هل باتت الولايات المتحدة غارقة في وحل تعاطي المخدرات؟ إذا طرحت هذا السؤال على معظم الناخبين الأمريكيين العاديين، فلربما تكون الإجابة "نعم". مع ذلك، فإن الأعوام القليلة الماضية ولدت تيارا من العناوين الرئيسة حول الآثار المأساوية لوباء الأفيون، إذ يموت نحو 130 أمريكيا كل يوم من جرعات زائدة من مواد أفيونية في 2018 و2019. دونالد ترمب غالبا ما يعارض بشدة كارثة تعاطي المخدرات، لكنه يميل إلى إلقاء اللوم على الواردات من أماكن مثل المكسيك أو الصين. في الشهر الماضي، انخرط مكتب التحليل الاقتصادي في أمريكا - وهو جهاز من الحكومة يجمع البيانات الرسمية - في المعمعة. وقد تفاجئ استنتاجاته حول اتجاهات المخدرات بعض المراقبين. أولا خلفية بسيطة. حتى وقت قريب إلى حد ما، افترض إحصائيون حكوميون أن مهمتهم هي تسجيل النشاط الاقتصادي القانوني الملحوظ "مثل إنتاج مصنع". صندوق النقد الدولي حثهم منذ فترة طويلة على توسيع نطاق العدسة. منذ عام 2014، شجعت "يوروستات" هيئة الإحصاء الرسمية، الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إدراج بعض الأنشطة غير القانونية - من تجارة المخدرات إلى تهريب التبغ - ضمن ناتجها المحلي الإجمالي. حتى الآن، اتخذ الإحصائيون الأمريكيون نهجا أكثر تشددا. "مكتب التحليل الاقتصادي لا يدرج حاليا نشاط السوق غير القانوني، بسبب التحديات في بيانات المصدر وتقاليد تصورية مختلفة"، كما أوضحت ريتشيل سولوفيتشيك، خبيرة الاقتصاد في مكتب التحليل الاقتصادي، في بحث قدمته خلال مؤتمر لصندوق النقد الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. المشكلة الواضحة في تتبع النشاط غير القانوني هي أنه من الصعب التقدير في شأنه، بثقة. سولوفيتشيك قدرت ما يمكن أن يحدث إذا أدرج مكتب التحليل الاقتصادي نشاطا غير قانوني في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، من خلال جمع كل مصادر البيانات المتاحة حول التجارة غير القانونية وسرقة الشركات في الولايات المتحدة. على المستوى الكلي، فإن الآثار المترتبة على هذه العملية التجريبية ليست مهمة: إذا تم إدراج أنشطة غير قانونية، سيبدو أن إجمالي الناتج المحلي أكبر بنحو 1 في المائة. استنادا إلى أرقام "يوروستات"، يشير هذا إلى أن القطاع غير القانوني أكبر قليلا في الولايات المتحدة منه في بعض البلدان الأوروبية، لكن ليس إلى حد كبير. تصنيف الفئة هو المثير للاهتمام حقا. أكبر فئة غير قانونية في التجارة هي المخدرات، التي قدرتها سولوفيتشيك أنها بمبلغ ضخم من الإنفاق عند 111 مليار دولار في عام 2017. مع ذلك، مستويات الإنفاق قد تغيرت بشكل حاد مع مرور الوقت. في الخمسينيات من القرن الماضي، كان الإنفاق على المخدرات ضئيلا مقارنة بالإنفاق الإجمالي في تجارة التجزئة، لكنه ارتفع بعد ذلك بحدة: في السبعينيات من القرن الماضي، كانت عمليات شراء الهيروين تعادل على ما يبدو 3 في المائة من إجمالي إنفاق المستهلك، بينما كانت النسبة للماريجوانا 1 في المائة. وفي الثمانينيات، ارتفاع شعبية الكوكايين، ما دفع الإنفاق على المنشطات غير القانونية إلى نسبة رهيبة تبلغ 3.5 في المائة. بعد ذلك، انخفض الإنفاق على معظم المخدرات غير القانونية، كجزء من إجمالي إنفاق المستهلك، بحدة، لدرجة أصبح الآن أقل من 0.5 في المائة. الاستثناء الوحيد لهذا الانخفاض هو الماريجوانا: انخفضت في التسعينيات، لكن ارتفعت قليلا منذ ذلك الحين إلى ما يزيد قليلا على 0.5 في المائة فقط. قد يكون أحد التفسيرات لهذه الاتجاهات هو انخفاض الاستهلاك نفسه، وهناك تقارير تفيد بأنه بالنسبة إلى بعض المخدرات، مثل الكوكايين، يعد هذا عاملا. قد يكون تفسير آخر هو أن مخدرات الأفيون الموصوفة قانونا قد استبدلت أحيانا بالهيروين غير القانوني، بينما أصبحت الماريجوانا مرخصة جزئيا. السبب الرئيس، وفقا لسولوفيتشيك، هو الانخفاض الكبير في الأسعار النسبية للأدوية بين عامي 1980 و1990؛ في الواقع كان انهيار الأسعار دراماتيكيا لدرجة أنها "قد تبدو غير معقولة للوهلة الأولى"، كما تلاحظ. مع ذلك، يبدو هذا الانكماش حقيقيا، ويعكس كلا من فاعلية المخدرات العالية وزيادة العرض وسهولة الوصول. بعبارة صريحة "دون قصد التورية"، على مدى العقود الأخيرة، انغمس الأمريكيون في ذلك، حتى قبل التقنين الجزئي الأخير للماريجوانا. وهذا يعكس النمط الذي شوهد سابقا مع الكحول: خلال أعوام الحظر في عشرينيات القرن الـ20، بلغ الإنفاق على الكحول غير القانوني ذروته عند مستوى يعادل 4 في المائة من إجمالي إنفاق المستهلك، لأنه كان مكلفا للغاية. بعد انتهاء الحظر، انهار إجمالي مستويات الإنفاق بسبب الانكماش، حتى مع بقاء الاستهلاك ثابتا. هذا له أثران على الأقل. أولا، يشير إلى أن الحرب الأمريكية الطويلة الأمد على المخدرات "لم تنجح"، من حيث جعل الحصول على المخدرات صعبا على المستهلكين. هذا لا يثبت بالضرورة أن إلغاء التجريم سيكون أفضل، بالنظر إلى الضرر الذي يمكن أن تحدثه المخدرات "في اجتماع للجمعية الاقتصادية الأمريكية في سان دييجو، مثلا، كان الموضوع المثير هو الضرر الاقتصادي لوباء الأفيون". إن اتجاهات الأسعار في تلك السوق غير المشروعة، التي لا يمكن إنكارها مع الأسف، تستحق بالتأكيد مناقشة سياسية. ثانيا، البيانات توضح سبب وجوب أن نوسع نظرتنا عندما نقيس "الاقتصاد". في الأعوام الأخيرة - كما كتبت سابقا -، كان هناك قلق متزايد بشأن فشل بيانات الناتج المحلي الإجمالي في تتبع الابتكار الرقمي بشكل صحيح. من الواضح أن الأنشطة غير القانونية القديمة مهمة أيضا؛ إذا استثنينا أيا من هذين الأثرين، فإننا نفتقد جزءا من الصورة. في هذه الحالة، يجب أن تأتي المجموعة التالية من إصدارات بيانات الناتج المحلي الإجمالي، شرط أن تتزامن مع تحذير للصحة العامة؛ أو ربما رابط لبحث سولوفيتشيك الرائع من على الشبكة.
مشاركة :