط العالمي البالغ 61 نقطة. يتكون المؤشر من نحو 110 متغيرات، يأتي ثلثاها من استطلاع آراء مديرين تنفيذيين، هو «استطلاع الرأي التنفيذي»، وهو عبارة عن مسح لعينة تمثيلية من قادة الأعمال في 142 دولة، زاد عدد المجيبين على ثلاثة عشر ألف مدير تنفيذي. و يأتي الثلث الأخير من مصادر متاحة للجمهور مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. يتم تصنيف المتغيرات في اثني عشر ركناً كلٌّ منها يمثل مجالًا محدداً مهماً للقدرة التنافسية هي: 1- المؤسسات، 2- البنية التحتية المناسبة، 3- إطار الاقتصاد الكلي المستقر، 4- صحة جيدة والتعليم الابتدائي، 5- التعليم العالي والتدريب، 6- أسواق السلع الفعالة، 7- أسواق العمل الفعالة، 8- الأسواق المالية المتقدمة، 9- القدرة على تسخير التكنولوجيا الحالية، 10- حجم السوق - المحلي والدولي، 11- إنتاج سلع جديدة ومختلفة باستخدام عمليات الإنتاج الأكثر تطوراً، وأخيراً 12-الابتكار. يبين مؤشر التنافسية العالمية -4 أن معظم الاقتصادات لا تزال بعيدة عن القدرة التنافسية المثالية (100)، عبر جميع عوامل التنافسية. كما أن الأداء هو أيضاً مختلط عبر الأركان ال 12 من المؤشر. و يشير التقرير إلى أن البنوك المركزية (الفيدرالي الأمريكي، والأوروبي، والبريطاني، والياباني) ضخت حوالي 10 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي في 10 سنوات منذ الأزمة العالمية، ولكن الإنتاجية لم تعزز؛ لأن الاستثمارات في البنية التحتية الجديدة، والبحث والتطوير، وتنمية المهارات في القوى العاملة الحالية والمستقبلية كانت دون المستوى الأمثل. ويلاحظ التقرير أن السياسة النقدية فقدت قوتها في ظل أسعار فائدة تلامس الصفر أو سالبة. في ضوء ذلك، من الضروري أن تعتمد الحكومات على السياسة المالية، والإصلاحات الهيكلية، والحوافز العامة، بتخصيص المزيد من الموارد نحو مجموعة كاملة من العوامل التي تزيد الإنتاجية؛ للاستفادة الكاملة من الفرص الجديدة التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة. حدد تقرير التنافسية العالمية 2019 قضيتين مهمتين للعمل على تحقيقهما في العقد 2020-2029 هما: بناء الرخاء المشترك وإدارة الانتقال إلى اقتصاد مستدام. يؤكد التقرير أن تعزيز القدرة التنافسية لا يزال المفتاح لتحسين مستويات المعيشة، كما أن النمو الاقتصادي المتواصل هو الطريق الحاسم للخروج من دائرة الفقر ومحرك أساسي للتنمية البشرية. في الواقع، هناك أدلة دامغة على أن النمو الاقتصادي يجسد الطريقة الأكثر فاعلية لانتشال الناس من الفقر وتحسين نوعية حياتهم. ومع تطور الاقتصاد ونموه تميل الأجور إلى الزيادة، ومن أجل الحفاظ على ارتفاع الأجور يجب تحسين إنتاجية العمل حتى تكون الدولة قادرة على المنافسة. بالإضافة إلى ذلك فإن مؤشر التنافسية العالمية -4 صنف إنتاجية البلدان المشمولة في المؤشر في ثلاث مراحل محددة: في المرحلة الأولى من مراحل التنمية القائمة على عوامل الإنتاج (العمل ورأس المال)، تتنافس البلدان على أساس ما يتوفر لها من عوامل الإنتاج، وخاصة العمالة غير الماهرة والموارد الطبيعية. تتنافس الشركات على أساس الأسعار وتبيع المنتجات أو السلع الأساسية. وتتسم هذه المرحلة بانخفاض إنتاجية العمل التي تنعكس في الأجور المنخفضة. للحفاظ على القدرة التنافسية في هذه المرحلة من التنمية، تتوقف القدرة التنافسية بشكل رئيسي على المؤسسات العامة والخاصة التي تعمل بشكل جيد (الركن 1)، والبنية التحتية المناسبة (الركن 2)، وإطار الاقتصاد الكلي المستقر (الركن 3)، والصحة الجيدة والتعليم الابتدائي (الركن 4). ترتفع أجور العمال مع تقدم التنمية و تنتقل البلدان إلى مرحلة التطوير الثانية القائمة على الكفاءة، عندما يتعين عليها البدء في تطوير عمليات إنتاج أكثر كفاءة وزيادة جودة المنتج. عند هذه النقطة، تصبح القدرة التنافسية مدفوعة على نحو متزايد بالتعليم العالي والتدريب (الركن 5)، وأسواق السلع الفعالة (الركن 6)، وأسواق العمل الفعالة (الركن 7)، والأسواق المالية المتقدمة (الركن 8)، والقدرة على الاستفادة من التقنيات المتوفرة (الركن 9)، وحجم السوق المحلي والدولي (الركن 10). أخيراً، مع انتقال البلدان إلى المرحلة الثالثة التي تحركها الابتكارات، لا يمكنها سوى تحمل أجور أعلى ومستوى معيشة أعلى إذا كانت شركاتها قادرة على المنافسة من خلال توفير منتجات جديدة أو فريدة من نوعها. في هذه المرحلة، يجب على الشركات التنافس من خلال إنتاج سلع جديدة ومختلفة باستخدام عمليات الإنتاج الأكثر تطوراً (الركن 11) ومن خلال الابتكار (الركن 12). نستخلص من العلاقة بين مراحل التنمية والمنافسة العالمية أن تأثير كل ركن على القدرة التنافسية يختلف باختلاف البلدان وتطورها. ونذكر في هذا السياق أن قابلية التعويض بين ال 12 ركناً المذكورة أعلاه غير متوفره. فالنظام المالي السليم لا يمكن أن يعوض عن ضعف البنية التحتية المادية، تماماً مثل اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يمكن أن يعوض عن عدم وجود نظام بيئي للمبادرة والابتكار. يجب على الدول اتباع جميع السبل ال 12 ركناً، ولكن إنشاء استراتيجية التسلسل الخاصة بها لتحقيق التوازن بين الجهود وتركيزها، مع الاستفادة من رأس المال والتكنولوجيا الأرخص. كما يقول المثل، «إصلاح السقف بينما تكون الشمس مشرقة» *مستشار اقتصادي

مشاركة :