تترقب دول العالم بحذر توقيع الولايات المتحدة والصين لاتفاق تجاري ينهي الحرب التجارية الدائرة بينهما منذ العام الماضي والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي الذي يعاني من التباطؤ وضعف النمو. ودخلت الصين وأميركا مؤخرا في هدنة من أجل إعلان توقيع هذا الاتفاق لإنهاء الحرب وسط ارتفاع المخاوف في غياب الضمانات التي سيخرج بها الطرفان وإمكانية فتحها لأزمات أخرى على الاقتصاد العالمي. ويشكل توقيع الصين والولايات المتحدة الأربعاء اتفاقا تجاريا انتصارا سياسيا لدونالد ترامب، لكنه ورغم إيجابيته، يأتي وسط مرارة من آثار النزاع التجاري السلبية على أول قوتين اقتصاديتين في العالم. ويرى إدوارد ألدن الخبير في السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية أن “الإشكاليات الجوهرية بين الطرفين لا تزال معلقةً”. ومن شأن هذه الهدنة في الحرب التجارية طمأنة الأسواق التي شهدت في 2018 و2019 الكثير من الاضطرابات بسبب تبادل التهديدات وموجات من فرض الرسوم الجمركية، مقابل مبادرات للتهدئة في الوقت نفسه أربكت الأسواق. ويمكن لهذا الهدوء أيضا أن يحفز الاقتصاد الأميركي، إذ يزيل الشكوك ويعزز ثقة المستهلكين الذين يعتبرون المحرّك التقليدي لنمو الولايات المتحدة. وقد تساعد هذه التهدئة أيضا على إنعاش استثمارات الشركات التي تباطأت بشدّة في عام 2019 بسبب عدم اتضاح صورة لحلّ النزاع التجاري. تباطأ نمو الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام الحالي إلى ما يقارب أدنى مستوياته خلال ثلاثين عاما وتشير البيانات إلى أن المزارعين الأميركيين، تضرروا بشدة من الحرب التجارية. وقد أعلن ترامب عن خطة لدعم القطاع الزراعي بمقدار 16 مليار دولار خلال العام الحالي. ومن المتوقع أن تضطر الصين إلى اتخاذ خطوات مماثلة لدعم اقتصادها في أعقاب ظهور مؤشرات على تباطؤ النمو في ظل الحرب التجارية. وتكبدت الأسهم الآسيوية خسائر كبيرة أمس، حيث تراجع مؤشر نيكاي الياباني بأكثر من 2 بالمئة وبلغ متوسط خسائر الأسهم الأوروبية نحو 1.6 بالمئة. وتسعى باريس إلى قيادة الجهود الأوروبية لنزع فتيل هذه المشكلة التي يتوقع محللون أنّ الاتفاق مع الصين سيتحول إلى جبهة الصراع مع أوروبا مما يزيد من تعقيد الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي. وبخصوص ضمانات الخروج من الحرب ومعالم التسوية أكد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو أن الولايات المتحدة تحصّلت على الكثير من التنازلات. وتقول واشنطن إن النص يتضمن مكاسب على مستوى نقل التكنولوجيا الذي تفرضه الصين على الشركات الأجنبية المتمركزة بها، بالإضافة إلى تقدم على مستوى فتح الأسواق الصينية بشكل أكبر أمام شركات القطاع المالي. وينص أيضاً على أن تشتري بكين بضائع أميركية إضافية لمدة عامين، بقيمة أعلى عن 200 مليار دولار من التي اشترتها من الولايات المتحدة في عام 2017، بينها ما يساوي 50 مليار دولار من البضائع الزراعية. وفي مقابل الالتزامات الصينية، تتراجع إدارة ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على الصين وتخفض للنصف تلك التي فرضت في سبتمبر الماضي على ما يساوي 120 مليار دولار من البضائع الصينية ويشير أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل إسوار براساد إلى أن الرئيس “سحب بعض التنازلات من الصين ومن شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة، لكن مقابل ثمن باهظ على الاقتصاد الأميركي”. ويعد الاقتصاد الصيني أكبر محرك للاقتصاد العالمي والذي شهد تراجعا في ظل زيادة تأثير الحرب التجارية المتصاعدة على الشركات والمستهلكين، التي امتدت آثارها لتصل إلى إصابة الاقتصاد الألماني بالانكماش. وأقرت الحرب التجارية على الاقتصاد الألماني الذي سجل انكماشا، في الربع الثالث من عام 2018 ودخل في ركود في الربع اللاحق. وتباطأ نمو الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام الحالي إلى ما يقارب أدنى مستوياته خلال ثلاثين عاما عند 6.2 بالمئة وظلت الثقة في مجال الأعمال متزعزعة مما أثر سلبا على الاستثمارات. وللتخفيف من الخسارة في القطاع الزراعي، اضطرت إدارة ترامب إلى الإفراج عن مساعدة مالية بقيمة 28 مليار دولار للقطاع بين عامي 2018 و2019. وتجاوز نسق تبعات هذه الحرب التجارية قطاع الصناعة الذي دخل بدوره في حالة انكماش منذ أوت الماضي. ويشير إدوارد ألدن إلى أن “الأضرار كانت كبيرة والتزامات الشراء الجديدة لا تكفي لإصلاحها”. ولا يتوقع براساد أن تتنازل بكين أمام المطالب الرئيسية لإدارة ترامب خصوصاً في مجال تخفيض الإعانات الحكومية الكبيرة للشركات. ونسبت وكالة فرانس براس لمصنعين صينيين قولهم ”لا نخفي تخوفنا من أن يكون الاتفاق المرتقب مجرد مناورة جديدة من الرئيس ترامب”. ويبدو أن الشركات الصينية غير مستعدة للمخاطرة، إذ تمضي قدما في وضع خطط طوارئ في حال تجددت حرب الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم. وحتى مع امتناع واشنطن في ديسمبر الماضي عن فرض رسوم جمركية عقابية جديدة على البضائع الصينية، فإن الشركات العاملة في الصين لا تزال تعاني من الرسوم المفروضة سابقا والتي أدت إلى تراجع الطلب. وبالنسبة للخبيرة الاقتصادية في بنك “أي.أن.دي” إيريس بانغ فإن خفض الرسوم الجمركية لن يفيد على الأرجح سوى “مجموعة محدودة جدا من المصدّرين”. وثمة توترات على جبهات أخرى، خصوصا التكنولوجية، مع واشنطن التي تفرض عقوبات على عملاق الاتصالات الصيني هواوي. وقالت بانغ “يبدو أن الأمور تتجه إلى تصعيد في الحرب التكنولوجية ” إذ “لم يعد الأمر محصورا في حرب اقتصادية، بل هناك مقاومة عامة لتطوير الصين تكنولوجيا متقدمة”.
مشاركة :