الجزائر تحتفي بالسنة الأمازيغية وسط جدل حول الهوية الوطنية

  • 1/13/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

احتفلت الجزائر الأحد برأس السنة الأمازيغية وسط جدل كبير حول مسألة الهوية الوطنية، لاسيما في ظل التضارب بين مواقف السلطة، في التعاطي مع البعد الهوياتي سياسيا وثقافيا. وفيما تخصص الدولة احتفالات رسمية للمناسبة، يجري تجريم رفع الراية الأمازيغية في الاحتجاجات، وقد زجت بالعشرات من أصحابها في السجون، بدعوى تهديد الوحدة الوطنية. ووجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وقيادة العسكر، رسائل تهنئة للجزائريين بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، لكنه لم يصدر أي قرار عفو عن سجناء الراية الأمازيغية كما كان منتظرا. وخصصت الحكومة الجزائرية تظاهرات رسمية للاحتفاء برأس السنة الأمازيغية، في مختلف المؤسسات والهيئات المركزية والمحلية، تنفيذا لتشريع دستوري أدرج في تعديلات عام 2016، يعتبر الثاني عشر من شهر يناير من كل عام، عيدا وطنيا وإجازة مدفوعة الأجر، فضلا عن إطلاق أكاديمية وطنية للنهوض باللغة الأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب العربية. ومع ذلك يلف المسألة لغط كبير في البلاد، نتيجة تضارب مواقف السلطة في التعاطي مع المكون الأمازيغي في الهوية الوطنية، بعد الأحداث التي فضت إلى توقيف وسجن العشرات من نشطاء الحراك الشعبي والهوية الأمازيغية، بدعوى رفع الراية الأمازيغية في المسيرات والمظاهرات الشعبية المستمرة في البلاد منذ نحو عام كامل. وأثار الشحن الهوياتي على شبكات التواصل الاجتماعي، المفتعل من طرف دوائر معادية للمكون الأمازيغي، والمدافع عن ثنائية العربية والإسلام، ردود فعل قوية من طرف الشارع، وأدرجه ناشطون وسياسيون في خانة مناورات السلطة من أجل تفكيك الحراك الشعبي، وبث الشقاق بين أفراد المجتمع الواحد، رغم ما للخطوة من مخاطر على التماسك الداخلي. وإن لم تتبن السلطة المقاربة المذكورة بشكل علني، إلا أنها لم تتبرأ من الدوائر التي تقف وراء تلك الحملة، والمدعومة من طرف نخب سياسية وإعلامية، لم تتوان في إلحاق صفة ” الخيانة والعمالة ” بالعنصر الأمازيغي، تحت مسمى “الزواف”، ولم تتدخل لتهدئة النفوس أو معاقبة المتسببين في ذلك، بالشكل الذي تتدخل به في قمع معارضيها في الاحتجاجات السياسية من عموم الجزائريين أو من الأمازيغ. وحولت الحملة العدائية، تهمة “الزواف” إلى مرادف لمنطقة القبائل وسكانها، رغم أن تاريخيا يشهد لها بالانخراط القوي والواسع في ثورة التحرير (1954 – 1962)، حيث كانت رائدة في الجبهتين الميدانية والقيادية واحتضنت أول مؤتمر للثورة (الصومام 1956)، ومع ذلك لم يشفع لها ذلك لدى الحملة المذكورة. وجرى توظيف “فصيل الزواف المسلح”، الذي أنشأته تركيا العثمانية بالمنطقة في آخر سنوات تواجدها بالجزائر، وعبأته السلطة الاستعمارية مطلع الاحتلال لقمع المقاومة المحلية للاستعمار، من أجل أن يكون بصمة خيانة وعمالة للخارج. وهو طرح أيدته نخب سياسية وإعلامية ذهبت لتنظيم لقاء سري في مدينة مستغانم بغرب البلاد خلال الأشهر الماضية، من أجل وضع مخطط عرف بـ”جزائر زيرو كابيل (صفر قبائل)”، لتجريد البلاد والمؤسسات الرسمية من العنصر الأمازيغي. وتقف حملة إلكترونية منظمة على شبكات التواصل الاجتماعي وراء افتعال جدل هوياتي غير مسبوق في البلاد، وصل إلى حد تصعيد اللهجة وتغذية خطاب مشحون بين العرب والأمازيغ، وإعادة مسائل تقع في صلب النقاش الأكاديمي والتاريخي إلى التداول الشعبي وعلى نطاق واسع، لكن قوى الحراك الشعبي تفطنت للمناورة برفع شعارات الوحدة والتماسك في العديد من المسيرات الشعبية بالعاصمة ومختلف مدن البلاد. ويرى مختصون في القانون، أن السلطة ارتكبت خرقا كبيرا للقانون، لما حولت رفع راية الهوية الأمازيغية إلى فعل يعاقب عليه صاحبه، بينما التشريعات والنصوص الناظمة في البلاد، لا تحتوي على نص يعاقب على رفع راية ما غير الراية الوطنية الرسمية. وجرى تكييف جرم هؤلاء بتهمة تهديد الوحدة الوطنية، فضلا عن عرقلة تنقل سكان منطقة معينة (القبائل) إلى العاصمة يومي الثلاثاء والجمعة، رغم أن الدستور يكفل للجزائري حرية التنقل في بلاده إلا في الحالات الاستثنائية التي ينصّ عليها مسبقا قرار قضائي. وأمام خطورة الشرخ الذي افتعلته السلطة طيلة الأشهر الماضية في صفوف المجتمع، بادر الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، بإرسال رسائل غزل إلى الشارع القبائلي، بمجرد اعتلائه كرسي الرئاسة، حيث عبر عن أسفه لعدم زيارة محافظتي تيزي وزو وبجاية خلال الحملة الانتخابية، كما استقطب عددا معتبرا من الوجوه والشخصيات المحسوبة أو المنحدرة من المنطقة، في طاقمه الإداري برئاسة الجمهورية، أو في حكومة عبدالعزيز جراد. واستغرب ناشطون أمازيغ المكاييل المتعددة للسلطة في التعاطي مع مسألة الهوية الأمازيغية، ففيما يتم إطلاق ألوان الراية الأمازيغية ليلا على كبرى مباني العاصمة، كالبريد المركزي ومقام الشهيد، ومغازلة الشارع القبائلي باستقطاب وجوه منه لطواقم السلطة الجديدة، لا يزال العشرات من رافعي الراية الأمازيغية قابعين في السجون بتهمة لا ينص عليها أي قانون من قوانين البلاد. وأشار الناشط غيلاس أجراد من البويرة (120 كلم شرقي العاصمة) لـ”العرب” إلى أن “الحراك تفطن لكل مناورات السلطة ولا يرضى إلا برحيل السلطة القائمة وتحقيق تغيير سياسي شامل في البلاد، وأن الجزائريين شعب واحد لا يفرقه أحد”.

مشاركة :