غداً «الاثنين» هو موعد الاجتماع الأخير بين الأطراف الثلاثة في قضية سد النهضة «مصر والسودان وإثيوبيا» والذي سيعقد في واشنطن لتقييم الموقف بعد أربعة اجتماعات عقدت بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، لم توفق حتى الآن في التوصل إلى التوافق المطلوب الذي ينهي أزمة سد النهضة ويحقق مصالح كل الأطراف. البيان الذي صدر عن القاهرة بعد اللقاء الرابع قبل أيام كان واضحاً في تحديد المسؤولية عن عدم التوافق حتى الآن، قالت مصر إنها قدمت مقترحات ودراسات محددة تضمن لإثيوبيا توليد الكهرباء باستمرار وكفاءة، وتضمن في الوقت نفسه ألا تضار مصالح مصر، خاصة في أوقات الجفاف التي قد تمتد لسنوات متتابعة، والتي تتطلب إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي والحد من الأضرار التي تلحق بمصر. وبالتأكيد فإن مصر لا يمكن أن تكون قد ذهبت للاجتماع الأخير «من دون نية التوصل للاتفاق» كما قال وزير المياه الإثيوبي!! فمصر هي التي بذلت كل الجهود من أجل التفاوض الذي كانت تتهرب منه إثيوبيا، وهي التي سعت من أجل مشاركة أطراف دولية محايدة في المباحثات من أجل المساعدة على حل الأزمة. ولا شك أن الجهود سوف تستمر للتوصل للاتفاق قبل الموعد المحدد في منتصف هذا الشهر، وأن التواجد الأمريكي في المباحثات يفرض العمل على إنجاح المحادثات وتفادي تعقيد أزمة سيكون لها عواقبها الوخيمة في منطقة لا تحتاج للمزيد من الصراعات. مصر تدير الأزمة منذ يومها الأول وهي لا تفتعل المشكلات ولا تطلب إلا حقوقها وما تقرره الشرائع والقوانين، ومصر التي تتعامل مع مياه النيل على أنها قضية حياة بالنسبة لها، تعرف في الوقت نفسه أن ما بينها وبين دول حوض النيل من أواصر الصداقة والتاريخ المشترك كفيل بحل كل المشكلات بما يحفظ مصالح الجميع. الشيء نفسه يحدث على كل جبهات الصراعات المفتوحة التي تتصل بمصالح مصر العليا وأمنها القومي، في عهود أخرى كان الخطر الذي يتهدد مصر يأتي من حدودها الشرقية وكانت سيناء هي جبهة المواجهة الأساسية، الآن تتعدد المخاطر وتتعدد المهام التي لا تستطيع مصر أن تتوانى في القيام بها لحماية حدودها البحرية وثرواتها في البحر المتوسط من الغاز بعد أن بدأت بشائر الخير تأتي في حقولها البحرية ومعها تأتي المطامع والخلافات، ويأتي أردوغان بحماقاته التي قد تشعل حروب الغاز في شرق المتوسط. وفي البحر الأحمر ومع بداية الاستكشافات الجديدة في مياهه والتعاقد مع أربع شركات عالمية للتنقيب عن الغاز في المياه المصرية، يزداد عبء الحماية المطلوبة، خاصة مع المخاطر التي تمثلها الأوضاع في اليمن وتواجد العصابات الإرهابية والمطامع التركية والإيرانية في مداخل البحر الأحمر والساحل الشرقي الأفريقي، وبين المتوسط والبحر الأحمر تأتي المهمة الأساسية لمصر في تأمين الملاحة في قناة السويس. أما الجبهة الغربية المشتعلة في ليبيا الشقيقة، فموقف مصر الحاسم لا يحتمل المساومة، كما لم يحتمل المهادنة مع فصائل الإرهاب الإخواني - الداعشي التي أرادت في فترة سابقة أن تتخذ من الحدود مع ليبيا نقطة انطلاق لعملها الإرهابي داخل مصر، فكان التحرك الذي أمن الحدود وضمن الاستقرار وطهر شرق ليبيا من عصابات الإرهاب. قدر مصر - على مدى التاريخ - أن تتحمل المسؤولية، وأن تكون على الدوام مستعدة لحماية أمنها القومي، وأن تكون مستهدفة لأن أعداءها وأعداء الأمة يدركون أنها «الجائزة الكبرى» وأن أمن المنطقة وسلامة الوطن العربي مرتبط بأمنها وسلامتها. مصر التي سحقت الإرهاب على أرضها عرفت كيف تضربه عندما اقترب من حدودها وفي الوقت نفسه كانت تبني أسطولها الشمالي في المتوسط وأسطولها الجنوبي في البحر الأحمر، وتضيف لقدراتها العسكرية ما يضمن أمنها، لكنها لم تكن أبداً إلا داعية للسلام والاستقرار ولبناء أواصر الصداقة التي تحمي أمنها القومي وتحقق مصالح كل الشركاء. على الجبهة الغربية تتواصل جهود مصر من أجل استقرار ليبيا ووحدة أراضيها، تدعم جيشها الوطني وترفض كل تدخل أجنبي، وتؤكد على الدوام أن الطريق للحل السياسي الذي ينهي أزمة ليبيا لا بد أن يمر بضرب عصابات الإرهاب وترك مصير ليبيا لشعبها وجيشها الوطني. وفي أزمة سد النهضة.. لم تطلب مصر إلا احترام حقوقها والالتزام بالمواثيق وقواعد القانون الدولي، اعترفت بحق الجميع في التنمية، وفتحت الأبواب أمام تعاون يصب في مصلحة كل شركاء التاريخ والمصير على نهر النيل. أصرت على التفاوض - وما زالت - سبيلاً للوصول إلى تفاهمات تحقق مصالح كل الأطراف. طالبت - منذ البداية - بوجود أطراف دولية مستقلة في المفاوضات لتكون قواعد القانون الدولي هي الحاكمة، ولتنهي لعبة إضاعة الوقت أو محاولات فرض الأمر الواقع التي لا يمكن أن تجدي في قضايا تمس حياة الشعوب. فلنأمل أن تنتصر الحكمة، فالمنطقة ليست في حاجة للمزيد من الأزمات!!طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :